“نواجه الموت بأشكالٍ لم نجرؤ على تخيُّلها”.. مدير “الخوذ البيضاء”: لم أصدق أن أقوى دول العالم لا تستطيع حماية الأطفال

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/23 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/23 الساعة 09:23 بتوقيت غرينتش

كتب مدير منظمة الدفاع المدني السوري، مدير"الخوذ البيضاء"، مقالاً في The Guardian، تحدث فيه عن الوضع بالغوطة وأشكال الموت الذي يواجهونه هناك. وكتب رائد الصالح عن العائلات التي تختفي في الأقبية عدة أسابيع وتخاف من الصعود فوق الأرض، وكيف أن تلك المخابئ المؤقتة تُدمَّر إثر قصف لا هوادة فيه.

نص المقال


واجهنا كسوريين الموت بأشكالٍ عديدة أكثر بكثير مما جرؤنا على تخيُّله: فلقينا حتفنا بالبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية، والمجاعات، والغرق، والتعذيب، والذخائر العنقودية. وفي هذا الشهر (فبراير/شباط 2018)، أُضِيفت واقعة أخرى غير متوقعة مع الموت، إلى القائمة بمدينة الغوطة الشرقية: انتشل أحد الأشخاص جثة أمه من تحت الأنقاض، وكان متطوعاً ضمن "الخوذ البيضاء".

سيُحطِّم الوضع في الغوطة قلب أي شخص. ونفدت الكلمات من البعض في المجتمع الدولي، وتوقفوا عن الحديث عن المشهد المرعب. لكن الويلات التي يواجهها شعبي تُجبرني على التحدث بكل صراحة: تركت بلاد العالم مئات الآلاف من المواطنين السوريين يعانون الجوع أو يُقصَفون حتى الموت على يد النظام السوري وحلفائه.

عانت الغوطة حصاراً وحشياً مستمراً منذ 5 أعوام، حُرٍمت فيها من الطعام والدواء، لكن لا شيء هيَّأنا من أجل الساعات الـ48 الماضية؛ إذ أُلقيت عشرات البراميل المتفجرة، وهي أسلحة مرتجلة مليئة بالمتفجرات والشظايا وأي شيء يمكنه اختراق البشرة، على المنازل. وأُطلقت مئات الصواريخ، واستُهدِفَت 8 مستشفيات، ولقي أكثر من 250 شخصاً حتفهم، وترتفع حصيلة الضحايا على مدار الساعة. وأُصيب الآلاف. كل هذا شهدته مدينة صغيرة تمتد على مساحة 103.59 كم مربع.

تختبئ العائلات في الغوطة الشرقية بالأقبية عدة أسابيع في المرة الواحدة، ويشعرون بالخوف الشديد من الصعود فوق الأرض، لكن حتى تلك المخابئ المؤقتة تُدمَّر إثر قصف لا هوادة فيه.

يواجه مُنقذو "الخوذ البيضاء" الجحيم بالغوطة: فقد تركوا عائلاتهم، في كثير من الأحيان دون احتياجاتهم الأساسية حتى؛ لإنقاذ الآخرين. وعاد البعض منهم ليجد أنَّ عائلاتهم اضطرت إلى الفرار. واستُهدفت فرق "الخوذ البيضاء" في أثناء تأدية مهمة إنقاذ، ولقي متطوعٌ منهم مصرعه. هذه ليست حرب، إنَّها مذبحة!

الوضع المتدهور في أنحاء البلاد يتطلب نشر فرق "الخوذ البيضاء" بصورةٍ لم تشهدها من قبل. فقدنا 9 متطوعين منذ بداية العام، إلى جانب إصابة 50 آخرين. وأدَّت الهجمات على مراكزنا ومهماتنا إلى تدمير معدات الإنقاذ وسيارات الإسعاف، ما يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ. ويعاني زملائي الأطباء الضغط نفسه.

استطعنا في عملنا هذا إنقاذ ما يزيد على 100 ألف شخص على مدار الأعوام الأربعة السابقة، غالباً عبر حملهم بأيدينا إلى أسلم مكان يمكننا العثور عليه. لكن في الغوطة الشرقية، لا يوجد مكان آمن ولا يوجد مفر. كل ما بوسعنا القيام به هو إنقاذ الأشخاص من الخطر الفوري، ونأمل وندعو ألا يُستهدَف المنزل أو المستشفى الذي ننقلهم إليه على الفور. أيمكنك تصوُّر اتخاذ قراراتٍ كتلك بينما المقاتلات تحلّق فوق رأسك؟

كل هذا يحدث على بُعد 20 دقيقة فقط بالسيارة من العاصمة دمشق، حيث تقع مقرات الأمم المتحدة وقصر بشار الأسد؛ وعلى بُعد ساعات قليلة بالطائرة من جنيف، حيث تجري "محادثات السلام". لكن عند مشاهدة الصور التي ترى فيها الأشخاص يعلوهم الغبار عند انتشالهم من تحت الأنقاض أو الأطفال الذين يصرخون من الألم، تظن كأنَّه كوكب آخر يحكمه أسوأ ما في البشر. لم نشهد شيئاً كهذا في العالم من قبل!

أنا عامل إغاثة إنسانية سوري، ولستُ سياسياً؛ لذا اعذروني إن بدوتُ ساذجاً حين أفشل في تصديق أنَّ أقوى دول العالم لا تستطيع حماية الأطفال من الاستيقاظ صباحاً وهم تحت أنقاض منازلهم ولا يمكن العثور على أهلهم. يُحمِّل الشعب السوري قادة العالم مسؤولية الإخفاق في وقف معاناتهم، ويطالبونهم باتخاذ جميع التدابير المتاحة لإيقاف الهجمات الجوية، وفك الحصار، وإجلاء مئات المصابين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة على الفور. إنَّ شعار "الخوذ البيضاء" هو: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً". وأطلب مِن كل مَن يستطيع، أن يشاركنا مهمتنا.

علامات:
تحميل المزيد