كانت هدى حامد تستعد لأداء عمرة شهر رجب المقبل هي وزوجها، بعدما نجحا في جمع مبلغ 20 ألف جنيه (10 آلاف لكل منهما) اللازمة لكليهما لأداء العمرة، قبل أن تفاجئ بقرار وزير السياحة المصرية فرض رسوم إضافية على المعتمرين تعادل نفس المبلغ (10 آلاف لكل معتمر أدى العمرة في السنوات الثلاث الماضية ويرغب في تكرارها).
هدى التي تعمل مدرسة وتتقاضى أجراً حكومياً يكفيها بالكاد هي وزوجها، قالت لـ"عربي بوست" إنها جمعت تكلفة العمرة بصعوبة وبعد دخولها "جمعيات" مع زميلاتها في المدرسة، لتفاجأ بأنه مطلوب منها 10 آلاف جنيه أخرى (حوالي 570 دولار) تدفعها للحكومة المصرية حتى يمكنها العمرة.
وأضافت غاضبة "كيف يُصعبون علينا أداء شعائر الدين ويفرضون رسوماً، بينما لا يفرضون رسوماً على من يريدون الذهاب للفسحة في أوروبا". لتقول إن ما زاد من غضبها هو أنها سمعت أن السعودية أيضاً تفرض رسوم 2000 ريال (10 آلاف جنيه) على كل مصري يرغب في العمرة وسبق له أن أدى العمرة من قبل.
"يعني مطلوب مني أعتمر بـ 30 ألف جنيه، غير 10 آلاف أخرى كمصاريف. في السابق كنت أعتمر بأقل من 10 آلاف جنيه شاملة مصاريفي، بخلاف ما سمعناه عن تحصيل ألف جنيه أخرى لصندوق تحيا مصر على كل معتمر"، بحسب قولها.
انا بقول كل واحد يقفل على عداد ذنوبه لحد كدا ونقول ستوب…بس خللى فى بالك لو ناوى تروح تتوب ف توبتك مش هتتقبل الا لما تكيش صندوق تحيا مصر قسم صك التوبة
يعنى 10000 رسوم هنا + تذكرة الطيران + تأشيرة + ضرايب…. يعنى اقل عمرة 30000 بعد ما كان كبيرها من 2 الى 5 الاف#لنا_الله pic.twitter.com/roUOp5WV0R— عبدالله بن زايد (@Abdullah_Zayed2) February 24, 2018
واضطرت هدى إلى سحب أوراقها التي قدمتها لإحدى شركات السياحة، بعد معرفتها بهذه الرسوم الباهظة والحرمان من العمرة هذا العام، "المبلغ المالي المطلوب أصبح أكبر من إمكانياتي وتضاعف 3 مرات"، بحسب قولها.
وارتفعت أسعار العمرة بشكل غير مسبوق، إذ كانت تتراوح أسعار العمرة لعام 2013، بين 5 – 10 آلاف جنيه، وارتفعت حالياً بين 12 و20 ألف جنيه مصري، بحسب برنامج الرحلة والطائرة أو الباخرة.
وكانت مصر تحتل المركز الأول في قائمة الدول المنظمة لرحلات العمرة؛ وبلغت أعداد المعتمرين الذين يؤدون مناسك العمرة سنوياً نحو مليون ونصف معتمر، ولكن هذه الاعداد تراجعت في ظل الأزمة الاقتصادية وتعويم سعر الجنيه الذي قلص قيمته بنسبة 50%، إلى نحو 400 – 700 ألف معتمر، والقانون الجديد يخفضها إلى 500 ألف فقط.
ويتوقع شريف سعيد، الرئيس الأسبق للجنة السياحة الدينية بغرفة شركات السياحة، أن تنخفض أعداد المعتمرين بشكل كبير، أمام الشروط التعجيزية التي تفرضها الدولة، مشيراً إلى أن عدد المعتمرين العام الماضي بلغ حوالي 600 ألف، ومع هذا جرى تحديد العدد هذا العام بـ 500 ألف فقط.
