قال رئيس النظام السوري بشار الأسد، الأحد 4 مارس/آذار 2018، إن العملية العسكرية في الغوطة الشرقية المحاصرة "يجب أن تستمر"، متجاهلاً بذلك تنديدات دولية واسعة، ودعوات لوقف الهجوم، في وقت وصل فيه عدد القتلى المدنيين هناك إلى المئات، منذ بدء حملة التصعيد قبل أسبوعين.
وأكد الأسد في تصريحات لصحفيين، نقلها التلفزيون الرسمي، على ضرورة مواصلة العمليات العسكرية في الغوطة، معتبراً أن "عملية الغوطة هي استمرار لمكافحة الإرهاب"، على حد تعبيره.
وأضاف أنه "لا يوجد أي تعارض بين الهدنة وبين الأعمال القتالية، فالتقدُّم الذي تم تحقيقه أمس وأمس الأول في الغوطة، من قبل الجيش العربي السوري، تمَّ في ظل هذه الهدنة".
وبعد حملة جوية وبرية، أُتيح لقوات النظام السيطرة على أكثر من 25% من الغوطة الشرقية، آخر معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق، فيما تقول تلك الفصائل إنها تجمع صفوفها لصدِّ هجمات النظام.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "قوات النظام وصلت إلى وسط الغوطة، وهي تبعد حالياً حوالي ثلاثة كيلومترات عن دوما"، أبرز مدن هذه المنطقة المحاصرة.
ويعود هذا التقدم، في رأيه، إلى "كون العمليات العسكرية تجري بشكل أساسي في مناطق زراعية، فضلاً عن التمهيد الجوي العنيف".
وفي أول تعليق رسمي، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عن مصدر عسكري، أن "وحدات الجيش تقدمت على أكثر من اتجاه"، وسيطرت على بلدات وقرى عدة، بينها أوتايا والنشابية وحزرما.
وتبلغ المساحة التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في الغوطة حوالي مئة كيلومتر مربع، وتشكل نحو ثلث المساحة الكلية للغوطة.
مئات الضحايا
ومع استمرار التصعيد العسكري، ارتفع إلى 756 عدد المدنيين الذين قُتلوا جراء هجمات النظام، المتواصلة منذ أسبوعين على الغوطة الشرقية لدمشق، حسب مصادر الدفاع المدني (الخوذ البيضاء).
ويأتي ذلك إثر تسجيل مقتل 38 مدنياً، الأحد، في هجمات للنظام على الغوطة، رغم قرار أممي يطالب بوقف إطلاق النار في عموم سوريا، لمدة 30 يوماً، وهدنة أعلنتها روسيا من جانب واحد في الغوطة، تستمر لساعات يومياً.
وبعد نداءات كثيرة خلال الفترة الماضية، أعلنت الأمم المتحدة الأحد نيّتها إرسال مساعدات الإثنين إلى هذه المنطقة، التي يعيش فيها 400 ألف شخص يعانون من أزمة إنسانية حادة.
وأعلنت الأمم المتحدة الأحد، أنها تنوي إرسال قافلة مساعدات، الإثنين، إلى الغوطة الشرقية، مؤلَّفة من "46 شاحنة تُقلُّ موادَ طبية وغذائية، فضلاً عن طعام لـ27500 شخص ممن هم بحاجة إليه".
وتسبَّب حصار الغوطة الشرقية بنقص كبير في المواد الغذائية والمستلزمات الطبية. وكان السكان يعتمدون على مساعدات دولية تصلهم بشكل متقطع، وعلى زراعات محلية، أو يأتون بالمواد الغذائية عبر التهريب، إلا أن التصعيد الأخير زاد من معاناتهم.
نزوح ومعاناة
ومع تقدم قوات النظام جزئياً في الغوطة الشرقية، نزح وفق المرصد السوري أكثر من ألفي شخص، باتجاه مناطق تسيطر عليها الفصائل المعارضة.
وقال أبو خليل (35 عاماً)، الذي فرَّ من مدينة بيت سوى في الغوطة الشرقية مع عائلته "الناس كلهم في الطرق كأنه يوم الحشر". وكان يحمل طفلته المصابة في وجهها وقد ملأه الغبار الناتج من قصف استهدف مبنى، كان يؤوي 14 فرداً من عائلته.
وأضاف: "أنقذنا اللهُ من القصف، وأخرجنا الدفاع المدني من تحت الردم (…)، هناك عائلات كثيرة بقيت تحت الردم".
وفي دوما، قال بشير (25 عاماً) "الملاجئ لم تعد تتسع، لا يمكنها أن تتسع للناس الذين نزحوا من مساحات شاسعة سيطر عليها النظام (…)، بل أحرقها لتصبح غير صالحة للسكن".
تنديدات واسعة
في مقابل ذلك، تصاعد التنديد الدولي بالعملية، وحمَّلت دول غربية دمشق وموسكو مسؤولية "معاناة" المدنيين في الغوطة الشرقية.
وطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأحد، خلال اتصال هاتفي بنظيره الإيراني حسن روحاني "ممارسة الضغوط الضرورية" على النظام السوري، لوقف الهجمات على السكان في الغوطة الشرقية المحاصرة.
كذلك، حملت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في اتصال هاتفي، دمشق وموسكو "كامل المسؤولية عن المعاناة الإنسانية الرهيبة" في الغوطة الشرقية.
وكانت واشنطن وباريس هدَّدتا بشنِّ ضربات في حال توافر "أدلة دامغة" على استخدام السلاح الكيميائي في سوريا. وتكرَّر منذ مطلع العام ظهور عوارض اختناق وضيق تنفس، تحديداً في الغوطة الشرقية.
وقال الأسد في تعليقه على ذلك، إن "هذا الكلام مجرد ابتزاز، لأنه يُستخدم عادة ذريعةً لتوجيه ضربات إلى الجيش السوري".
ويشار إلى أن الغوطة الشرقية تُعد إحدى بوابات دمشق، وطالما شكَّلت هدفاً للجيش السوري الذي يفرض عليها حصاراً منذ العام 2013.