تستعد أيسلندا لأن تصبح أول دولة أوروبية تُجرِّم ختان الذكور، وسط مؤشراتٍ على أنَّ هذه الشعيرة الشائعة في اليهودية، والإسلام، قد تصبح ساحة معركة جديدة حول الحرية الدينية.
ويقترح مشروع القانون المعروض حالياً على البرلمان الأيسلندي عقوبة سجن تصل إلى 6 سنوات لكل من يُنفذ الختان لأسبابٍ غير طبية. ويقول خبراء إنَّ هذه الخطوة التي أزعجت القادة الدينيين في كل أوروبا سوف تجعل الحياة غير ممكنة لليهود والمسلمين في أيسلندا، بحسب ما ذكرته صحيفة "الغارديان"، اليوم الأحد 18 فبراير/شباط 2018.
ويُعتقد أنَّ واحداً من بين كل ثلاثة رجال حول العالم يخضع لعملية الختان، وأغلبيتهم لأسبابٍ دينية أو ثقافية. في حين يخشى الكثير من المسلمين واليهود أنَّ مسألة الختان تلك قد تنوب عن معاداة السامية والإسلاموفوبيا، مشيرين إلى توتراتٍ مشابهة نتجت عن الزيّ الديني وشعائر ذبح الحيوانات للحصول على اللحم.
هجوم ضد القرار
وهاجم القادة المسلمون واليهود هذا المقترح، بينما قال الكاردينال رينارد ماركس، رئيس الكنيسة الكاثوليكية في الاتحاد الأوروبي، إنَّ مشروع القانون "هجوم خطير" على الحرية الدينية، وإنَّ "تجريم الختان إجراء شديد الخطورة يسبب قلقاً بالغاً".
ويقول مشروع القانون الأيسلندي إنَّ ختان الأولاد الصغار ينتهك حقوقهم، ولا يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل. وشبَّه الأمر بختان الإناث، المُجرَّم بالفعل في معظم الدول الأوروبية.
ويقول كذلك إنَّ عمليات الختان تجري دون تخدير، ويزعم أنَّ الختان عادةً ما يجري "في منازل غير مُعقَّمة، ولا يُجريه الأطباء، وإنَّما قادة دينيون. وأنَّ هناك احتمالية كبيرة لانتقال العدوى، في ظل هذه الظروف من شأنها أن تؤدي إلى الوفاة".
ويُقر المشروع أنَّه على الرغم من حق الآباء بتوفير الإرشاد الديني لأطفالهم "فإنَّ هذا الحق لا ينبغي بحال من الأحوال أن يتجاوز حقوق الطفل". أمَّا الأطفال الذين يرغبون في الختان لأسبابٍ دينية أو ثقافية، فيمكنهم فعل ذلك بحسب مشروع القانون عند بلوغهم السن التي يستطيعون فيه "فهم ما ينطوي عليه هذا الفعل".
"غير قابل للتفاوض"
وثمة جاليتان مسلمة ويهودية صغيرتان للغاية من بين عدد سكان أيسلندا البالغ عددهم 336 ألفاً. ويُعتقد أنَّ هناك حوالي 250 يهودياً، وحوالي 1500 مسلم.
وقالت سيليجا دوج غونارسدوتير من حزب يمين الوسط التقدمي، إنَّها تقدمت بمشروع القانون هذا، بعد إدراكها أنَّه ليس هناك حظر على ختان الذكور، مع أنَّ ختان الإناث قد جُرِّمَ في أيسلندا منذ عام 2005. وقالت: "لو كانت لدينا قوانين تحظر ختان الإناث، فينبغي لنا إذاً فعل الأمر ذاته للأولاد".
وأضافت سيليجا: "نحن نتكلم عن حقوق الأطفال، لا حرية الاعتقاد. لكل إنسان الحق في الاعتقاد فيما يريد، لكنَّ حقوق الأطفال تأتي قبل حرية الاعتقاد".
وأضافت سيليجا أنَّ بلدان الشمال تتمتع بسمعة مستحقة في دعم لحقوق الإنسان. وقالت: "لو دعمت أيسلندا هذا الأمر، فإنَّني أعتقد أنَّ الدول الأخرى سوف تتبعها".
وطُرِحَ موضوع تجريم الختان في دولٍ أوروبية أخرى، لكنَّ أياً منها لم يجرمه.
وقالت مجموعة ميلاه، وهي مجموعة يهودية تقود حملة لحماية الحق في الختان، إن هذا الإجراء يقوم به ممارسون مُدربون تدريباً عالياً ومنظمون يعرفون باسم "موهيليم". وعادةً ما يجري ختان الأولاد في سن الثامنة.
وقال متحدث باسم المجموعة: "ختان الأطفال الذكور اليهود -المعروف باسم بريت ميلاه- عنصر غير قابل للتفاوض من عناصر الهوية اليهودية، وهو أمر شائع بين اليهود من كل الخلفيات، وأمر محترم في البلدان الديمقراطية الليبرالية. ولو حظرته دولةٌ مثل أيسلندا، تعتبر نفسها ديمقراطية ليبرالية، فإنَّ هذا من شأنه أن يجعل الحياة اليهودية في هذا البلد مستحيلة، وهذا أمرٌ مقلق للغاية".
