ظهرت على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حالة من الغضب المفاجئ خلال تدشينه 7 مدن جديدة يوم الخميس 1 مارس/ آذار 2018، عندما دعا وسائل الإعلام إلى التصدي للإساءة إلى القوات المسلحة والشرطة، وقال إن الإساءة إليهما خيانة عظمى، وإن هناك فرقاً بين حرية الرأي والإساءة.
الرئيس المصري، في نهاية حديثه عن التنمية بمصر، طلب أن يتحدث في أمر أخير، موجهاً رسالة إلى الإعلام بلهجة هادئة، يطالبه فيها بعدم الإساءة إلى الجيش والشرطة؛ لأنها ستكون "إساءة إلى كل المصريين"، مضيفاً أنه ليس ضد أن يكون للشخص وجهة نظر، لكن لا يصح أن تحمل وجهة النظر هذه إساءة إلى الجيش.
ثم بدأ الغضب والانفعال يظهر تدريجياً على وجه السيسي، قائلاً إنه لا يمكن لأحد أن يسيء إلى الجيش والشرطة ما دام هو موجوداً.
وطبقاً لما ذكرته صحيفة "المصري اليوم"، فإن حالة الغضب هذه كانت وراءها 3 أعمال فنية وأدبية، تتمثل في فيلم تسجيلي وعرض مسرحي وديوان شعر.
الفيلم التسجيلي
وتسلَّمت نيابة أمن الدولة العليا، يوم الخميس 1 مارس/ آذار 2018، تحريات الأمن الوطني، في تحقيقاته مع صنّاع الفيلم التسجيلي "سالب 1095″.
واتهمت النيابة صنَّاع الفيلم بـ"تعمد نشر أخبار كاذبة للتحريض ضد الدولة، من خلال بث صور وفيديوهات وتصريحات مجتزأة، وانتماء صنّاعه إلى حركات سياسية معارضة، وتلقيهم تكليفات من جهات إعلامية معادية لإنتاج الفيلم؛ تمهيداً لإذاعته عبر قنوات معادية للدولة تدعم جماعة الإخوان".
وأمرت النيابة بضبط وإحضار سلمى علاء الدين، مخرجة العمل وناشطة في حركة 6 أبريل، بالإضافة إلى مصور، وقررت حبس المونتير طارق زيادة 15 يوماً؛ لإنتاجهم الفيلم، الذي ظهر فيه عدد من الشخصيات العامة يطلقون تصريحات، وصفتها التحريات بأنها "هجومية ضد الدولة"، منهم عزة سليمان، وعبد الخالق فاروق، وشادي الغزالي حرب، وحمدي قشطة، ومازن حسن، وإلهام عيداروس، ومعصوم مرزوق، وممدوح حمزة، وعمرو بدر، وأحمد ماهر، ومحمد أنور السادات.
ويشتق الفيلم اسمه من إعلانات وأفلام تسجيلية ترويجية لإنجازات الرئيس المصري بعنوان "مصر 1095″، والذي يُقصد به إنجازات 1095 يوماً منذ تولي الرئيس المصري حكم البلاد، والتي نُشرت بمناسبة مرور 3 أعوام على حكم السيسي.
ومن ثم، جاء اسم الفيلم التسجيلي "سالب 1095″، ليعطي الصورة الأخرى السلبية لما يراه القائمون على العمل سلبيات واضحة.
وحتى الآن، كان الفيلم لا يزال في طور الإعداد، ولم يخرج منه أي مقطع أو تسريبات مصورة.
ديوان شعر
في سياق متصل، أعلنت دار "ضاد للنشر والتوزيع" فسخ تعاقدها مع الشاعر جلال البحيري؛ لما بدر منه من "إساءات تمس الوطن في ديوانه"، مشيرةً إلى أن ما حدث كان مجرد تعاقد لم يرقَ لطباعة أية نسخة من الديوان.
وكان الإعلامي المصري أحمد موسى، المقرب من الحكومة، عرض كتاباً جديداً للكاتب جلال البحيري عنوانه "خير نسوان الأرض"، وقال إن فيه "تطاولاً على القوات المسلحة المصرية"، ليقوم بتمزيقه وسط انفعال شديد.
وذكر موسى بعض المقتطفات من الكتاب والتي أثارت غضبه، مثل مقدِّمة الكتاب التي يدَّعي فيها أن الجيش المصري لم يكسب أي معركة "ما تصدقوش يا ولاد لا كسبنا يوم معركة ولا حاربنا".
