تطرح فنزويلا، الثلاثاء 20 فبراير/شباط 2018، عملة رقمية على غرار البيتكوين، رغم تراجع الاقتصاد في البلاد التي تعيش أزمة اقتصادية خانقة، مما أثار التساؤل عن الهدف من هذه العملة، أهو الهروب من العقوبات الأميركية أم خطة ذكية لجمع العلامات الصعبة؟
وتساءلت صحيفة الغارديان البريطانية، الأحد 18 فبرايرشباط 2018: هل ابتكار فنزويلا عملة رقمية جديدة خطةٌ ذكية للتهرُّب من العقوبات الأميركية المفروضة عليها؟ أم ستصبح -في نهاية المطاف- عملةً رقمية لاتينية لا قيمة لها؟
تواجه فنزويلا هذا السؤال بينما تستعد لطرح عملتها الرقمية الجديدة المماثلة للبيتكوين، ويُطلق عليها "بترو".
ويزعم مادورو أن كل عملة "بترو" سيدعمها برميلٌ من البترول من الدولة الغنية بالنفط، وأنها ستُصدر نحو 100 مليون عُملة بترو بقيمة 6 مليارات دولار.
ابتكرت فنزويلا عملة "بترو" بهدف جمع العملة الصعبة واعتبارها طريقةً للتسديد للمُورِّدين الأجانب، بعد أن تعثَّرَت أغلب الصفقات نتيجة العقوبات المالية التي فرضتها واشنطن عليها عام 2017.
لكن، ينظر بعض المُحلِّلين إلى إصدار عملة "بترو" على أنها خطوةٌ بائسة لتأمين النقد، في ظلِّ انهيارٍ غير مسبوقٍ للاقتصاد، أدَّت إليه سياسات مادورو الاشتراكية.
وتعاني فنزويلا الآن نقص الأغذية على نطاقٍ واسع، علاوة على التضخُّم المُفرِط، الذي قد يصل إلى 13000%، وفقاً لصندوق النقد الدولي، إلى جانب انهيار قيمة البوليفار، عملة فنزويلا التقليدية، بحسب الصحيفة البريطانية.
"عملة غير قانونية"
وبحسب "الغارديان"، أعلن الكونغرس، الذي تسيطر عليه قوات المعارضة بفنزويلا، الـ"بترو" عملةً غير قانونية؛ لأنه -بموجب القانون- يجب أن توافق السلطة التشريعية على أي اقتراضٍ حكومي، ولكن مادورو تجاهل ذلك الشرط.
وأعلن المُشرِّع جورج ميلان، في خطاب ألقاه، مؤخراً، أن الـ"بترو"، "ليست عملةً رقمية، وإنما هي خطوة لبيع النفط الفنزويلي".
ويتوقَّع منتقدون للحكومة أن يكون مصير الـ"بترو" في التجارة ما يُعرَف بالعملات التي لا قيمة لها، وهي العملات الرقمية التي فقدت قيمتها بمرور الوقت أو اعتُبِرَت عملاتٍ احتيالية.
ويُؤكِّد المنتقدون أن خلق عملات رقمية جديدة مستقرة مع البقاء في السلطة، يتطلَّب التحلي بالثقة والشفافية، وهما من الصفات التي يُلاحَظ غيابها بوضوح في حكومة مادورو، بحسب الصحيفة البريطانية.
مشاكل تواجه الـ"بترو"
وقال الخبير الاقتصادي جين بول ليدنز، إن البترو "سيُصدرها البنك المركزي، الذي تسبَّب في تضخُّم البوليفار، مَن إذاً قد يمنح الثقة لبنكٍ لا يمكنه حتى الحفاظ على ثقة الجمهور بالعملة المحلية؟"، بحسب "الغارديان".
مشكلةٌ أخرى تواجه الإصدار الأول للـ"بترو"، هي أنه سيدعمها النفط، الصادر عن مجمع البترول 1 لمدينة أياكوتشو الواقع بحزام النفط الثقيل بأورينكو، شرق فنزويلا.
يقول خوسيه أنطونيو غيل، خبير العملات الرقمية بكاراكاس، إن النفط لم يُضَخ حتى الآن، إضافةً إلى أنه سيجري استخراجه ضمن نطاق مشاريع مشتركة، تشارك فيها الحكومة بحصةٍ تبلغ نسبتها 60%.
وفي شهر يناير/كانون الثاني 2017، حذَّرَت وزارة الخزانة الأميركية من الاستثمار في الـ"بترو"؛ لأنه سيؤدي إلى "تمديد مهلة الدفع" لفنزويلا، ما يعني انتهاكاً للعقوبات المفروضة في شهر أغسطس/آب من عام 2017، بحسب الصحيفة البريطانية.
وحظرت إدارة ترامب الإقراض أو عقد أي اتفاقات على أسهم أو صكوك جديدة تصدرها الحكومة الفنزويلية أو شركة النفط الحكومية التابعة لها؛ وذلك بهدف منع تقديم المؤسسات المالية الأميركية أي أموال لحكومة مادورو.
ولا تزال حكومة مادورو تمضي قُدُماً؛ إذ فتحت التسجيل لمن يُطلَق عليهم "عمال التعدين"؛ ليتمكَّنوا من الحصول على الـ"بترو"، من خلال عملية مراقبة صفقات العملات الرقمية عبر الإنترنت. ويتوقَّع الرئيس أن الـ"بترو" ستُحقِّق نجاحاً ساحقاً.
وقال مادورو، في خطابٍ ألقاه مؤخراً لتعزيز العملة الرقمية: "إن المستقبل أمامنا الآن، ففنزويلا تمضي إلى الأمام كقوةٍ اقتصادية".
وبحسب "الغارديان"، كثيراً ما يُثبِت مادورو للمُشكِّكين في قدراته أنهم على خطأ.
والدليل على ذلك، أنه تمكَّن من الاحتفاظ بالسلطة على الرغم من التنبؤات بزواله منها، وسط دوامة التدهور الاقتصادي التي واجهتها فنزويلا. في عام 2017، تمكَّن مادورو من تعزيز سلطته بالتخطيط لانتخاب سلطة تشريعية تابعة، تمكنت من تهميش الكونغرس بنجاح.
الأكثر من ذلك، أنه من المُتوقَّع أن يفوز مادورو بفترة ولاية أخرى، مدتها 6 سنوات، في الانتخابات الرئاسية التي ستُعقَد في 22 أبريل/نيسان 2018، لأسبابٍ، منها -على سبيل المثال لا الحصر- أن المُرشَّحين المُعارضين الأشهر مُنِعوا من المشاركة في الانتخابات.
يقول غيل إنه إذا خسر مادورو الانتخابات أو أُجبر على التخلي عن السلطة فستنهار عملة الـ"بترو". ومن ثم، فلن يتمكَّن حاملو الـ"بترو" من تبادل تلك العملة؛ لأن الحكومة الجديدة -على الأغلب- ستُبطِل مشروعية إصدارها.