رجاء كبتول تبكي شوقاً لطفليها.. ترغب في ضمهما وشمهما، وتفكر فيهما طوال الوقت، بنت تبلغ 9 سنوات وولد في 10 من العمر، موجودين لدى أقاربها قرب دمشق في ظل ظروف أمنية سيئة، لم ترهما منذ أكثر من عامين بعد قدومها إلى ألمانيا، وحصولها على وضع الحماية المؤقتة.
وعلى الرغم من تقديم رجاء، طلب لم شملها بأسرتها التي يصفها قانون الهجرة الألماني بـ"الحالات الصعبة" منذ 6 أشهر، إلا أنها لم تتلق رداً حتى الآن، وبحسب صحيفة "راينشه بوست" فقد ازداد وضع رجاء سوءاً عندما قُتل زوجها الذي كان ملاحقاً من قبل النظام السوري، بعد وصولها بقرابة عام إلى ألمانيا في أواخر العام 2016 في انفجار، وأصيبت ابنتها في ساقها مما جعلها تصاب بأزمة نفسية نقلت إثرها للمستشفى.
شوق رجاء إلى طفليها سيطول بعد تصويت البرلمان الألماني على تمديد حظر لم الشمل -الذي فرضته الحكومة في 2016 وكان ينبغي أن ينتهي في مارس/آذار القادم- بالنسبة للحاصلين على الحماية المؤقتة، إلى نهاية شهر يوليو/تموز القادم.
"قانون غير إنساني.."
لم ينجح التحالف المسيحي بقيادة المستشارة الألمانية الحالية أنجيلا ميركل وشريكه المستقبلي المتوقع في الحكومة الجديدة، الحزب الاشتراكي الديمقراطي في التسويق للتسوية الجديدة التي توصلا إليها بشأن لم شمل عوائل الحاصلين على وضعية الحماية المؤقتة من طالبي اللجوء، فقوبل نص قانون تم عرضه في البرلمان للتصويت، يوم الخميس 1 فبراير/شباط بانتقادات لاذعة، على نحو خاص من طرف حزب الخضر الذي رأى أنه لا إنساني ويمثل خداعاً من قبل الحكومة وإساءة لصورة ألمانيا.
وصوت 376 عضواً لصالح القانون الذي قدمته كتلتا الحزب الاشتراكي الديمقراطي وكتلة التحالف المسيحي، مقابل 298 عضواً ضده، فيما امتنع 4 عن التصويت. ويظهر الفارق الضئيل نسبياً بين الموافقين والمعارضين كيف أن القانون أثار الكثير من الجدل.
وكان الاتفاق الأول بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والتحالف المسيحي المحافظ نتيجة المفاوضات الاستكشافية كان قد نصَّ على استقبال 1000 شخص فقط، دون الأخذ بوجود حالات صعبة، إلا أن الصعوبات التي واجهها الحزب الاشتراكي الديمقراطي في إقناع أنصاره بأهمية ما حققوه في المفاوضات خلال مؤتمر للحزب، دفعته إلى التعهد بالإبقاء على قاعدة السماح للحالات الصعبة أيضاً بلم الشمل، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل.
الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، الحليف لحزب ميركل المسيحي الديمقراطي، كان الأكثر تشدداً في شأن اللاجئين، نظراً لخوضه انتخابات داخل بايرن خريف العام الحالي، ورغبته في منافسة حزب "البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتطرف، بقوانين شديدة الصرامة بالنسبة للاجئين لاجتذاب الناخبين الذين ما زالوا ساخطين من قدوم عدد كبير من اللاجئين في العام 2015.
في المقابل حاول الحزب الاشتراكي الدفاع عن اتفاق أكثر تسامحاً في قضية لمّ الشمل لإقناع قواعده الحزبية في المقام الأول، إذ سيصوت قرابة 450 ألف من أعضائه على نتيجة المفاوضات والنظر فيما إذا كانوا موافقين على الدخول في حكومة جديدة مع التحالف المسيحي.
