بن سلمان حقَّق هدفه بجمع أكثر من 100 مليار دولار من “أمراء الفساد”.. وغموض للمرحلة القادمة في الحرب على الفساد

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/31 الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/31 الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش

بعد إعلان النائب العام السعودي "سعود المعجب"، أمس الثلاثاء، الإفراج عمّا نسبته 85% ممن تم استدعاؤهم في قضايا الفساد في السعودية، واستمرار التحفظ على 56 شخصاً يشكلون 15% من إجمالي من تم استدعاؤهم، ووصول القيمة التقديرية للتسويات مع الموقوفين بتهم الفساد نحو 400 مليار ريال (106.7 مليار دولار)، يبدو الأمر ملحاً لتقييم الحملة على الفساد، لمعرفة ما إذا كانت حققت الحملة أهدافها أم لا؟.

وتمثلت أهداف الحملة المعلنة في محاربة الفساد وحماية المال العام، وتكريس دولة القانون، واسترداد 100 مليار دولار سبق الإعلان في بداية الحملة إنه تم تبديدها في عمليات فساد واختلاس، أما الأهداف غير المعلنة كما يراها فريق آخر من المراقبين فتتمثل في تعزيز سيطرة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على مفاصل الدولة، تمهيداً لما سمّوه "نقل سلس للسلطة" إليه.

وما بين تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة ثمة مآخذ على الحملة، وإيجابيات تحسب لها، كما أن هناك ثمة مؤشرات تدل على أن هدف الحملة يتجاوز الأهداف المعلنة إلى وجود أهداف سياسية تم رصدها من خلال مشاهدات عدة، وبقراءة متأنية للحملة يمكن رصد أبرز ما يمكن أن يؤخذ عليها وهو كما يلي:

غياب الشفافية


يعد غياب الشفافية أبرز ما يؤخذ على الحملة منذ بداية انطلاقها، عقب إصدار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أمراً بتشكيل لجنة عليا برئاسة نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للتحقيق في قضايا الفساد، واتخاذ ما يلزم تجاه المتورطين، وحتى بيان النائب العام السعودي الصادر أمس، الذي حمل محصلة لنتائج الحملة منذ انطلاقها.

فقد أشار النائب العام في بيانه أن العدد الإجمالي لمن تم استدعاؤهم من قبل اللجنة بلغ (381) شخصاً، وبيّن أن عدداً كبيراً منهم تم استدعاؤهم للإدلاء بشهاداتهم، وبالتالي غير معروف العدد الفعلي المتهم في قضايا الفساد.

وأشار البيان إلى أنه بعد انتهاء مرحلة التفاوض والتسويات، تمت إحالة الجميع إلى النيابة العامة، واتّخذت بحقهم الإفراج تباعاً عمن لم تثبت عليهم تهمة الفساد، دون أن يحدد عددهم، وكذلك الإفراج تباعاً عمن تمت التسوية معهم بعد إقرارهم بما نسب إليهم من تهم فساد، دون أن يذكر العدد أيضاً.

كما أشار البيان إلى التحفظ على (56) شخصاً ممن رفض النائب العام التسوية معهم لوجود قضايا جنائية أخرى.

وهو الأمر الذي يعني غياب رقم رسمي عن عدد المتهمين فعلياً في قضايا فساد، وعدد من تمت تبرئتهم، وعدد من تمت التسوية معهم، وكذلك طبيعة القضايا الجنائية التي دفعت النائب العام لرفض التسوية مع 56 شخصاً. وهذا كله يعكس في النهاية غياب الشفافية في التحقيقات على الفساد.

ومن أبرز مَن تم إطلاق سراحهم خلال الفترة الماضية الأمير متعب بن عبدالله، وزير الحرس الوطني السابق، وشقيقاه الأميران مشعل وفيصل، ووزير الدولة الحالي وزير المالية السابق إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، والملياردير الشهير الأمير الوليد بن طلال.

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قد كشف يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن 95% من الموقوفين بتهم الفساد في المملكة وافقوا على التسوية وإعادة الأموال للدولة.

وأشار بن سلمان إلى أن نحو 1% من الموقوفين، أثبتوا براءتهم وانتهت قضاياهم، في حين أن 4% منهم أنكروا تهم الفساد وأبدوا رغبتهم في التوجه إلى القضاء.

ورقم المحتجزين المتحفّظ عليهم حتى الآن -بحسب بيان النائب العام- هو (56 شخصاً)، وهو يمثل 15% من نسبة من تم استدعاؤهم في قضايا فساد، وهو 381 شخصاً، وهذه النسبة الـ15% قد ترتفع في حال كان عدد المتهمين فعلياً في قضايا فساد أقل من 381 شخصاً كما يشير لذلك بيان النائب العام، ومن هنا تأتي أهمية الشفافية في الأمر.

فيما يحسب للبيان إعلانه أن القيمة المقدرة لمبالغ التسويات قد تجاوزت (400) مليار ريال، متمثلة في عدة أصول (عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك).

انتقادات قانونية


يؤخذ على الحملة احتجاز الموقوفين بقضايا فساد، في مكان غير رسمي للاحتجاز، وهو فندق الريتز كارلتون، وعدم عرضهم على القضاء، لحسم إدانتهم من عدمها.

