لحظة العراق الحاسمة.. طريق العبادي لولاية رئاسية ثانية يصطدم بسياسات البلاد المعقدة.. وهذه أكبر تحدياته

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/30 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/30 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش

خلال 3 سنوات فقط، نجح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في إعادة بناء الجيش وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، واستعاد السيادة على هذه الدولة المنقسمة بشدة، وهي إنجازات تمنحه -في عيون الكثيرين- لقب "أبراهام لينكولن العراقي".

بيد أنَّ الاستقرار مازال هشّاً كما يُحذِر العبادي في خطاباته الأسبوعية للشعب.

إذ تعاني البلاد من تهديدٍ أكثر احتداماً من أي وقتٍ مضى من جانب الطائفية العنيفة بين الطوائف الشيعية والسُّنية، بالإضافة إلى الفساد المتأصل في الحكومة واليأس الاقتصادي الشديد، خاصةً بين ملايين المواطنين الذين أصبحوا بلا مأوى بعد المعارك ضد داعش، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

اللحظة الحاسمة

صحيحٌ أن هذه لحظةٌ حاسمة للعراق، الذي يستعد لانتخابات يمكنها كشف مكاسبه التي حققها بشقّ الأنفس. ويمكن للتصويت أيضاً أن يعيد تشكيل تأثير إيران على منطقة الشرق الأوسط ويحدد احتمالية عودة داعش من جديد.

لكنَّها لحظة هامة للعبادي أيضاً؛ فهو لم يقُد حملةً انتخابية قط، وتعثر بالفعل أثناء محاولته التفاوض بشأن التعقيدات الشديدة للسياسة العراقية استعداداً لانتخاباتٍ ستختبر فطنته السياسية في بيئةٍ أمنية مليئة بالتحديات.

فقبل أسبوعين على سبيل المثال، وقبل غلق باب الترشح للانتخابات المزمع إقامتها في 12 مايو/أيار المقبل، وَقَع رئيس الوزراء العراقي في مأزقٍ شديدٍ بعد أن رحب بقادة ميليشيات شيعية مدعومة من إيران في تحالفٍ كبيرٍ يأمل أن يعزز صورته كشخصية معتدلة يمكنها تجاوز قاعدته الشيعية لتجذب اهتمام الطوائف العراقية الأخرى.

وينقسم الشيعة في العراق، رغم أنهم الأغلبية، إلى أحزابٍ سياسية متنافسة. ومنذ إطاحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003، تدير الائتلافات الشيعية الحكومة العراقية، وهي المعادلة التي ما زالت تلعب دوراً رئيسياً في الانتخابات المقبلة.

لكنَّ رد الفعل العنيف تجاه خطوة العبادي كان سريعاً.

فصحيحٌ أنَّ الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران نالت الإشادة لمساعدتها في هزيمة داعش، لكنَّها اتُهمت أيضاً بارتكاب أعمال وحشية طائفية وينظر الكثيرون إلى قادتها كأداة بيد إيران. ما أثار غضب بعض القادة السُنة والشيعة، حتى أنَّ الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أحد المؤثرين المحتملين في هذه الانتخابات وصف التحالف بـ"الكريه".

وفي غضون 24 ساعة، تراجع العبادي عن موقفه، وانسحب قادة الميليشيات من الائتلاف.

وكان تخبُّط العبادي بمثابة تذكيرٍ بحقيقة أنه، ومع تبقي أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات، لا يمكن اعتبار أي أمرٍ مسلماً به.

ففي حين مازال هو السياسي الأكثر شعبية في العراق والمرشح الأوفر حظاً بالانتخابات، تضاعفت الصعوبات التي تواجهه بسبب فشله في التواصل مع الطوائف الأخرى، وضعف قدرته على عقد الصفقات؛ ما أدى إلى نفور الفصائل المؤثرة التي يحتاج إلى تأييدها.

وقال ريناد منصور، المحلل العراقي في المعهد الملكي للشؤون الدولية ببريطانيا (تشاتام هاوس): "العبادي لديه مسار ضيق يسلكه. إنه يحظى بشعبية بين العديد من طوائف العراقيين، لكن لديه أعداء خطرون كذلك. تتمحور السياسة حول القوى المشتركة في العراق".

جديرٌ بالذكر أنَّ العبادي تولَّى السلطة عام 2014، بعد وقتٍ قصيرٍ من احتلال داعش لثلث مساحة العراق واستعباد عشرات الآلاف من المواطنين، وينسب معظم العراقيين هذه الكارثة إلى فشل سلفه، نوري المالكي الذي حكم البلاد 8 سنوات قبل إطاحته على يد ائتلافه الشيعي لمصلحة العبادي.

أهم تحدياته

لكن في حين أنَّ العبادي هو زعيم البلاد، لا يرأس حزبه السياسي الخاص "الدعوة الإسلامية"؛ ما يجعل موقفه السياسي غير مستقر. إذ ما زال المالكي هو زعيم الحزب الذي يرغب في العودة إلى الحكم رغم ماضيه السياسي المتقلب.

لذلك، وفي مثالٍ تقليدي على الطبيعة الملتوية للسياسة العراقية، منع المالكي العبادي من استخدام موارد حزب الدعوة في حملته الانتخابية.