واعتمدت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة السياحة يوم 23 فبراير/شباط الضوابط الجديدة المنظمة لرحلات العمرة لهذا العام الذي ستبدأ أولى رحلاته في أول مارس/آذار 2018، والتي تضمنت القيود السابقة وسط غضب شعبي واستياء من شركات السياحة التي رفعت 8 دعاوى قضائية ضد الوزارة.
وبحسب بيان وزارة السياحة، تضمنت الضوابط مد موسم العمرة إلى 4 أشهر هي جمادى الثاني ورجب وشعبان ورمضان، وتحديد الحد الأقصى لإجمالي عدد التأشيرات المستهدف تنفيذها في الموسم الواحد بـ 500 ألف تأشيرة، يتم تنفيذ 20% منها خلال شهر رمضان.
وأعطت الضوابط الأولوية للمصريين الذين لم يسبق لهم أداء مناسك العمرة من قبل، بعد تحديد سقف لعدد المعتمرين في الموسم الواحد بـ 500 ألف تأشيرة فقط 20% منها خلال شهر رمضان.
وفرض مبلغ 2000 ريال سعودي على من سبق له أداء العمرة العام الماضي أو الأعوام السابقة بحد أقصى 3 سنوات، ودفع 3 آلاف ريال (15 ألف جنيه) للمعتمر الذي يؤدي العمرة أكثر من مرة في الموسم الواحد، وذلك في حساب خاص بالبنك المركزي.
واستثنت الوزارة من هذه الرسوم أسر الشهداء والمصابين حتى الدرجة الثانية من ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة المدنية والمواطنين جراء العمليات الإرهابية، ويُستثنى أيضاً المحارم والأطفال أقل من 12 عاماً ومشرفو برامج العمرة المسجلين بالوزارة.
قصة توريد أموال لصندوق تحيا مصر
ورغم أن الاشتراطات السابقة الأخرى كانت صحيحة، لكن كان هناك جدل كبير فيما يتعلق بجزئية واحدة، وهي الأخبار المتداولة بخصوص مبلغ الألف جنيه الذي يتم توريده لصندوق "تحيا مصر".
بدأت القصة بانتشار بوست على الشبكات الاجتماعية يرصد القيود المالية التي فرضتها السعودية ومصر على أي مصري يرغب في أداء العمرة، ويزعم فرض ألف جنية على "من أراد العمرة لأول مرة".
علشان تعتمر وتصلي لازم تمسي ع صندوق تحيا مصر pic.twitter.com/y74VeNicUI
— Mostafa Zain (@Mostafa84875410) February 23, 2018
وفي تصريح خاص لـ"عربي بوست" نفى إبراهيم كرم المدير التنفيذي لصندوق تحيا مصر فرض رسوم على المعتمرين لصالح صندوق تحيا مصر، قائلاً: "هذا خبر عار من الصحة"، واصافاً إياه بـ"الإشاعة التي تهدف ضرب الصندوق خاصة مع دخول موسم الانتخابات الرئاسية".
وأكد أن الضوابط التي وضعتها وزارة السياحة "لم يرد فيها اسم "صندوق تحيا مصر" فمن أين يأتي البعض بهذه الشائعات"، واعتبره "محاولة خبيثة تستهدف في المقام الأول تشويه الهدف النبيل والإنساني الذي يحكم آليات العمل في الصندوق من ناحية وعلاقته بالمتبرعين من ناحية أخرى".
وبسبب استمرار الجدل حول تبرع المعتمرين لصندوق تحيا مصر، أصدر إبراهيم كرم المدير التنفيذي للصندوق بياناً وزع على الصحف المصرية يؤكد أنه لا صحة لهذه الأخبار وأنها مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، وأن "كل ما تم نشره في هذا الشأن جاء نتيجة عدم تحري الدقة فيما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية".