أيضاً يؤخذ على الحملة الانتقائيةُ في الحرب على الفساد، عبر تحديد أشخاص بعينهم، كما يرى فريق من المراقبين.

تسويات سياسية


أيضاً ثمة مؤشرات تؤكد أن التسويات التي تمت مع الموقوفين بقضايا الفساد في السعودية تتجاوز التسويات المالية إلى تسويات سياسية، وهو ما اتضح من خلال أكثر من مشهد، من أبرزها الاحتفاء أمام وسائل الإعلام الرسمية من قبل ولي العهد السعودي بالأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني السابق، في أول ظهور له، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد الإفراج عنه.

أيضاً عودة وزير الدولة إبراهيم العساف، وزير المالية السابق، الذي يعد أقدم وزير سعودي، ويعتقد أنه بمثابة خزينة معلومات عن المملكة، فور إطلاق سراحه للمشاركة في جلسات مجلس الوزراء بداية الشهر الجاري، بل وترؤس وفد المملكة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي، في مدينة دافوس السويسرية، الذي عُقد قبل أيام.

كذلك كان لافتاً إبراز عدد من وسائل الإعلام السعودية، نقلاً عن المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم تأكيد ولائهم للملك وولي العهد.

ورغم أن ولي العهد نفى في مقابلة نيويورك تايمز أن تكون الحملة ضد الفساد تستهدف الإطاحة بمنافسيه تمهيداً لنقل السلطة له من والده، إلا أن الاحتفاء بالأمير متعب، بعد إطلاقه سراحه، وإظهاره بمظهر المطيع الذي تربطه علاقات طيبة بولي العهد السعودي، وهو -أي الأمير متعب- الذي يرى كثير من المراقبين أن الحملة على الفساد كانت تستهدفه، باعتباره أحد أبرز العقبات المحتملة لنقل سلس للسلطة من الملك لولي العهد، وكذلك عودة العساف -خزينة معلومات الدولة- لممارسة مهامه، كل ذلك يؤشر إلى وجود تسويات سياسية خلال الحملة، تتجاوز أهدافها المعلنة إلى الأهداف غير المعلنة.

غموض المرحلة القادمة في الحرب على الفساد


من المآخذ على الحملة غموض المرحلة القادمة في الحرب على الفساد، فغير واضح حتى الآن طبيعة المرحلة القادمة في حملة مكافحة الفساد، فهل ستنتهي الحملة بإجراء تسويات مع المعتقلين الحاليين؟ أم أن هناك قائمةً أخرى تنتظر الدور، وخصوصاً في ظل حديث عن أن المعتقلين تتم محاسبتهم على جرائم ارتكبوا بعضها على مدار عقود مضت.

أبرز الإيجابيات:


استرداد 106 مليارات دولار خلال 3 شهور


وفي مقابل المآخذ على الحملة، يعد من أبرز إيجابياتها تمكنها من التوصل للتسويات مع الموقوفين بتهم الفساد، بنحو 400 مليار ريال (106.7 مليار دولار)، تغطي تلك المبالغ -نظريا- نحو 41% من إجمالي النفقات التقديرية في موازنة السعودية لعام 2018، التي تبلغ 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار).

واسترداد الدولة تلك المبالغ الكبيرة التي تم تبديدها على مدار العقود الماضية خلال 3 شهور فقط، أمر يحسب لها، ولا سيما أن السعودية، أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم تعاني في الوقت الراهن من تراجع حاد في إيراداتها المالية، الناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام عما كانت عليه عام 2014، ما دفعها للإعلان عن خطة اقتصادية في 2016 لتنويع اقتصادها.

ولكن يبقى أن يستشعر المواطن بأثر تلك المبالغ الكبير المستردة على حياته، من خلال توفير فرص عمل أو مشروعات تنموية في المملكة.

إشاعة مناخ عام مناهض للفساد


أيضاً من إيجابيات تلك الحملة، إشاعة مناخ عام مناهض للفساد، حيث ارتفعت البلاغات الواردة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" في السعودية (حكومي)، بنسبة 30% خلال 2017 إلى 10402 بلاغ، مقارنة بـ6482 بلاغاً في 2016.

وحسب بيانات صادرة عن الهيئة، تصدّرت قضايا الفساد المالي والإداري معظم البلاغات، إذ استحوذت البلاغات الواردة عن قضايا اختلاس وتبديد المال العام أغلب الحالات، بنسبة تصل إلى 37%.

نظرة مستقبلية


وفي الختام تبدو الحملة على الفساد -نظرياً- قد حققت الكثير من أهدافها المعلنة وغير المعلنة، عبر استرداد أكثر من 106 مليارات دولار تم تبديدها، ومحاربة الفساد وحماية المال العام، وتكريس دولة القانون، وكذلك تعزيز سيطرة ولي العهد السعودي على مفاصل الدولة، ولكن ما لم تعالج الدولة السلبيات التي رافقت الحملة وتعزز مبدأ الشفافية، وتحدد شكل وطبيعة المرحلة القادمة في الحرب على الفساد، فإن الثمار تبقى غير مكتملة النضج.

تحميل المزيد