تقدَّمت فرقة الموسيقى في الجيش وسط عروض من المدافع الرشاشة والصواريخ الموجهة بالليزر في مدينة الرياض، هذا الأسبوع، في معرضٍ أقامته شركات الدفاع العالمية.
بعد مرور ساعات فقط، أعلنت الحكومة السعودية الإطاحة بالعديد من كبار القادة في الجيش، بينهم رئيس هيئة الأركان وقائد القوات الجوية والبرية، حسب تقرير وكالة Bloomberg الأميركية.
وإن كانت الأشهر الأخيرة تركَّزت على الحملة التي شنَّها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، على أبرز رجال الأعمال- فإنَّه قد تحول الآن إلى الجيش، رامياً إلى بسط سلطته على المملكة.
تأتي عملية تغيير كبار قادة الجيش في الوقت الذي تكافح فيه السعودية من أجل السيطرة على الحرب بالوكالة مع إيران في اليمن المجاور.
لكن، كما هو حال كل شيءٍ في السعودية الآن، الأمر يرجع إلى الشؤون المالية للبلاد، ومحاولة الأمير إصلاح الاقتصاد القائم على النفط والتي يتباهى بها كثيراً.
الشركات التي حضرت المعرض
وفق وكالة Bloomberg الأميركية، فقد حضر مسؤولو شركتي رايثيون وبوينغ الأميركيتين، وشركة راينميتال الألمانية، وغيرها من الشركات العالمية الأخرى، المعرض للتحدث وإظهار أنَّهم يتوافقون مع "رؤية 2030".
ويضم العصر الجديد للدفاع، تطوير صناعة محلية؛ حتى يتسنَّى لأكبر مستورد بالعالم للأسلحة الأميركية صناعة المعدات بنفسه بالتعاون مع الجهات المصنعة الأجنبية.
بالنسبة للشركات المتخصصة في المعدات الحربية، فقد يعني ذلك مليارات الدولارات من عقود الأسلحة؛ لأنَّ السعودية ستستغرق عقوداً من الزمن لبناء صناعة من الصفر. في أثناء المعرض الذي أُقيم بالرياض، قامت عشرات الشركات بالتسويق لأسلحتها الإلكترونية والمركبات القتالية وأنظمة الاتصالات.
قال جون بوتيمور، نائب رئيس قسم الأعمال التجارية الدولية بالوحدة الأميركية لشركة "بي إيه إي سيستمز" البريطانية، بمقابلةٍ في أثناء المعرض: "سيكون هناك العديد من الإمكانات التجارية على مدار السنوات الخمس أو العشر أو الخمس عشرة القادمة، فلن تكون لنا مكانة في المملكة العربية السعودية على المدى الطويل ما لم نتعاون مع الشركاء وننقل القدرات".
جاء الإعلان، الذي صدر الإثنين 26 فبراير/شباط 2018، عن إجراء تغييرات بصفوف الجيش في اليوم نفسه الذي اعتمد الملك سلمان فيه خطة تضع "رؤية واستراتيجية" لوزارة الدفاع. وفي تحولٍ كبير آخر، قالت الحكومة أيضاً إنَّ الوظائف العسكرية في رتبة "جندي" ستكون متاحة أمام السيدات لأول مرة.
وأسس صندوق الثروة السيادية السعودي الشركة السعودية للصناعات العسكرية في مايو/أيار 2017. وتعتزم الشركة تصنيع معدات وتوفير خدمة الصيانة عبر وحدات، وضمن ذلك الأنظمة الجوية والبرية، والأسلحة والقذائف، والإلكترونيات الدفاعية بصورة رئيسية في مشروعات مشتركة.
السعودية تسعى إلى درجة من الاكتفاء الذاتي العسكري
قال جيمس دورسي، باحث متخصص بالشرق الأوسط في جامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة، إنَّ "السعودية تسعى إلى درجة من الاكتفاء الذاتي العسكري عن طريق تطوير الصناعة العسكرية المحلية، ووضع بعض اللبِنات التي قد تحتاجها في حال قررت أنَّها تحتاج إلى قدرة نووية" وفق وكالة Bloomberg الأميركية، مضيفاً أنَّ معارضة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإيران تمنح السعوديين "نافذة فرصة".
