لا وقود ولا مواصلات والجيش لن يترك منزلاً دون تفتيش.. ماذا يحدث في سيناء المعزولة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/14 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/14 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش

في ظل عدم السماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى شبه جزيرة سيناء مع بدء العملية العسكرية الواسعة التي يقوم بها الجيش المصري منذ يوم 9 فبراير/شباط 2018، بات المصدر الوحيد للمعلومات عما يحدث هناك هو صفحات الشبكات الاجتماعية، فضلاً عن البيانات الجافة للمتحدث العسكري.

وانقسم الناس وفقاً لمواقفهم من السلطة المصرية، بين من يراها عملاً بطولياً يطهّر الأرض، ومن يؤكد أنها مؤامرة لإخلاء المنطقة من قاطنيها. لكن السؤال هنا: كيف يرى أهل سيناء أنفسهم هذه العملية العسكرية؟ وكيف تبدو الصورة من على الأرض، وتحديداً مدينة العريش، كبرى المدن التي تستهدفها العمليات؟

"الناس في العريش مرعوبة"، هكذا يبدأ هاشم، (44 عاماً)، الذي رفض ذكر اسمه الحقيقي، حديثه، واصفاً مشهد العملية العسكرية في المدينة بأنه "هجوم كاسح، وتطويق للأحياء، وحملات اعتقال أرعبت الناس، وهذا هو همنا الأكبر حالياً".

وأضاف أنه في فجر يوم 9 فبراير/شباط 2018، شاهد سكان المدينة سربَين من الطائرات يمران فوقهم، و"إن كنا لم نسمع أزيز الطائرات مرة أخرى حتى الآن، لكن القصف المدفعي ما زال مستمراً على المزارع المحيطة بالمدينة، بشكل متواصل.

وتم تقسيم مدينة العريش إلى مربعات (أحياء)، يتم تطويق الحي ومنع الدخول والخروج منه نهائياً لأي شخص، ثم تقوم قوات الأمن والجيش بدخول كل المنازل وتفتيشها تفتيشاً دقيقاً. خلال عمليات التفتيش، تقوم قوات الأمن بمصادرة الهواتف المحمولة وأجهزة اللابتوب من السكان، ويتم إعطاء كل صاحب جهاز رقماً على أن يذهب في صباح اليوم التالي إلى قسم الشرطة لتسلُّم جهازه بعد الفحص".

وذكر هاشم أنه حتى الآن تم تفتيش ما يقرب من نصف أحياء مدينة العريش، بدءاً من حي الريسة ثم الصفا والمروة، وهو ما استغرق 3 أيام تقريباً، ويُنتظر أن يتم تمشيط المدينة بأكملها -لو سارت القوات بالمعدل نفسه- خلال 5 أيام، على أقصى تقدير.

"القبض العشوائي"، هكذا يصفه هاشم، زاد من الرعب بين الأهالي، فالأمن يستوقف الكثيرين للكشف عليهم؛ منهم من يعود لأهله بسلام، ومنهم من لم يعُد حتى الآن، "لا نعلم بدقة هل كل من تم توقيفه هو فعلاً ضالع في الإرهاب، أم أن الأبرياء كان لهم نصيب في سجون الدولة"، على حد تعبيره.

تهميش متعمد للمدينة


مخاوف الأهالي نقلها لنا ناصر (53 عاماً)، قائلاً إن الرعب الأكبر بين الأهالي هناك، "سببه فقدان الثقة بالدولة"، على حد وصفه.

وأضاف أنه لعقود عدة، عانت شمال سيناء إهمالاً وتهميشاً متعمداً، "تعاملت معنا السلطة خلالها على أننا خونة إلى أن يثبت العكس!". وذكر أنه لم يُسمح لأبناء سيناء بالالتحاق بالشرطة أو الجيش إلا نادراً، "لم تمدّ لنا الدولة أي خدمات، إضافة الى السخافات والتنكيل المستمر من الأمن تجاهنا بلا مبرر أو داع".

وقال بأسىً واضح، إنه "حين بدأت موجة الإرهاب في سيناء، اعتبرتنا الدولة إرهابيين أو على أقل تقدير داعمين للإرهاب، وشن إعلامها حملاتِ تشويه ممنهجة علينا. للأسف، وُضعنا لسنوات بين مطرقة الأمن وسندان الإرهاب بلا ذنب أو جُرم اقترفنا. لذلك، فمن الطبيعي أن يشك أغلب الأهالي في نوايا الحملة الأخيرة، التي قد تكون فعلاً نهاية للإرهاب"، على حد تعبيره.

وأضاف أنه من الطبيعي أن يتبنى أهل العريش نظرية المؤامره، القائمة على أن كل ما يحدث لا يعدو كونه "تطفيشاً" (تهجيراً) لأهالي سيناء؛ تمهيداً لتسليمها لإسرائيل كجزء من صفقة القرن -التي لا يمكن لأحد أن يجزم بماهيتها تحديداً- "لكن هناك أزمة ثقة مرعبة إزاء نوايا الدولة حيالنا".

مشكلة المواصلات


أما "أم محمود"، (ربة منزل)، فتنقل لنا تفاصيل حياتها اليومية في ظل الحملة الأخيرة، قائلةً: "قرار الأمن إغلاق محطات البنزين أصاب البلد بالشلل التام، وأحالها إلى مدينة أشباح".

لكنها تستدرك قائلةً: "ليس صحيحاً ما يشاع عن اختفاء السلع التموينية، فالأفران تعمل والسلع الأساسية موجودة، ليست بوفرة لكنها موجودة. كما أن الأسعار لم ترتفع كما يُشاع، ما حدث هو أن بعض التجار حاولوا استغلال الموقف لتحقيق مكاسب إضافية، إلا أن رد فعل الأهالي معهم أجبرهم على الالتزام".

"أم محمود"، مشكلتها الأساسية الآن هي أنها مريضة بالضغط، وكثيراً ما تحتاج للذهاب إلى طبيب، وهو ما يتعذَّر الآن؛ لانقطاع المواصلات تماماً في المدينة، ورفْض الطبيب الذهاب إلى منزلها للسبب ذاته. حاولت أم محمد الانتقال إلى السويس عند أقاربها، إلا أن الكردون الأمني المحيط بالمدينة منعها من مغادرتها قبل نهاية الحملة.

وتختتم "أم محمود" حديثها، قائلةً: "نحن تعبنا من كتر التفجيرات والكماين والمضايقات، نتمنى بالفعل أن تكون هذه نهاية الحكاية ونخلص".

علامات:
تحميل المزيد