ورغم تقديم كتلتهما القانون، إلا أن 3 من نواب التحالف المسيحي صوتوا ضده، وامتنع اثنان عن التصويت، كما صوَّت 10 من نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي ضده وامتنع اثنان عن التصويت.
وزير الداخلية يستشهد بـ"ويكيبيديا"
قبل إجراء التصويت على اعتماد القانون، ألقى أعضاء بارزون من الكتل النيابية كلمات حاولوا فيها إقناع النواب بوجهات نظرهم في الأمر، فقال وزير الداخلية توماس دي ميزير (الحزب الديمقراطي المسيحي)، إن الكثير من ذوي الخبرة العملية رحَّبوا بنتائج مفاوضاتهم بشأن لم الشمل، وإن بعض "المثاليين" اعتبروا هذه القاعدة صارمة.
وأقرَّ دي ميزير بأن ما توصلوا إليه ليس مثالياً: "نعم إنها تسوية"، لذا نظر في موسوعة "ويكيبيديا" الحرة عن طبيعة التسوية، فكان ما ورد فيها وكأنها كُتبت لهم، على حد تعبيره.
وزعم الوزير الألماني أن نتائج اتفاقهم في التحالف المسيحي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي في هذا الشأن تمثل من بين أمور أخرى، الإنسانية والمسؤولية والسخاء والواقعية، وأن "بعض الرحمة" كان ضرورياً في النهاية، في إشارة إلى أخذ "الحالات الصعبة" في عين الاعتبار.
وأكد دي ميزير أنه لن يكون هناك حق لم شمل بالنسبة للحاصلين على "الحماية المؤقتة"، بل سيتم تعويضه باستقبال محدود للاجئين لدواعٍ إنسانية، مشيراً بذلك إلى قواعد استقبال الـ"1000+".
"الحالات الصعبة" موجودة مسبقاً
فقرة السماح بقدوم "الحالات الصعبة" ولأسباب إنسانية إلى ألمانيا موجودة مسبقاً في قانون الإقامة الحالي، وكان كذلك حتى في فترة حظر لم شمل بالنسبة للحاصلين على الحماية المؤقتة منذ عامين، إلا أن عدد المستفيدين من الفقرة كان ضئيلاً جداً، قُدر بحوالي 100 شخص فقط، ما جعل السؤال مطروحاً إذا كان القانون الجديد سيتضمّن استفادة عدد أكبر منه، وفيما إذا كان ترويج الحزب الاشتراكي الديمقراطي لنجاحه في الإبقاء عليها على عكس ما أراد التحالف المسيحي ذا أهمية تُذكر.
لذا حاولت نائبة كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي إيفا هوغل الدفاع عن التسوية في البرلمان، داعية إلى وضع تأويل جديد أكثر سخاء لقواعد الحالات الصعبة، مشيرة إلى استفادة العشرات من أقارب حاملي "الحماية المؤقتة" منها في السنة الماضية، وأكدت أن مهمتهم المشتركة تكمن في تفسير وتطوير قواعد "الحالات الصعبة" على نحو أفضل.
الخضر غاضبون
في المقابل ألقت زعيمة كتلة حزب الخضر كاترين غورينغ-ايكاردت أكثر الكلمات حماساً وعاطفية في الجلسة، ووبخت المروجين لهذه التسوية والأحزاب التي تنادي بتشدد أكبر كحزب "البديل" المتطرف، داعية إياهم إلى التفكير بالأمر على نحو "ماذا لو كان طفلي؟".
وقالت إنها تحدثت مع متضررين من الحاصلين على "الحماية المؤقتة" تظاهروا أمام البرلمان، منهم طفلان سوريان من منطقة عفرين، جاءا إلى ألمانيا مع أخواتهما الأكبر سناً، وينتظران منذ عامين قدوم والديهما.
