كانت عمليات الاعتراض البحرية في البحر الأبيض المتوسط، والزوارق الحربية التي تتصدى لبعضها في بحر إيجة، هو آخر ما تريده أنقرة بينما يشارك جيشها في معركة ضد المسلحين الأكراد في عفرين.
ومع ذلك، يبدو أنَّ خصمي تركيا منذ زمن طويل، اليونان وقبرص اليونانية، عازمتان على عدم السماح لها بتهدئة التوتر في مياه هذين البحرين، وفق ما ذكر موقع ميدل إيست آي البريطاني.
وقال محللون لموقع ميدل إيست آي البريطاني، إنَّ تصاعد التوتر في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط لا يشكل خطراً حقيقياً لتحول الأمور إلى عداءٍ صريح، لكنَّه يحطم أي آمال في إجراء المصالحة شديدة الأهمية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
وازدادت حدة التوترات في الأسبوع الماضي، بعدما أوقفت السفن الحربية التركية سفينة حفر غاز إيطالية، كانت في رحلتها للتنقيب عن الغاز باتفاقٍ مع قبرص اليونانية، ومنعتها من دخول منطقةٍ متنازع عليها في 9 فبراير/شباط 2018.
وفي يوم الإثنين 12 فبراير/شباط، تصادمت قوارب خفر السواحل اليونانية والتركية فى بحر إيجة، بعدما أثارت أشهر من الاستعراضات بالقرب من جزر كارداك غير المأهولة قبالة الساحل التركي مباشرةً التهديد بخروج الأمور عن السيطرة.
اتهامات متبادلة
واتهمت كل من أثينا وأنقرة الجانب الآخر بالتحركات الاستفزازية وانتهاك القوانين الدولية.
وكان البلدان، اللذان يتمتعان بعضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قد تجنَّبا الحرب على خلفية تنازع السيطرة على الجزر في عام 1996، بعد تدخُّل الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، في اللحظة الأخيرة.
وقال رئيس أركان الجيش التركي، خلوصي آكار، في 10 فبراير/شباط 2018: "القوات المسلحة التركية قادرة على السيطرة على بحر إيجة وشرق البحر المتوسط بأكمله بقدراتها التكنولوجية العالية. نحن قادرون ولدينا القوة المطلوبة لشن عملية عسكرية في عفرين والسيطرة على بحر إيجة في الوقت نفسه".
فيما حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 13 فبراير/شباط 2018، عند إلقائه كلمة أمام نواب حزبه في البرلمان، حذر شركات النفط والغاز الدولية من أن تصبح مجرد أدوات سياسية في يد الجانب القبرصي اليوناني.
وقال أردوغان: "شجاعتهم تستمر إلى أن تصل طائراتنا فقط. لا يجب أن يتعدى أحد حدوده".
وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق على عضوية الجانب القبرصي اليوناني الجنوبي للجزيرة، الذي انقسم على أساسٍ عرقي منذ عام 1974، وذلك على الرغم من رفضه إجراء استفتاءٍ ترعاه الأمم المتحدة عام 2004 لإعادة توحيد الجزيرة القبرصية، الذي أيده القبارصة الأتراك في الجزء الشمالي بشدة.
وبفضل إمكانية الوصول إلى احتياطيات ضخمة من الهيدروكربونات (مصادر الطاقة الأحفورية) البحرية، كانت قبرص اليونانية في القسم الجنوبي حريصة على عقد صفقاتٍ مع مختلف عمالقة الطاقة الدولية.
بالإضافة إلى أنَّ الإجراءات القبرصية اليونانية على صعيد الطاقة تتلاءم مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتنويع طرق إمدادات الطاقة ومصادرها.
وتعارض تركيا هذه التحركات الأحادية في المناطق المتنازع عليها، قائلةً إنَّ حقوق القبارصة الشماليين المعزولين دولياً يجري تجاهلها وانتهاكها.
وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية يوم الثلاثاء، 13 فبراير/شباط، إنَّ الاتحاد الأوروبي يراقب الوضع في بحر إيجة عن كثب، وحذَّر تركيا من "أي احتكاكٍ أو تهديد أو تحرك ضد دولة عضو في الاتحاد الأوروبي".
تأتي هذه التوترات في توقيتٍ سيئ بالنسبة لتركيا، في ظل سعيها لإصلاح علاقاتها المتضررة مع الاتحاد الأوروبي.
وبينما تحاول تركيا استيفاء الشروط المطلوبة منها للتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي (72 شرطاً) كي يحصل مواطنوها على حقوق السفر دون تأشيرة لمنطقة شنغن، أعلنت تركيا الأسبوع الماضي أنَّها أضافت فقرة إلى قانون الإرهاب الموسع لديها تنص على عدم محاكمة الصحفيين بتهمة "انتقاد" السلطات.
