كشفت اعتداءات النظام السوري، أمس الأحد 25 فبراير/شباط 2018، عجز المجتمع الدولي عن التحرك لحماية المدنيين من الحرب في سوريا، والتي قسمت العالم وأودت بحياة نحو 500 ألف شخص على مدار السنوات الخمس الماضية.
فقد تحدت قوات الحكومة السورية قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار يوم الأحد 25 فبراير/شباط من خلال شن هجوم بري ومواصلة الضربات الجوية وإسقاط قنبلة واحدة على الأقل محملة بغاز الكلور على معقل قوات المعارضة خارج نطاق دمشق.
وقضى أهالي الغوطة الشرقية بدمشق يومهم السابع على التوالي محتشدين داخل المخابئ بينما كانت الطائرات والمدفعية الثقيلة تقصف المنطقة، ما أودى بحياة 22 شخصاً على الأقل وقضى على آمال الكثيرين بأن تؤدي هذه الجهود إلى إخماد نزيف الدماء في سوريا، بحسب ما ذكرته صحيفة The Washington Post الأميركية.
ومن بين الضحايا، كان هناك طفل تعرض للاختناق حينما تم إسقاط قنبلة الكلور على إحدى الضواحي، وهو أول اعتداء كيميائي منذ بدء مفاوضات وقف إطلاق النار هذا الشهر، بحسب ما أورده الأطباء بالمنطقة.
وذكر بانوس مومتزيز، منسق الأمم المتحدة الإقليمي لسوريا، الذي بادر بالدعوة لوقف إطلاق النار منذ ثلاثة أسابيع "كان يوماً بشعاً آخر في سوريا". وقال إنه يشعر بالإحباط الشديد جراء أعمال العنف التي اندلعت يوم الأحد، ولكنه أعرب عن أمله في التوصل إلى وسيلة لفرض هدنة مؤقتة على أقل تقدير.
وأشادت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالتصويت بأغلبية الأصوات يوم السبت في نيويورك على قرار وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، والذي كان من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ "دون أي تأخير".
تمييع القرار
تقول الصحيفة الأميركية إنه ومن أجل ضمان الحصول على دعم روسيا، تم تمييع لغة القرار لاستبعاد "إرهابيين" غير محددين، وهي ثغرة تبدو بمثابة مبرر لاستمرار القتال على العديد من الجبهات. إضافة إلى أن الحكومة السورية تصف كافة خصومها بالإرهابيين، رغم أن المجتمع الدولي لم يمنح هذا التصنيف سوى لعدد قليل من الجماعات المسلحة التي تقاتل في سوريا.
هناك أمر آخر جعل من القرار هشاً ترصده الصحيفة الأميركية، وهو أنه لم يحدد موعداً نهائياً أو آلية لتنفيذ القرار، أو إجراءات فرض الهدنة، على الرغم من التشديد على ضرورة دخوله حيز التنفيذ بأسرع ما يمكن.
وذكر أحد كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين أن إيران وسوريا سوف يلتزمان بقرار وقف إطلاق النار، إلا أن ضواحي دمشق لن تندرج ضمن مناطق تنفيذ القرار، نظراً لخضوعها لسيطرة ما تصفهم بـ"الإرهابيين".
ونقلت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية عن اللواء محمد حسين بقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، قوله "سوف تستمر عملية التطهير في تلك المناطق".
تحدي للقرار
وترى الصحيفة الأميركية أن تحرك الدبابات والعربات المدرعة التابعة لمليشيا تايجر فورس الحكومية منذ ساعات فجر الأحد نحو 3 أحياء بالمنطقة، يرسل إشارة مبكرة تفيد بعدم اكتراث النظام السوري بقرار وقف إطلاق النار، فقد ذكر الأهالي أن الطائرات لم توقف عمليات القصف الجوي حتى في أعقاب قرار وقف إطلاق النار.
ويبدو أن استخدام قنبلة غاز الكلور، التي تسببت في مصرع طفل وتعرض تسعة آخرين لصعوبات في التنفس، بحسب ما أوردته الجمعية الطبية السورية الأميركية، يؤكد مدى إصرار الحكومة على تحدي القرار، نظراً لأن وقف استخدام الكلور كان أحد أهم متطلبات الولايات المتحدة خلال جهودها للتأثير على مسار الحرب.
وذكر فراس عبد الله، أحد النشطاء في مركز الغوطة الإعلامي "لم يتغير شيء على الأرض. فهذه مجرد هدنة داخل مجلس الأمن فقط. فلا تزال الطائرات تقصف والناس يختبئون ولا يستطيع أحد الخروج".
وتعد الغوطة، التي تبعد عن العاصمة بنحو ستة أميال فقط، واحدة من أكبر المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة بالبلاد وهي المنطقة الوحيدة التي تشكل خطراً مباشراً على دمشق. وقد ردت المعارضة التي تسيطر على المنطقة على الضربات الجوية التي تم شنها خلال الأسبوع الماضي بإطلاق القنابل على المدينة، ما أودى بحياة ستة أشخاص على الأقل وإخلاء الشوارع في واحدة من المناطق التي ظلت غير متأثرة نسبياً بويلات الحرب.
وذكر تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط بواشنطن أنه في ظل غياب الإجماع الدولي على سبل تأمين منطقة أوسع نطاقاً للمدنيين، يوجد هناك أسباب قليلة تجعلنا نعتقد أن الأسد سوف يوقف اعتداءاته على أحد المناطق الحيوية لإحكام قبضته على الإقليم.
ويرجع لستر ذلك إلى أن نظام الأسد يستشعر النصر الاستراتيجي في العاصمة دمشق؛ وبحكم ذلك الواقع، فمن الصعب للغاية تصور استمرار أي قرار لوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية لفترة طويلة.
ويضيف: "فيما يتعلق بالتحالف الموالي للنظام، فإن استعادة الغوطة الشرقية سوف يعد بمثابة نصر استراتيجي فعلي ونهاية لأي تهديد محتمل بحق استمرارية النظام الحاكم".