وشارت المجموعة إلى أن تشبيه الأمر بختان الإناث لا مبرر له. ذلك أنَّ الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء الأنثوية قد تجعل من الاتصال الجنسي أمراً صعباً ومؤلماً، وقد ينتج عنه مضاعفات طبية خطيرة. وفي المقابل، فإنَّ ختان الذكور إجراء بسيط.
وأضاف المتحدث باسم المجموعة: "ليس هناك تأثير سلبي طويل المدى معترف به على الطفل لبقية حياته. ملايين الرجال في العالم، يهوداً وغير يهود، يخضعون للختان، ولا يؤثر خضوعهم لتلك العملية على حياتهم اليومية. وإجراء بريت ميلاه (الختان) للأولاد المولودين حديثاً أمر مركزي في الشريعة اليهودية".
ودعا موشيه كانتور رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي إلى احترام قيم الانفتاح والتسامح، وأضاف أنَّه ليس ثمة دليل على ضرر الختان.
وقال كانتور: "بإمكاننا فقط أن نفترض أنَّ هذه المحاولة لحظر ممارسة (الختان) بين الجاليات اليهودية، منبعها الجهل بالممارسة، وأثرها على الأطفال اليهود، لا أنَّها تُرسل رسالة أنَّ اليهود لم يعد مرحباً بهم في أيسلندا".
المسلمون يعتبرون الختان حرية دينية
أما أحمد صديق، إمام المركز الثقافي الإسلامي في أيسلندا، فقال إنَّ مشروع القانون هذا يتنافى مع الحرية الدينية. وقال: "الختان يُمارَس منذ قرون، وهو أمر متجذر للغاية في التقاليد الثقافية الدينية".
وقال صديق إنَّه قد دُعيَ إلى اجتماع للمنظمات الدينية في أيسلندا أوائل الشهر الجاري لمناقشة مشروع القانون، وتأمل هذه المنظمات في إصدار إعلان رفض للقانون.
كان المسلمون في أيسلندا بالفعل يسافرون إلى دول مجاورة لختان الأطفال بسبب تردد الأطباء المحليين. لكنَّ صديق قال: "الفوائد الطبية لهذه الممارسة تتجاوز المخاطر بكثير".
ويحذر اليهود والمسلمون من أنَّ الختان لو تم تجريمه، فسوف تجري الممارسة سراً، أو ستسافر الأقليات الدينية للسكن في أماكن يُسمَح لها فيه بذلك.
وكان قد صدر قانونٌ في ألمانيا عام 2012 يسمح للممارسين المدربين فحسب بإجراء الختان. وتلى ذلك حكم محكمة ألمانية مثير للجدل، قال إنَّ الختان "يغير بشكل دائم وغير قابل للإصلاح" جسد الطفل، وينتزع منه حقاً فردياً "بأنَّ يتخذ قراره حول انتمائه الديني".
ثم أصدر المجلس الأوروبي في العام التالي قراراً دعا الدول الأعضاء الـ47 لتنظيم الممارسات المتعلقة بشعيرة الختان "من أجل التغلب على بعض الطرق التقليدية السائدة، التي لا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطفل وأحدث ما توصل إليه الطب".
وقال أحد القضاة، في إحدى محاكم الأسرة البريطانية قبل عامين، إنَّ الأطفال الصغار ينبغي عدم ختانهم إلى حين وصولهم سناً كافية، ليقرروا بأنفسهم. وقالت هيئة الخدمات الصحية الوطنية إنَّ "المخاطر المرتبطة بعمليات الختان صغيرة عند إجرائها من قبل الأطباء المؤهلين وأصحاب الخبرة".
تحريم النقاب واللحوم الحلال
ويأتي مشروع القانون الأيسلندي في خلفية تحريم عدد من الدول الأوروبية للأزياء الدينية الإسلامية، مثل النقاب أو البرقع. وسيناقش البرلمان الدنماركي الربيع الحالي مشروع قانون يحظر ارتداء النقاب الكامل في الأماكن العامة.
وصوتت بلجيكا العام الماضي على حظر اللحم الحلال والكوشر (الحلال بموجب الديانة اليهودية)، مستدلةً بحقوق الحيوان. واقترحت حكومة بولندا قانوناً يُحرم الذبح على الشريعة اليهودية، وهي خطوة عارضتها الجالية اليهودية بضراوة.
وقالت سيليجا إنَّ مشروع القانون الأيسلندي حول الختان يحظى بدعم عددٍ من الأحزاب، وتأييدٍ شعبي واسع. ولو نجح في الصمود بعد عرضه للمرة الأولى، فسوف يذهب إلى مرحلة اللجنة لعددٍ من الشهور قبل أن يصبح قانوناً فعلياً.