فجَّر الفيلم الوثائقي الذي نشرته شبكة "بي بي سي" البريطانية، حالةً من الجدل في المجتمع المصري، فقد وثَّق الفيلم شهادة امرأة مصرية اعتقلتها السلطات المصرية مع ابنتها عام 2014، وتعرُّض الأخيرة للتعذيب والاغتصاب.
أثارت شهادة "أم زبيدة" غضبَ الحكومة المصرية، فقد وَصَفَتْ الرئاسة المصرية في بيانٍ، أمس الإثنين 26 فبراير/شباط 2018، ما تضمَّنه التقرير بأنه "محض أكاذيب وادعاءات بشأن الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر، وأوضاع السجون وحقوق الإنسان، وينطوي على تناقضات وانحياز سلبي، وانتهاك لكل المعايير المهنية في مجال الصحافة".
لم تتوقف القصة عند ذلك، فقد تحرَّك الإعلام المصري لدحض ما جاء به فيلم "بي بي سي"، حيث قام الإعلامي المصري عمرو أديب باستضافة "زبيدة" في برنامجه "كل يوم" على فضائية "on e"، وقالت إنّها "لم تلتقِ بوالدتها منذ عام، وهناك خلافات عائلية تمنعها من التواصل مع والدتها"، بل ونفت دخولها السجن كما قالت والدتها، وفقاً لما ذكرته في البرنامج.
شكوك وتساؤلات
ظهور "زبيدة" الذي نفى رواية بي بي سي حول تعرضها للتعذيب، في حين أكد تعرضها للاعتقال، أحدث تضارباً بالمعلومات، وأثار حالةً من الجدل على الشبكات الاجتماعية، وفتح عدداً من الأسئلة التي بحاجة للإجابة عنها.
إحدى هذه النقاط التي أُثير الجدلُ حولها، هو تزوج الفتاة دون علم أمها، وظهور رجل في الفيديو وهو يحمل طفلاً رضيعاً، فقد قال الصحفي المصري عمرو سلامة، إن هذا الرجل يدعى الكابتن سعيد عبدالعظيم، وقد تزوَّج أكثر من مرة، وانضمَّ لحزب الحرية والعدالة، وشاهد على فض رابعة.
وأكد سلامة، الذي نشر على صفحته بموقع فيسبوك صوراً لعبدالعظيم، أن زبيدة متزوجة بالفعل من هذا الرجل، وأن أخاها شاهد على هذا الزواج، وهو ما يثير تساؤلاً حول سبب علم أخيها فقط بهذا الأمر، كما أكد أن الطفل مولود منذ 15 يوماً فقط.
هذا الأمر، أكده أيضاً الصحفي المصري عبدالرحمن عز، وأضاف أن عبدالعظيم اعتُقل أكثر من مرة، وكان له نشاطٌ سياسي ضد "الانقلاب"، إلا أنه توقَّف بعد ذلك، وهو الآن يتردد على مقر أمن الدولة.
ونشر عز صورةً سابقةً لزبيدة، وقارن شكلها في الفيديو الذي ظهرت به مع عمرو أديب، وقال عز بسخرية: "واضح جداً على ملامح البنت، والفرق بين الصورتين أن #زبيدة مش مضغوط عليها، ولا اتعرَّضت لاعتقال أو تعذيب أو أي حاجة، والبنت سعيدة ومتهنية، ووشها بيخُرّ سعادة وفرحة وطمأنينة!!"
وكشف الصحفي سلامة أن عبدالعظيم اعتُقل منذ 3 أيام، وأحضروا له زوجته زبيدة وابنهما الرضيع في قسم إمبابة، وقال الصحفي سلامة إن اعتقال عبدالعظيم جاء لترتيب لقاء عمرو أديب الأخير، الذي تمَّ في مكتب أمن الدولة بقسم إمبابة، على حد قوله.
وألمح الصحفي من خلال عددٍ من التساؤلات التي طرحها، إلى أن الكابتن عبدالعظيم تعرَّض لضغوطات من أجل إجراء هذا الحوار.
سؤال واحد
للزميل الإعلامي عمرو أديب!
طلعت ليه حوار مسجل وليس هواء؟
طالما حضرتك بتوع الحقيقة خفتم ليه من الهواء؟!
وحضرتك بتجيب التخين في الإستوديو
ليه اللقاء كان فيها قطع يعني (مونتاج)؟
مش دي تخلينا نتأكد إنك بوق للعسكر وبتقوم بدور منحط قوي بتسفيه كل من يكشف إجرام العسكر#زبيده— Haytham Abokhalil (@haythamabokhal1) ٢٧ فبراير، ٢٠١٨
وبالعودة إلى الفيديو، فقد ظهر الإعلامي عمرو أديب يتحدث أكثر مما تحدثت زبيدة، فقد اكتفت بالإجابة عن أسئلة أديب بنعم أو لا، وهو الأمر الذي قد يفتح مجالاً للشك حول تعرُّضها لضغوط، من أجل إجبارها على الظهور إعلامياً لمواجهة فيلم بي بي سي.
فيما رأى آخرون أن صوت زبيدة وملامح وجهها في المقابلة مع عمرو أديب، تُظهر حجم الضغط الذي تعرَّضت له.
وجهة نظر أخرى
على الجانب الآخر، رأى مصريون أن لقاء أديب بزبيدة كشف ما وصفوه بـ"كذب وافتراءات" بي بي سي، وهو ما يؤكد التآمر على الدولة المصرية من قِبل القناة البريطانية، على حد قولهم.
وكان الكاتب الصحفي ضياء رشوان، رئيس الهيئة، قد قرر استدعاء مديرة مكتب "بي بي سي" بالقاهرة، لتسليمها ما جاء في هذا البيان، في صورة خطاب رسمي لمطالبة هيئة الإذاعة البريطانية باتخاذ موقف، لتصحيح ما أقدمت عليه مراسلتها من مخالفات مهنية في هذا التقرير.
وبعد بثِّ فيلم بي بي سي، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية بالإفراج فوراً عمَّن وصفتهم بأنهم "اعتقلوا بسبب انتقاد السلطة أو مشاركتهم في نشاط سلمي، وإسقاط تصنيفهم على لوائح الإرهاب".
وأضافت المنظمة، أن السلطات "شنَّت حملةَ اعتقالات تعسفية قبيل الانتخابات الرئاسية"، التي وصفتها بـ"غير النزيهة".
وانتقدت الهيئة الوطنية للصحافة في مصر تقريرَ منظمة هيومان رايتس ووتش، وقالت إنه يأتى في "سياق البيانات التحريضية التي اعتادت المنظمة نشرَهَا، وتتناول الأوضاعَ عن مصر على غير الحقيقة، وتروِّج لوقائع دون أدلة أو أسانيد".