#أسامة_كمال:معنى البيان إن الكلام اللي عمال يلف ع الفيس بوك إن فيه فلوس بتتحصل لصالح صندوق تحيا مصر والكلام الفارغ دة مالوش أي صحة ومجرد إشاعات لتأليب الناس.. وصلت؟ يا رب
— Ossama Kamal (@ossamakamal) February 23, 2018
أشرف شيحة عضو مجلس النواب، وعضو اللجنة العليا للحج والعمرة، نفي بدوره دفع أي معتمر ألف جنية حال رغبته في العمرة، وأكد أن "كل ما قيل في هذه القضية عار تماماً من الصحة والضوابط التي اعتمدتها وزيرة السياحة، مؤخراً لا تشمل هذه الرسوم إطلاقاً".
وبرر "شيحة" فرض مصر رسوم 2000 ريال أخرى بجانب ما فرضته السعودية (2000 ريال) على أي معتمر كرر العمرة خلال السنوات الثلاث الماضية، وتقليص أعداد المعتمرين إلى نصف مليون فقط في العام إلى ما أسماه "الظروف الاستثنائية الاقتصادية التي تمر بها الدولة والأعباء التي تتحملها لتوفير العملة الصعبة لمواسم الحج والعمرة".
وبلغ الاحتياطي النقدي المصري من الدولار أكثر من 38 مليار دولار لأول مرة منذ ثورة يناير 2011، واشترت مصر ديوناً جديدة في صورة سندات دولية الأسبوع الماضي تقدر بـ 4 مليارات دولار ما يعني ارتفاع الاحتياطي إلى 42 ملياراً، بيد أن غالبية هذا الاحتياطي ديون.
وتبلغ الديون المصرية بحسب آخر تقارير البنك المركزي 80 مليار دولار، فيما قدرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، ارتفاع حجم الدين الخارجي لمصر بنحو 100 مليار دولار في نهاية 2017.
وجاء قرار وزارة السياحة بوضع رسوم على تكرار العمرة، في سياق أزمة نقص العملة الصعبة التي كانت تعاني منها مصر قبل تعويم الجنيه، والتي كانت سبباً في تقليص موسم العمرة ووقفه، خلال الفترة الماضية، والمخاوف من السحب الدولاري في الفترة المقبلة مع حلول شهر رمضان ثم الأعياد التي تستنزف عملة صعبة في استيراد ياميش وسلع غذائية وفوانيس رمضان.
ويقول خبراء نشرة "انتربرايز" الاقتصادية المصرية في نشرتهم الأخيرة أن رسوم العمرة الجديدة "تأتي كمحاولة للسيطرة على الطلب المطرد على العملة الصعبة قبل بدء موسم رمضان والذي يشهد إقبالاً كبيراً على طلب العملة من قبل المستوردين والمصنعين لتلبية احتياجات السوق المحلي".
ورغم تأكيد "شيحه" لـ"عربي بوست" أن: "هذه القضية "لم تناقش أو تطرح من الأساس في أي اجتماعات للجنة العليا للحج والعمرة، فقد ألمح العالم الأزهري الشيخ أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر لأنها كانت مقترحة ولكن تم إلغاؤها بعد الاعتراضات الشعبية.
ففي تصريح خاص لـ"عربي بوست"، قال الدكتور أحمد كريمة من علماء الأزهر الشريف إن "هذا المقترح لاقى رفضاً من قبل شيوخ وعلماء الأزهر".
وأضاف: "هذا الرفض لعله السبب في تراجع الحكومة عن هذا المقترح، إذ كيف لمن فعل طاعة أن يعاقب بدفع غرامة خاصة أن معظم من يذهب للعمرة من غير المقتدرين الذين يدخرون أموالاً طيلة العام من أجل زيارة بيت الله الحرام وهم لا يستطيعون سبيلاً للحج".
وتابع: "كيف نعاقب هؤلاء بغرامة؟، هذا حرام شرعاً والرسول صلى الله عليه وسلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر".