وأشار موسى إلى أن الكتاب كان بمعرض القاهرة الدولي للكتاب خلال شهر فبراير/شباط 2018، وكان هناك حفل لتوقيع الكتاب، مضيفاً: "يا للعار على وزارة الثقافة، وهيئة الكتاب، وكل من سمح بصدور ذلك الكتاب وتوزيعه!".
من جانبها، ردَّت وزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم، بأنها ستتأكد من وجود الكتاب داخل المعرض فعلياً، ودار النشر التي صدر عنها، وبعدها تتخذ الإجراءات اللازمة.
عرض مسرحي
على الصعيد نفسه، أصدر نادي الصيد بياناً، أعلن فيه دعمه القوات المسلحة والشرطة، بعد الانتقادات التي طالت مسرحية "سليمان خاطر"، التي أوقف النادي عرضها، رافضاً الزج بالنادي في إشارات "تسيء ليس إلى القوات المسلحة والشرطة فحسب، وإنما لكل مؤسسات الدولة".
وقالت إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، إن مسرحية "سليمان خاطر" التي عُرضت بنادي الصيد، لم تحصل على موافقة من الرقابة، وسبق لها العرض من قبلُ في مهرجان الهواة بالإسكندرية في 2016.
وأضافت، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "على مسؤوليتي"، المذاع على قناة "صدى البلد"، مساء الأربعاء 28 فبراير/شباط 2018، أنه تم تحرير محضر بعد عرض المسرحية في نادي الصيد، الذي يجري تحقيقاً مع المسؤولين عن عرض هذه المسرحية.
لكن أحمد الجارحي، مخرج العرض المسرحي بنادي الصيد، ردَّ قائلاً إن العرض متعلق بقضية "سليمان خاطر"، ولا بد أن تُشاهد في سياقها الفني والتاريخي، ولا علاقة لها بالقوات المسلحة.
وأضاف "الجارحي"، خلال اتصال هاتفي ببرنامج "على مسؤوليتي"، أن العمل المسرحي "يفضح جماعة الإخوان الإرهابية، التي قالت إن سليمان خاطر بطلهم، وهذا غير صحيح".
ولفت أحمد الجارحي إلى أن ما أثار غضب المواطنين في مضمون العرض المسرحي من الممكن أن يكون وقع عن جهل، متابعاً: "منذ 18 عاماً وأنا أعمل على مسرح الهواة، ولم يذهب نص واحد للرقابة قبل ذلك".
وسليمان خاطر، هو جندي مصري التحق بالخدمة العسكرية بقوات الأمن المركزي، وكان آخر من التحق بهذا السلاح من الحاصلين على الثانوية العامة.
وفي يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 1985، وفي أثناء قيام سليمان بأداء نوبة حراسته المعتادة، بمنطقة رأس برقة جنوب سيناء، فوجئ بمجموعة من السائحين الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته، خاطبهم بالإنكليزية بأنه ممنوع العبور لهذه المنطقة فاستمروا بالتسلق، فأطلق رصاصات تحذيرية؛ لأن ذلك يشكل في العرف العسكري وضعية عدائية وخطرة، يجب التعامل معها بإطلاق الرصاص، إلا أنهم لم يستجيبوا، وبالفعل أطلق النار عليهم، وقتل منهم 7 أشخاص.
أُحيل سليمان إلى المحاكمة العسكرية في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وخلال التحقيقات معه، قال سليمان إن أولئك الإسرائيليين تسللوا إلى داخل الحدود المصرية من غير سابق ترخيص، وإنهم رفضوا الاستجابة للتحذيرات بإطلاق النار.
وطعن محامي سليمان، صلاح أبو إسماعيل، في القرار الجمهوري وطلب محاكمته أمام قاضيه الطبيعي، وتم رفض الطعن.
وبالفعل، أصدرت المحكمة العسكرية ضده حكماً بالسجن المؤبد 25 سنة، بعد الحادثة بـ3 أشهر، وتم نقله إلى السجن الحربي بالقاهرة لقضاء العقوبة الموقَّعة عليه. وبعدها، تم نقله إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا. وفي 7 يناير/كانون الثاني 1986، أعلنت الإذاعة ونشرت الصحف خبر انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة، ولم يتم التحقيق في الواقعة وأُغلقت القضية على ذلك.