وقال أندرياس شوير، المدير العام للشركة السعودية للصناعات الدفاعية، إنَّ الهدف النهائي هو توطين 50% من المشتريات (الدفاعية) السعودية بدلاً من نسبة 2% في الوقت الراهن.
وأضاف شوير، في مقابلةٍ بالمعرض، أنَّ ذلك سيخلق فرص عمل وسيُدرّ عائداتٍ بنحو 10 مليارات دولار سنوياً للشركة السعودية للصناعات العسكرية بحلول عام 2030.
وبدأت السعودية تنظيم المعرض في 2010؛ لتطوير صناعتها العسكرية المحلية. وقال اللواء عطية المالكي، مدير الإدارة العامة لدعم التصنيع المحلي، إنَّ الحدث الذي تحضره شركات سعودية ومسؤولون حكوميون، سيُساعد الشركات الدولية في العثور على مصنع أو خدمة محلية يمكن استخدامهما في سلسلة الإمداد الخاصة بها.
أنواع الأسلحة
وداخل القاعة، تفقَّد الضباط السعوديون الزي الجديد، والدروع الواقية، والمركبات الصالحة لكل أشكال التضاريس، والمكونات العسكرية-الصناعية التي تعرضها شركات متنوعة؛ مثل: شركة روكستان التركية للصناعات الدفاعية، وشركة هانوا الكورية الجنوبية، وشركة أوشكوش الأميركية. وخارج المعرض، كانت هناك حاملات أفراد مدرعة وعربات إطفاء ومدفع.
وتعد "ريثيون" إحدى الشركات الدفاعية الأميركية التي تعمل مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية. ووسط المعرض، أرشد المديرون التنفيذيون للشركة الزوار في أثناء رحلة افتراضية بمدينة عسكرية، حيث يطير المشاهد فوق مبانٍ ويتجول عبر مراكز التدريب.
وقال مايكل بوتييه، نائب رئيس قسم تطوير الأعمال في "ريثيون"، إنَّ الشركة تتوقع أنَّها ستتوصل للتفاصيل النهائية لمشروع مشترك مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية، على مدى الأسبوعين المقبلين. وأضاف بوتييه أنَّ الشركة تُقدِّر أنَّها ستحقق عائدات تبلغ 7 مليارات دولار من عملية توطين المشروعات الدفاعية بالسعودية على مدى السنوات الخمس أو السبع المقبلة.
يعد هذا كله جزءاً من خطة ولي العهد، محمد بن سلمان، "معنا أو ضدنا"، للدفع بالسعودية إلى الاقتصاد المعولم للقرن الـ21، وفق وكالة Bloomberg الأميركية.
يُمثل الدافع لإنشاء شركة دفاعية محلية إحدى ركائز "رؤية 2030″، إلى جانب بناء مدن جديدة وتطوير صناعة الترفيه. وتتضمن الخُطة أيضاً، بيع حصص في أصول الدولة، من ضمنها شركة أرامكو العملاقة للنفط، وإنشاء أكبر صندوق ثروة سيادي بالعالم.
كانت عملية تغيير القيادة العسكرية، التي أُعلن عنها هذا الأسبوع، بمثابة تذكرة بالأحداث التي جرت العام الماضي (2017). فبعد أسبوعين من استقبال ولي العهد بعض كبار المستثمرين في العالم بفندق "ريتز-كارلتون" الفاخر بالرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2017، حوَّل الفندق إلى سجنٍ فاخر للعشرات من أبرز أمراء ورجال أعمال المملكة.
وقال شوير، الذي ترأس النظم القتالية في شركة راينميتال الألمانية قبل أن ينضم إلى الشركة السعودية للصناعات العسكرية العام الماضي (2017)، إن هناك تسليماً لا يتزعزع لأجل إنجاز المهمة، شريطة أن توظِّف الدولة الأشخاص المناسبين.
وأضاف شوير: "هناك التزام من الحكومة، والملك وولي العهد. وبما أنَّنا ركيزة جوهرية لرؤية 2030، فإنَّ الفشل ليس خياراً لنا".