قصة “In God We Trust” تبدأ مع تاريخ أمريكا.. لماذا لا تعد مقولة ترامب عن “أمة من المؤمنين” جديدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/04 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/04 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش

في خطاب اليوم الوطني للصلاة في ٨ فبراير/شباط 2018، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مركزية "الإيمان" في الحياة الأميركية، ووصف الأميركيين بأنهم "أمة من المؤمنين" nation of believers وذكّر الأميركيين بعبارة "نحن نثق في الرب" In God We Trust المكتوبة على الدولار الأميركي، واعتبر ترامب أن "حقوقنا لا تأتي من قبل الإنسان، ولكن من قبل الخالق".

ولكن تاريخ هذه اللغة الدينية أكثر تعقيداً وأقدم بكثير من تأكيدات ترامب التي تعكس وجهة نظر أميركية ليست سائدة عالمياً، لكنها تمتد لأكثر من قرن ونصف تشكل تقريباً كل تاريخ الولايات المتحدة الأميركية!

سيدي العزيز: لا يمكن لأمة أن تكون قوية إلا بقوة الرب، أو آمنة إلا في حمايته،. وينبغي أن تعلن ثقة شعبنا في الرب على عملاتنا الوطنية

جاء هذا الاقتباس في أول رسالة مؤرخة في 13 نوفمبر 1861 في سجلات وزارة الخزانة، إذ كتب اثنان من القساوسة في بنسلفانيا هذه الرسالة مطالبين حاكم الولاية بإعداد شعار وطني مستمد من الدين.

واقترح حينها بدائل للشعار تحمل نفس المعنى، واختير الشعار الحالي من بينها في عام ١٨٦٤، وبحلول عام ١٩٠٩ تم إدراجها على معظم القطع النقدية الأخرى.

وأثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي الذي كان يتبنى أيدلوجية غير متسامحة مع الأديان، أقر إيزنهاور قانوناً يلزم بأن تحمل جميع العملات شعار In God We Trust
واعتبر ذلك عودة لتراث الآباء المؤسسين لأميركا الذين حرصوا على التوكيد على المبادئ المسيحية الأميركية.

ويشبه ذلك ما كتبه ثالث رئيس أميركي توماس جيفرسون في وقت مبكر من عمر الولايات المتحدة، "إن الرب الذي أعطانا حياة أعطانا الحرية في نفس الوقت" متسائلاً "هل يمكن أن تكون حريات الأمة آمنة إذا أنكرنا بأن هذه الحريات هي من الرب"

قرن ونصف من الثقة الأميركية في الرب! كيف كانت البداية


ظهرت الخطابات السياسية التي تربط الولايات المتحدة بقوة إلهية على نطاق واسع مع اندلاع الحرب الأهلية الأميركية في عام 1861. وشجع واتكينسون، رجل الدين في ولاية بنسلفانيا، وضع مقولة "في الرب نثق" على القطع النقدية في بداية الحرب من أجل للمساعدة في قضية الشمال. هذه اللغة، كما كتب واتكينسون، "سوف تضعنا علناً ​​تحت الحماية الإلهية"!.

كان وضع العبارة على القطع النقدية مجرد بداية، لكن العبارة لم توضع على النقود الورقية التي تزايد استخدامها، وعندما أعيد تصميم النقود في أواخر القرن التاسع عشر اختفت من القطع النقدية أيضاً!

البحث عن يقين الإله في خضم الحرب الأهلية الأميركية


بينما كانت الحرب الأهلية الأميركية مشتعلة، بدأت في ١٨٦٤ مجموعة من الشخصيات المدعومة من الطوائف البروتستانتية بالدعوة لتغيير ديباجة الدستور، واستخدمت هذه المجموعة عبارات تشبه تصريحات ترامب الأخيرة عن أصل حقوق الأميركيين، طلبت المجموعة إعلان أن "الرب العظيم هو مصدر كل السلطة والقوة في الحكومة المدنية" .
ولو كان نجح مؤيدو هذا التعديل لكان الاعتقاد المسيحي جزءاً لا يتجزأ من حكومة الولايات المتحدة الأميركية.
لكن هذا الاستدعاء للدين والاعتقاد المسيحي لم يستمر طويلاً في السياسة الأميركية الداخلية، ولم يتم التصديق على التعديل المقترح على الرغم من ضغوط الطوائف البروتستانتية لإقراره.

حرب الاستقلال عن بريطانيا والحرب بين الولايات الأميركية وبعضها


بعد هجرة مستعمرين أوربيين للقارة الأميركية لأسباب اقتصادية ودينية، اعتبر سكان أميركا مواطنين بريطانيين يدفعون الضرائب للتاج البريطاني.
ولكن الوفاق بين سكان ساحلي المحيط لم يستمر طويلاً فقد استاء سكان المستعمرات الأميركية من القوانين البريطانية وبدأوا باحتجاجات تطورت لحرب مع بريطانيا انتصر فيها الأميركان ووقعا معاهدة فرساي١ ١٧٨٣، ثم أقر مندوبو الولايات اتفاقية دستور البلاد ١٧٨٧-١٧٨٨.
وفي الفترة من 1861-1865 اندلعت الحرب بين الولايات قتل خلالها أكثر من ٦٠٠ ألف إنسان.

علمانية ما بعد الحرب الأميركية، والعودة للدين بعد الحرب العالمية!


في كتابه عن الدين والثقافة في أميركا يلاحظ المؤرخ والأكاديمي ديفيد ميلسين، أن انتشار العلمانية بعد الحرب الأميركية جعل كثيراً من الناس يعترض على وضع اللغة الدينية في الدستور وعلى العملة، معتبرين أن ذلك لا يتفق مع المثل الأميركية .

لكن عودة كبيرة للمفردات الدينية جاءت بعد قرابة القرن من الزمان، إذ شهدت خمسينيات القرن العشرين استخداماً واسعاً للمفردات واللغة الدينية في الحكم والسياسة، وكانت هذه العودة هي ما استدعى عبارة "نثق في الرب" مرة أخرى، ليس فقط كشعار مكتوب على الدولار ولكن كشعار وطني لأميركا.
في عام 1955، وقع الرئيس دوايت أيزنهاور مشروع قانون يضع العبارة على كل العملات الأميركية (فئات الدولار المختلفة)، وقال عضو الكونغرس تشارلز بينيت حينها في سياق إقرار التشريع إن الولايات المتحدة "تأسست في جو روحاني وبثقة راسخة في الرب".

أميركا "المؤمنة" ليست "الاتحاد السوفيتي الملحد"!


وخلال فترة الحرب الباردة، سعت حكومة الولايات المتحدة للتوكيد على الاختلاف عن الاتحاد السوفيتي، الذي عزز الإلحاد في الدولة وأقر تشريعات معادية للأديان.
وأقر الكونغرس الأميركي في دورة انعقاده الـ٨٤ تشريعاً يعتمد "في الرب نثق" كأول شعار رسمي للولايات المتحدة، ووقع القانون الرئيس أيزنهاور في 30 يوليو 1956