وأسس العبادي ائتلافه الخاص "تحالف النصر"، الذي رحب فيه في البداية بقادة الميليشيات الشيعية المؤيدة لإيران ثم أزاحهم. وسرعان ما اجتذب الائتلاف عشرات الساسة العراقيين والإقليميين من مختلف الطوائف، ما منح مساعديه الثقة بقاعدة قوية لدخول الانتخابات.

وينصّ دستور ما بعد الحرب في العراق على أن يتولى منصب رئيس الوزراء شخصٌ شيعي. وبالنظر إلى تاريخ البلاد مع الانتخابات المتوترة والحكومات الائتلافية في الاستفتاءات الوطنية الثلاثة التي أُجريت منذ إطاحة صدام حسين عام 2003، يحتاج العبادي إلى تحالفٍ يضم على الأقل جبهةً من الجبهات الثلاث للقوى السياسية الشيعية للفوز، حسبما يؤكد محللون. (يتولى شخصٌ كردي منصب الرئاسة الشرفي إلى حد كبير، ويكون المتحدث باسم البرلمان شخصاً سُنياً).

المشكلة هي أن التحالف مع أيٍّ من هذه القوى الشيعية الثلاث له مشكلاته الخاصة: فالمالكي المنافس المنهزم سياسياً يطمع في المنصب لنفسه، والتحاف مع قادة الميليشيات المؤيدين لإيران والمقربين من الحرس الثوري الإيراني يُشكِّل عبئاً وأضرَّ بالعبادي سابقاً.

والثالثة هي مقتدى الصدر البطل الشعبي الذي أصبح نصيراً للفقراء والعاطلين عن العمل والمُعارِض بشدة للتدخُّل الإيراني.

وأصبح الصدر، المعروف للأميركيين بالزعيم الشيعي الوحشي الذي حارب الأميركيين وقتلهم لسنواتٍ بعد الغزو الأميركي للعراق، مؤيداً للقومية العربية ومناهضاً لإيران. ويدير الصدر ائتلافه الخاص، الذي يتكون -مثله مثل ائتلاف العبادي- من طوائف مختلفة، ويضم قادةً سُنة يرحبون بخطاب الصدر المعادي لإيران.

ودخل سياسيون مُقرَّبون من العبادي في مباحثاتٍ تمهيدية مع أتباع الصدر بشأن الانضمام إليهم في ائتلاف محتمل. وليس من الواضح لماذا تعثرت هذه المباحثات، لكنَّ مؤيدي الصدر يقولون إنَّ زعيمهم غضب بسبب تحالف العبادي مع قادة الميليشيات المؤيدة لإيران.

حتى أنَّ أقرب مستشاري العبادي اعترفوا الآن بأنَّ هذا التحالف كان خطأً تكتيكياً فادحاً، ويعزونه إلى المهمة الشاقة المتمثلة في إنشاء كيانٍ سياسي جديد في مهلة قصيرة.

وأُغلق باب الترشح للانتخابات العراقية في 15 يناير/كانون الثاني الماضي.

ويؤكد علي الأديب، عضو البرلمان العراقي المُقرَّب من العبادي: "لم نملك الوقت للاستقرار على شركائنا الرئيسيين وما ندعو إليه وما نتفق عليه جميعاً. ونناقش كل هذه الأمور الآن".

ويقول بعض المحللين إنَّ سمعة رئيس الوزراء العراقي ربما تكون قد شُوِّهت إلى الأبد.

وأشار حسن حسن، الكاتب الأميركي ذو الأصول السورية والمتخصص في شؤون مكافحة الإرهاب، في مقال رأي نُشر بصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية قائلاً: "تُقوض التطورات الأخيرة وجهة النظر الأميركية التي ترى أنَّ العبادي حصنٌ ضد القوات الطائفية وثيقة الصلة بإيران".

بينما يقول آخرون إنه من المبكر للغاية أن نتوقع ذلك بالنظر إلى المناخ الأمني الذي لا يمكن التنبؤ به في العراق.

ثمة طريقةٌ أمام العبادي لتحسين سمعته خاصةً بين الأوساط السنية في العراق، ألا وهي تقديم أداء ناجح في مؤتمر دولي للمانحين سيُعقد الشهر المقبل، الذي تأمل حكومته أن تجذب عن طريقه مئات المليارات من الدولارات للمساعدة في إعادة بناء معظم المُدن السُنية التي دُمِّرت جراء العمليات العسكرية ضد داعش.

وتُقدِّر الأمم المتحدة أن نحو 2.6 مليون عراقي، معظمهم من السُنة العرب، ما زالوا نازحين بعد قتال داعش والدمار الكامل لمدنهم.

وطالَب مُشرِّعون سُنة وأكراد بارزون الأسبوع الماضي بتأجيل الانتخابات، قائلين إنَّه من المستحيل إجراء تصويت نزيه؛ لأن العديد من العراقيين ما زالوا مُشرَّدين، وتفتقر مناطقهم إلى البنية التحتية اللازمة لإجراء التصويت.

وفي 21 يناير/كانون الثاني الماضي، حكمت المحكمة العليا العراقية بأن أي تأجيل للانتخابات سيكون غير دستوري.

ويعتقد واثق الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، أنَّ العبادي يملك الفرص الأفضل للفوز بالانتخابات رغم هذه التحديات لسببٍ بسيط، ألا وهو التفاؤل الذي أعاده إلى العراقيين بعد التغلب على داعش.

وقال الهاشمي: "سيكون طريق العبادي إلى فترة رئاسية ثانية مفروشاً بالورود".

علامات:
تحميل المزيد