جلست ساره الحديدي الفتاة المصرية ابنة العقد الثاني تتصفح فيسبوك لتتابع الأخبار المتسارعة، حول موجة البحث عن مرشح رئاسي ينافس الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها فى مارس/آذار 2018، وهناك سؤال واحد يلح على خاطرها!.
فبعد أن خرج رئيس الأركان الأسبق الفريق سامي عنان من السباق إثر توقيفه وقبله تراجع الفريق أحمد الشفيق المرشح الرئاسي السابق ثم أخيراً انسحاب المرشح اليساري خالد علي، بدأت سلسلة من التوقعات عن وجود منافس خفي للسيسي وسط انتقادات لهذا الفراغ من قبل حتى إعلاميين محسوبين على النظام.
ومع غياب ما يمكن وصفه بالمرشحين الجديين بدأت ساره تتابع أخبار المرشحين الآخرين الذين وصفهم المعارضون بالكومبارس (بديل الممثل)، وهو ما جعل السؤال يزداد إلحاحا عليها.
وفِي البداية كان هناك أنباء عن وجود منافس من حزب الوفد ولكن الهيئة العليا للحزب رفضت ترشيح رئيس الحزب السيد البدوي، مروراً بالحديث عن مرشح من حزب النور السلفي، ثم الحديث عن ترشح حمدين صباحي الذي نفاه الأخير ، إلى أن ختم المشهد ،(حتى الآن)، بإعلان رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى عن ترشحه رسميا رغم أنه كان مؤيدا لترشح الرئيس السيسي بل أنه هو الذي أطلق "حملة "كمل جميلك يا شعب" التي طالبت بترشح السيسي في عام 2014.ً
كان السؤال الذي يلح على سارة ، وهي تتابع هذه التطورات على صفحتها الشخصية.. لماذا كل هذا الإصرار على تقديم مرشح تعتبره (كومبارس)، ولماذا لا ينزل السيسي منفرداً طالما أن الدستور يسمح بذلك.. ما السر الحقيقي وراء الحرص على وجود منافس بعد أن أقصي أو انسحب المنافسون الذين يعتبرهم البعض جديين؟.
ليس قراراً مفاجئاً.. بكري يكشف الهدف منه
يبدو أنه هناك قراراً متخذاً منذ فترة بإيجاد منافس للسيسي، وهو الأمر الذي تولى الترويج له من بداية الانتخابات إلى غلق باب الترشح مصطفى بكري الكاتب الصحفي الذي يوصف بإنه مقرب من الأجهزة الأمنية المصرية، وعضو مجلس النواب، وذلك حينما أعلن فى برنامجه التليفزيوني منذ أكثر من أسبوعين أنه من الضروري وجود منافس للرئيس في الانتخابات الرئاسية، وحينها تحدث بكل وضوح عن ضرورة الحفاظ على ما أسماه "اللعبة الديمقراطية".
وقال بكري، حينها، إنه حال انتخاب السيسي لولاية ثانية، ستكون هناك بداية جديدة وسندرس ما لم نحققه في الفترة الرئاسية الماضية ونستطيع تحقيقه في الفترة الثانية، مشدداً على ضرورة الحرص على لعبة الديمقراطية.
كيف تحول من مؤيد للسيسي لمنافسه؟
قبل نهاية مهلة الكشف الطبي على المرشحين في 26 يناير/كانون الثاني 2017، كان ستة مرشحين قد تقدموا لإجراء الكشف، اثنان منهما معلومان هم السيسي وخالد علي، وأربعة مجهولين رفضت الأجهزة المعنية الإفصاح عن أسمائهم وكان يتوقع أن يكون المنافس منهم.
ولكن المفاجأة إنه بعد انتهاء الموعد الرسمي المخصص، أعلن ترشح رئيس حزب الغد دون أن يتوضح هل قام بإجراء الكشف الطبي بعد انتهاء المهلة أم أن كان من الأربعة المرشحين الذين أجروا الكشف وتم إخفاء أسمائهم .
اللافت أن عدداً من نواب مجلس النواب المصري بينهم نواب لا يمكن وصفهم بالمعارضين، قالوا إنهم لا يعرفون موسى مصطفى موسى، الذي أعلن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأكد بعضهم أنه بمثابة "محلل" فى هذه الانتخابات، وأنه من الأفضل أن يخوض الرئيس عبدالفتاح السيسي الانتخابات منفرداً.
في المقابل، قال المرشح الجديد خلال مداخلة هاتفية على فضائية المحور المصرية، أنه يخوض معركة الانتخابات بقوة وليس بديلاً لأحد، مضيفاً أنه لا يعيبه أنه ترشح في اللحظات الأخيرة قبل إغلاق باب الترشح.
وأوضح أن الحزب بدأ في جمع التوكيلات، منذ شهور، لكنه كان يعمل في صمت، حتى يتم الكشف بوضوح عن المدى الذي يصلون إليه، لافتاً إلى أن عدد التوكيلات التي حُررت يصل إلى 40 ألف توكيل.
وفي مؤتمر صحفي عقد بمناسبة ترشحه، فسر موسى تحوله من واحد من أشهر مؤيدي السيسي إلى منافسه الوحيد بالقول : أن حزب الغد الذي يترأسه كان من المؤيدين للرئيس عبد الفتاح السيسى، عبر حملة "مؤيدون" أثناء قرار الفريق أحمد شفيق بالترشح، وعندما حدثت انسحابات شفيق وخالد على واستبعاد الفريق سامى عنان، اختلف الوضع ولم يعد يدعم الرئيس السيسى فى الانتخابات حاليا، بل ينافسه.