واختتم حديثه بقوله: "إذا كانت الحكومة تريد توفير العملة الصعبة فعليها البحث عن طرق لتحجيم أفواج المترفين الذين يتوافدون على أوروبا وغيرها بدلاً من إغلاق منافذ السياحة الدينية وحرمان المسلمين من لذة زيارة بيت الله الحرام وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم".
تكرار العمرة تبذير ومن يريد أن يفعل فعليه ان يدفع .موافقة على شرط أن يجيبوا على هذا السؤال :
ماقولكم فى المؤتمرات الشبابية والضيافات المفتوحة والمليارات المهدرة على إعلام التعتيم وتغيب الوعى؟— مي عزام (@mayazzam_) February 26, 2018
ثورة غضب في شركات السياحة
وأبدت شركات السياحة المصرية اعتراضها على قرار وزيرة السياحة بتحديد أعداد المعتمرين، وكذا فرض رسوم باهظة على ما يريد تكرار العمرة واعتمر قبل 3 سنوات، وتقول إن القيود الجديدة ستزيد من الركود في قطاع السياحة.
وتلقت محكمة القضاء الإداري، على مدار يومي 25 و26 فبراير عقب صدور قرار الوزيرة، 8 دعاوى تطالب بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزيرة السياحة رانيا المشاط الصادر في 22 فبراير الجاري بشأن شروط وضوابط تنفيذ رحلات العمرة لعام 2018، وطالبت بعض الدعاوى بإلزام وزارة السياحة بتنفيذ رحلات العمرة بضوابط عام 2017.
واختصمت الدعاوى كلاً من رئيس الجمهورية بصفته، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير السياحة، ورئيس قطاع الشركات السياحية، ورئيس اللجنة العليا للحج والعمرة، ورئيس غرفة شركات السفر والسياحة، بصفتهم.
وقال مقيمو الدعاوى من المواطنين وأصحاب شركات السياحة، إنهم فوجئوا بصدور قرار المشاط الذي اعتمد ضوابط العمرة بتحصيل ما يعادل 2000 ريال سعودي، لمن سبق له العمرة في العام الماضي أو الأعوام السابقة بحد أقصى 3 سنوات، ودفع 3 آلاف ريال للمعتمر الذي يؤدي العمرة أكثر من مرة في الموسم الواحد.
وأجمعت الدعاوى على مخالفة الضوابط الجديدة للدستور والقانون، لأنها لا تحقق مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق، مؤكدة أن فرض رسوم بعينها على بعض المواطنين ممن سبق لهم أداء العمرة دون غيرهم يعد تمييزاً مخالفاً الدستور.
وأشارت الدعاوى إلى افتقاد تلك الضوابط لمبدأ المشروعية لأنها حددت الحد الأقصى الإجمالي من رحلات العمرة المستهدف هذا العام بـ 50 ألف تأشيرة، بالمخالفة لأحكام الدستور المصري التي تمنح للمواطنين الحق في التنقل وحرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
وذكرت الدعاوى أيضاً أن أحكام الدستور وما جرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا أقرت بأن فرض الضرائب لا يكون إلا بقانون وفقاً لنظام تشريعي عادل، وأن الرسوم لا تفرض إلا مقابل تقديم خدمة، مما يفقد المبالغ المقررة خصائص الضريبة والرسوم ويدخلها في عداد الجباية التي تفرض بالمخالفة للقانون والدستور.
ويقول "باسل السيسي" عضو الجمعية العمومية لغرفة شركات السياحة، ورئيس لجنة السياحة الدينية الأسبق إن قرار فرض رسوم بواقع ألفي ريال على مكرري العمرة في مصر "له العديد من السلبيات أكثر من أي إيجابيات".
وينتقد "مجدي صادق"، صاحب أحد شركات السياحة بعنف الضوابط الجديدة ويقول إنها "تخالف الدستور والقانون والذي يرسي مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات"، مشيراً إلى أن فرض رسوم بعينها على بعض المواطنين دون الباقي يعد تمييزاً يخالف الدستور.