لكنَّ زيادة التوترات مع اليونان وقبرص اليونانية، ستجعل زيارة بن علي يلدريم إلى برلين في محاولةٍ لإصلاح العلاقات التركية الألمانية شديدة التوتر مع ألمانيا، أقوى دول الاتحاد الأوروبي، أصعب.
العلاقات أكثر تشابكاً من أن تفشل
وقال كيفانش أولوسوي، الأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة إسطنبول، والمتخصص في الشؤون القبرصية، لموقع ميدل إيست آي، إنَّ الجانب اليوناني كان يحاول استعراض قوته على الساحة الداخلية، لكن يمكن أن ينتهي به المطاف إلى الإضرار بمصالحة تركيا مع الاتحاد الأوروبي.
وأضاف: "من الواضح أنَّ هذا استفزاز من اليونان. لستُ متأكداً تماماً ما إن كان له علاقة بأزمة التنقيب في قبرص، لكنَّ هناك قدراً كبيراً من السياسة الداخلية هنا ولديها القدرة على تدمير العلاقات التركية الأوروبية الأوسع".
وذكر أولوسوي، أنَّ إثارة الشعبوية المحلية في الجانب اليوناني هي السبب الوحيد لزعزعة العلاقات التي كانت مستقرة وودية نسبياً منذ عام 2004.
وصدَّق يوسف كانلي، الصحفي المخضرم من شمال قبرص الذي يتخذ من أنقرة مقراً له على كلام أولوسوي، وقال لموقع ميدل إيست آي، إنَّ "أعمال قبرص اليونانية مستمرة منذ سنوات. لم يكن هذا التنقيب مفاجأةً، بل كان مخططاً له قبل عامين".
وأضاف: "تعود النزاعات على جزر كارداك أيضاً إلى حقبة ما بعد معاهدة لوزان. لم تغطِّ معاهدة لوزان حتى الجزيرتين اللتين تقعان بالقرب من الساحل التركي، إنَّما منحتهما إيطاليا، التي كانت تحتلهما آنذاك، لليونان. ثم أصبحت قضية شائكة منذ ذلك الحين. هذا النوع من الاستعراض يؤدي دوراً جيداً في السياسة اليونانية المحلية أيضاً".
غير أنَّ كانلي حذر من أنَّ إثم نبرة الخطاب التركي أكبر من نفعها.
وقال كانلي: "التصريح بـ"أنَّنا سنرسل طائرات مقاتلة لإسكاتكم" غرضه الاستهلاك المحلي فقط، لكنَّه يكشف عن عقلية تطبَّق حالياً في الساحة الداخلية وفي السياسة الخارجية. لدينا قول مأثور باللغة التركية يصور تماماً هذه العقلية: حامل المطرقة يرى كل ما حوله مسامير [تحتاج إلى دق عنقها]".
وقال خبير آخر في الشؤون القبرصية مقيم في تركيا لميدل إيست آي، أراد حجب اسمه، إنَّ السبب وراء تصرف قبرص اليونانية واليونان بهذه الثقة هو الضغط التركي على الإدارة القبرصية التركية في السنوات الثلاث الماضية في محاولةٍ للتفاوض على اتفاق إعادة توحيد الجزر مهما كان الثمن.
مجرّد مضايقات لا أكثر
وأضاف أنَّ "هذه التحركات الطائشة للقبارصة اليونانيين، وحتى اليونان نفسها، ليست مفاجئة. فلم تحمِ الإدارة القبرصية التركية لسنواتٍ عديدة الحقوق القبرصية التركية الحالية والمستقبلية على أمل التوصل إلى اتفاق".
لكن وفقاً لما ذكره كانلي، ليس لدى تركيا والاتحاد الأوروبي خيار سوى التصالح في نهاية الأمر، وقال إنَّه سيتعين على الجانبين التعامل مع هذه التوترات حتى باعتبارها مجرد مضايقات طفيفة لا أكثر.
وأضاف أنَّ "الاتحاد الأوروبي وتركيا يحتاجان إلى بعضهما بعضاً إلى الحد الذي لا يعطي مجالاً للسماح للعلاقات بينهما بالانهيار. سيكون الاتحاد الأوروبي بدون تركيا أشبه بإعلان حملةٍ صليبية جديدة في القرن الحادي والعشرين، وستكون تركيا بدون الاتحاد الأوروبي والغرب مجرد دولة أخرى من دول الشرق الأوسط. ولا يمكن لأي من الجانبين أن يسمح لهذا الاستعراض الداخلي أن يودي بالأمور إلى هناك".