"محتاجين الفيديوهات دي تنتشر بسرعة في جميع وسائل الإعلام، وبرامج التوك شو".. تلك كانت الرسالة المصاحبة لمقاطع الفيديو التي أرسلها الجهاز الإعلامي التابع لوزارة الداخلية لمندوبي الصحف والقنوات المصرية، في مساء السبت 27 يناير/كانون الثاني 2018، التي يظهر فيها المتهمون بمحاولة اغتيال المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، وأحد أبرز قيادات حملة ترشح الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية السابق، وعليهم إصابات وجروح جراء تبادل الضرب مع المستشار، حسب وصف الداخلية.
وبالتوازي مع نشر تلك المقاطع، سارعت وزارة الداخلية بإصدار بيان، تنفي فيه أن تكون واقعة التعدي على جنينة هي محاولة اغتيال. وجاء بالبيان، أن الواقعة كانت حادثاً مروياً، وأن هناك تعدياً متبادلاً من الطرفين، ولكن اللافت للنظر في تلك السرعة بإخراج هذا السيناريو السريع، هو الاطمئنان بأنه لا توجد أي أدلة دامغة تكذب تلك الرواية.
لكن المفاجأة التي حصلت عليها "عربي بوست"، كانت مقطع فيديو تم تصويره لجزء من واقعة التعدي على جنينة بعد وقوعها مباشرة، يظهر فيه المتهمون الثلاثة وهم سالمين تماماً، ولا توجد بهم أي إصابات.
وما يثبت فبركة الإصابات التي ظهرت على المتهمين في مقاطع فيديو وزارة الداخلية، أن الفيديو الجديد الذي قام بتصويره أحد أفراد أسرة جنينة، يظهر فيه المتهمون واقفين سالمين، وبجوارهم سيارة الشرطة التي حضرت إلى موقع الحادث، وهو ما يعني أن تصوير هذا المقطع تم بعد حضور الشرطة إلى موقع الحادث، وإيقاف أي نوع من التعدي يُفترض أنه "كان من الطرفين".
تسريب المقاطع من داخل قسم الشرطة
ويبدو أن الأجهزة الأمنية المصرية كانت على ثقة تامة بعدم وجود أي مقاطع فيديو مثل هذه، وإلا لما كانت أخرجت ذلك السيناريو حول الحادث. لكن المفاجأة التي ذكرتها شروق جنينة، نجلة المستشار هشام جنينة، التي أرسلت تلك المقاطع لـ"عربي بوست"، أن وزارة الداخلية كانت على يقين بأنها حذفت جميع مقاطع الفيديو التي تم تصويرها وقت الحادث.
وقالت شروق لـ"عربي بوست" عبر الهاتف، إنه بعد وصولهم إلى قسم شرطة التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، بصحبة والدها، جاء 2 من ضباط الشرطة، وأخذوا الهاتف المحمول الخاص بها، وكذلك الهاتف الخاص بوالدتها، و"مع إصرارنا على أخذ الهواتف للتواصل مع المحامين والأقارب كان شرط الضابطين أن نقوم بحذف جميع الصور ومقاطع الفيديو التي تم تصويرها وقت الحادث".
ووفقاً لما ذكرته نجلة جنينة، فإنها بالفعل اضطرت للقيام بحذف جميع المواد المصورة من هاتفها للحصول عليه، إلا أن والدتها عندما شاهدت الموقف أسرعت بإرسال عدد من الصور ومقطع الفيديو إلى أقارب الأسرة خارج القسم عبر تطبيق واتساب، وذلك قبل أن تقوم بحذفها من الهاتف أمام ضباط الشرطة.
مفاجأة.. صورة شاهد عيان تم إخفاؤه من التحقيقات
وفي إحدى الصور التي حصلت عليها "عربي بوست"، من نجلة جنينة، التي التُقطت وقت الحادث، يظهر فيها جنينة وقت نزيف الدماء من وجهه داخل سيارته، وبجواره داخل السيارة شاب يبدو أنه في العقد الثالث من العمر، وحين التساؤل حول هوية هذا الشخص أجابت شروق جنينة، بأنه شاهد العيان الذي أخفته أجهزة الأمن المصرية.
وقالت شروق إنه بعد حضور الشرطة إلى موقع الحادث، تحدث هذا الشاب إلى والدها، وكان يبدو عليه التعاطف الشديد معه "قال له إنه شاهد الواقعة منذ بدايتها، وأنه سوف يذهب معه إلى قسم الشرطة للإدلاء بشهادته ضد المتهمين".
وبالرجوع إلى المستشار هشام جنينة، قال: "بالفعل كان معي شاهد عيان على الواقعة، ولكن ما علمته أنه تم احتجازه داخل قسم الشرطة لمدة 48 ساعة، بل وتم التنكيل به والتعدي عليه، وحين ذهابي إلى النيابة العامة للتحقيق بالواقعة لم يتم ذكر هذا الشاهد في جميع محاضر الشرطة، وحين توجهي بالسؤال لمحقق عن سبب غياب شاهد العيان الذي كان بالواقعة، قال لي إنه لا يعلم عنه شيئاً، ولم يتم ذكره نهائياً داخل أوراق الشرطة للقضية".
محامي المتهمين ليلة الحادث
وفي تقرير سابق لـ"عربي بوست"، ليلة وقوع الحادث، حين تواجد مراسلها داخل قسم الشرطة عقب الحادث، وأثناء رحلة البحث عن معلومة داخل قسم الشرطة، ظهر المحامي خالد أبو عيطة بقسم الشرطة، باحثاً عن المتهمين في واقعة التعدي على جنينة، وحين محاولته دخول المنطقة الخاصة بالمباحث في الدور الثاني بقسم الشرطة رفض أفراد الشرطة ذلك في البداية، ولكنه عبر تليفون صغير أجراه أمام باب المباحث، ومع إعطاء الهاتف لأحد أفراد الأمن تم السماح له بالدخول دون السماح لأي شخص آخر.
ولكن بعد أقل من ساعة من لقاء محامي المتهمين ليلة الحادث، تلقى مراسل "عربي بوست" اتصالاً هاتفياً من المحامي، بعد أن تبادلا أرقام الهاتف أمام باب منطقة مباحث الشرطة، وكانت أولى كلماته في المكالمة "يا باشا أنا عاوزك تنقل الحقيقة".
وعن تفاصيل رواية المتهمين قال أبو عيطة "يا باشا سيد محمود خلاف ده رجل أعمال، وكان معاه اثنان من أصحابه يبحثون عن شقة للبيع بالتجمع، وأثناء سيرهم بالشارع فوجئوا بسيارة تصدم سيد، وحين غضب أصدقاؤه مما حدث من صاحب السيارة حدثت مشادة لرفضه الذهاب للقسم، ولم يكونوا يعلمون شخصيته الحقيقية".
وذكر المحامي الرواية التي تم التوصل إليها داخل قسم الشرطة، والتي قالها في اتصاله من داخل غرفة المباحث، أن المتهمين هم من تم التعدي عليهم من قبل بواب هشام جنينة وأفراد أسرته، وأنه في طريقه لإجراء كشف طبي لهم، وتحرير محضر بالواقعة ضد جنينة ومن معه.
كما أظهرت صور أخرى تعرض سيارة جنينة لاصطدام من الخلف، وهو ما توضحه اسرته التي ذكرت أن هناك سيارة سدت عليه الطريق من الأملم ثم قامت سيارة بالالتصاق به من الخلف.