طُرِحَت رؤية للمملكة العربية السعودية للعرض في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس السويسرية الذي انتهى لتوه، حيث سعت المملكة لطمأنة المستثمرين واستعراض الطعام، والموسيقى، والثقافة السعودية التقليدية. وأعلن محمد الجدعان، وزير المالية، أنَّ "السعودية اليوم مختلفة. ولم تعد السعودية نفسها التي كانت قبل خمس سنوات".
وتقول صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن الجدعان والوزراء الآخرين تغنَّوا ببرنامج "رؤية 2030″ الرامية لإجراء عملية تحديث، التي يدعمها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الشاب الطموح الذي تعهَّد بإبطال السُبُل الرجعية في المملكة.
لكن السعودية القديمة لا تزال جليّة واضحة في البلاد بحسب ما تقول الصحيفة.
وتتابع: "إذ حُكِم الخميس الماضي، 25 يناير/كانون الثاني، على اثنين من النشطاء الحقوقيين، محمد العتيبي وعبد الله العطوي، بالسجن 14 عاماً و7 أعوام لتأسيسهما منظمةً حقوقية لفترة وجيزة قبل نحو 5 سنوات. وبصرف النظر عن رضوخهما لمطالب الحكومة بإغلاق المنظمة، صوَّرت جهة الادِّعاء أموراً مثل نشر تقارير حقوق إنسان، ونشر معلومات لوسائل الإعلام، وإعادة نشر تغريدات على تويتر باعتبارها أعمالاً إجرامية".
ويرى ولي العهد بحق الحاجة لإرضاء جيلٍ شاب لا يكلّ عن طريق شن حملةٍ على الفساد المستشري، وتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، وإرخاء القبضة القوية للشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). واحتفت النساء، عن جدارة، بخطوات السماح لهن بقيادة السيارات وحضور الفعاليات الرياضية.
النهج المتحجر إزاء الحقوق
لكن خلف هذا كله، تقول الصحيفة الأميركية، بأن ولي العهد كان يشرف على نفس النهج المتحجر الوحشي تجاه حرية التعبير وحقوق الإنسان، الذي كان علامةً مُسجَّلة لأسلافه. وهذا جانبٌ مستتر مظلم من الواضح أنَّ ولي العهد لا يرغب في تغييره.
وكانت محاكمة العتيبي والعطوي مليئة بالمنعطفات العبثية. إذ أسسا ومعهما آخرون منظمة "الاتحاد لحقوق الإنسان" في أبريل/نيسان 2013، وأصدرا العديد من البيانات على الشبكات الاجتماعية.
وقد استُدعيا للتحقيق بعد أقل من شهر، وتعهَّدا بإغلاق المنظمة. ثُمّ تقدَّما للحصول على ترخيصٍ رسمي لافتتاح المنظمة غير الحكومية، لكن لم يتمكَّنا من الحصول على ذلك الترخيص. وجرى تحذير العتيبي والعطوي مجدداً بإيقاف نشاطاتهما في عام 2014، ثُمَّ تعهَّدا مجدداً بذلك. ثُمَّ أُعيِد فتح القضية في 2016.
وفي مارس/آذار 2017، غادر العتيبي المملكة إلى قطر، حيث نجح في الحصول على لجوءٍ في النرويج. وبينما كان يستعد للمغادرة باتجاه النرويج، أُوقِف في مطار الدوحة وأُعيد إلى السلطات السعودية. وفرضت المحكمة الجزائية المتخصصة العقوبة عليه الأسبوع الماضي، وهذه المحكمة هي المحكمة السعودية المعنية بقضايا الإرهاب، والتي استُخدِمَت في كثيرٍ من الأحيان لمعاقبة المعارضين والمنتقدين، وكان الهدف منها بوضوح إرسال رسائل لكل من يجرؤ على مناصرة حقوق الإنسان.
وأشارت الصحيفة إلى أنه على كل المفتونين بطموحات ولي العهد الانتباه إلى إصراره العنيد على اللجوء للتفكير القديم حين يتعلَّق الأمر بالحقوق والحرية. فقد سُجِن رائف بدوي، المُدوِّن الذي رغب في رؤية سعودية أكثر استنارة، وجُلِد بسبب أفكاره، ولا يزال مسجوناً. والوعود المتلألئة للمستثمرين الأجانب في دافوس لا يمكنها إخفاء حقيقة أنَّ السعودية لا تزال كما كانت قبل خمس سنوات؛ سجناً لأولئك الذين يجرأون على التعبير عن آرائهم.