وتساءلت عما يعنيه "حالة صعبة" هل تشمل المصابين بإعاقة أم الأطفال كشأن الذين تحدثت عنهما، معتبرة كل حالة يكون فيها أفراد العائلة منفصلين عن بعضهم هي حالة صعبة، واتهمت التحالف الحكومي الكبير، الذي سبق وفرض الحظر على لم الشمل، بخداع المتضررين، عبر القول لهم إن الحظر سينتهي بعد عامين، متسائلة كيف يتم الطلب من القادمين الجدد للبلاد بالالتزام بالنظام والقانون، في الوقت الذي لا تلتزم الحكومة نفسها بالتزاماتها.
البديل يدعو للم الشمل في سوريا
وكما كان متوقعاً منه رفض حزب "البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتطرف لم الشمل جملة وتفصيلاً، ودعا عبر أحد نوابه كرستيان فيرث إلى لم الشمل في "مناطق حماية" داخل سوريا، أو في دول جوار سوريا، المهمة التي قالت إنها موكلة للأمم المتحدة، وليست من شأن الحكومة الألمانية.
وعمد برلماني آخر في الحزب يورغن براون، إلى سؤال زعيمة كتلة حزب الخضر غورينغ إيكاردت فيما إذا كانوا يريدون لم الشمل على النحو الذي حصل في شمالي ألمانيا، مع رجلين سوريين سُمح لهما بجلب الزوجة الثانية، متجاهلاً عن عمد ذكر أن السلطات وافقت على ذلك ليس لأجل الرجل، بل لوجود أطفال من الزوجة الثانية في ألمانيا، وحرصاً على مصلحة الأطفال فحسب.
فردت غورينغ-إيكاردت غاضبة بالقول، إن الأمر هناك يتعلق بالأم والأطفال، وهو ما يعني بالنسبة لها العائلة.
أصحاب الحماية المؤقتة محبطون
نيكوله تاوشر، من منظمة تساعد اللاجئين في دوسلدورف وتقدم الدعم له، تتساءل عن الكيفية التي سيتم وفقها الاختيار قائلة "من سيقرر من سيُسمح له بالقدوم أولاً؟ وهل سيكون وفقاً للتسلسل الأبجدي؟"، في إشارة إلى عدم وجود قواعد لكيفية اختيار المقبولين بدءاً من الصيف القادم.
أما حاتم خليل العامل في شؤون الرعاية الاجتماعية، فينتقد التسوية التي مررها البرلمان الألماني بشدة، بالنسبة إليه فإن القول باستقبال حتى 1000 شخص شهرياً لا يعني أن هناك التزاماً بالسماح بهذا العدد من الأقارب بالقدوم شهرياً لألمانيا، مشيراً إلى أنه وفقاً للقانون يجب على الحاصلين على "الحماية المؤقتة" العودة لوطنهم عندما يسود السلم، لكن الحرب مستمرة منذ 2011 في سوريا، وليس هناك نهاية منظورة لها، على حد تعبيره.
وإلى حين انتهاء الحظر وإيجاد إجابة عن الأسئلة السابقة يظل أحمد كردي، كما هو الشأن بالنسبة لرجاء كبتول، يحلم بلم شمل زوجته وابنيه المتواجدين في تركيا لدى شقيقه منذ أشهر، ويعيشون بدون إقامة قانونية.
ورغم قدوم الاثنين من حلب وريف دمشق، المناطق التي شهدت أعنف المعارك منذ أعوام، فإن طلبي لجوئهما رُفضا ومُنحا "حماية مؤقتة" فقط، تحت مبرر بأنهما غير ملاحقين بشكل شخصي في سوريا.
أحمد حينما أبلغ برفض طلبه وقرار تمديد حظر لم الشمل في ألمانيا، شعر بأنه تم التخلي عنه وعن عائلته، وأن اللقاء بات في حكم المجهول.