3 ملايين مواطن يهددون بإفشال الانتخابات.. التوكيلات نموذجاً
"هو خايف يترشح لوحده".. تلك كانت أولى كلمات طارق العوضي المحامي الحقوقي المصري، في تعليقه عن سر بحث أجهزة الدولة المصرية عن مرشح آخر ينافس الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفسر العوضي ذلك بأن السيسي استخدم معظم أجهزة الدولة في معركة التوكيلات الشعبية الخاصة بالترشح، وذلك حينما طلب من أجهزته تجميع أكثر من مليون توكيل، ولكن المفاجأة أنه رغم التهديدات والضغوط الأمنية على الموظفين والأموال التي كانت تدفع كرشاوى المواطنين لم يكمل سوى 900 ألف توكيل، حسب قوله.
وقال العوضي في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه وفقاً للقوانين المصرية، فإنه في حال ترشح السيسي منفرداً في الانتخابات الرئاسية، فإنه يحتاج إلى الحصول على 5% من أصوات الناخبين المحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية، وهي نسبة تتطلب تصويت 3 ملايين مصري لصالحه.
وأضاف أن السيسي ومن حوله شعروا بالخوف من عدم قدرتهم على إكمال هذا الرقم مما يهدد بإعادة العملية الانتخابية من جديد وتضيع جهودهم في إقصاء المعارضين وإمكانية ظهور منافس قوي يهدد وجوده على كرسي الرئاسة، حسب قوله.
ورأى "أنه كان من الممكن أن يتم تنفيذ هذا السيناريو بطرق أكثر ذكاء، ولكن هذا الفشل في التخطيط والتنفيذ لتلك الجريمة السياسية أفشلت أي رسائل رغم النظام في توصيلها سواء للداخل أو للخارج". حسب تعبيره.
ليس تحركاً عشوائياً.. موروث ثقافي واسع الانتشار
ولكن يبدو أن النظام لا يتحرك عشوائياً بالصورة التي يظهرها معارضوه، حيث يرى الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية، أنه بالتأكيد يعلم السيسي وأجهزة الدولة الشكل الفج الذي ظهر عليه في طريقة البحث عن "كومبارس" منافس أمامه في الانتخابات، ولكن الواضح في الإصرار على هذا الأمر هو الهروب من تقدمه للانتخابات كمرشح منفرد بأي صورة.
ويقول نافعة لـ"عربي بوست"، إن الموروث الثقافي عن الأنظمة الاستبدادية في الوطن العربي هو بقاء الحاكم إما عبر العائلة المالكة وهذا ما هو واقع في معظم دول الخليج، أو أن يستمر المستبد على كرسي الحكم عبر الاستفتاءات الشعبية، بحيث يكون مرشحاً منفرداً يتم التصويت عليه من قبل الجماهير، وهو الأمر الذي كان سائداً في مصر منذ ثورة يوليو 1952، وحتى 2005 عندما قرر مبارك إجراء التعديلات الدستورية وتغير نظام انتخاب رئيس الجمهورية من الاستفتاء إلى انتخابات بين عدة منافسين.
ووصف ما قام به النظام بأنه ضيق في الأفق، وما تم عملية تجميل فاشلة بكل المقاييس، خصوصاً بعد أن قام بإقصاء المرشحين المنافسين له عنوة، خصوصاً من هم من خلفية عسكرية مثل الفريق أحمد شفيق الذي تعرض لتهديدات أبعدته عن سباق الترشح، أو ما تم مع الفريق عنان والقبض عليه وحبسه بالسجن الحربي.
محاولة لإقناع المجتمع الدولي.. فهل تنجح؟
"النظام الحاكم بمصر لا يهمه الرأى العام الداخلي، والشعب بأكمله ليس ضمن اهتمامته في أي قرار، ولذلك كان يبحث عن كومبارس مهما كان الشكل الذي سيأتي به ليكون بمثابة ورقة التوت التي تستر عورة العملية الانتخابات الفاسدة أمام الرأي العام".. هكذا تحدث الدكتور حازم حسني أستاذ العلوم السياسية، والمتحدث باسم حملة ترشح الفريق عنان قبل إقصائه من سباق الترشح.
حسني تحدث في مكالمة هاتفية مع "عربي بوست"، عن أن النظام المصرى يرغب في تصدير صورة لوسائل الإعلام الغربية، ودوائر صنع القرار بالخارج بأنه جاء رئيساً لفترة رئاسية ثانية عبر منافسة مع مرشح، وفي أجواء انتخابية ليس بها أي مخالفات من حيث التصويت الحر، وشفافية العملية الانتخابية.
وتابع: "ولكن يبدو أن الأنظمة القمعية بدول العالم الثالث لا تدرك أن نزاهة العملية الانتخابية لا تنحصر في مرحلة ما بعد الترشح، ولكن أيضاً في السماح بحرية العمل السياسي، وقدرة أي مرشح يرغب في المنافسة في تقديم أوراقه.
واعتبر إن الواقع أن ما تم هو قمع المرشحين الذين يمتلكون قدرة على المنافسة، مع تكميم للأجواء السياسية، ووصل الأمر لاستخدام منهج التصفية والبلطجة من من يفكر في تهديد وجوده على عرش مصر كما حدث مع سامي عنان، والمستشار هشام جنينة أحد أعمدة حملته الانتخابية"، حسب قوله.
نهاية الانتخابات المصرية
"بلا شرعية" هي الكلمة الأخيرة التي كتبتها الشابة المصرية سارة الحديدي على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي حينما أعلنت اللجنة العليا عن وجود موسى مصطفى موسى كمرشح رئاسى جمع 48 ألف توكيل في 48 ساعة بمساعدة الأجهزة الأمنية، وهي العبارة التي اعتبرتها نهاية الانتخابات الرئاسية المصرية قبل أن تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات الفائز بها.