في غياب أي مرشح قوي لمواجهته، تبدو الانتخابات الرئاسية بمصر، في 26 مارس/آذار 2018، إجراء شكلياً لعبد الفتاح السيسي، الذي يحكم البلاد بيد من حديد بعد 7 سنوات من الثورة على حسني مبارك.
وقبيل إغلاق باب الترشح للانتخابات الإثنين 29 يناير/كانون الثاني 2018، تقدم رئيس حزب الغد الليبرالي، موسى مصطفى موسى، المعروف بمواقفه المؤيدة للسيسي، بأوراق ترشُّحه إلى الهيئة الوطنية العليا للانتخابات.
وإذا تم قبول ترشيح موسي، فإن قيمته الوحيدة ستكون مجرد تجنيب السيسي صفة المرشح الوحيد، بعد 4 سنوات من فوزه بالولاية الأولى للرئاسة، والتي حصد فيها نسبة 96.9% من الأصوات عام 2014.
في مؤتمر صحفي عقده مساء الإثنين 29 يناير/كانون الثاني 2018، قال موسى إنه تقدَّم بأوراق ترشُّحه مرفقةً بتزكية من 26 نائباً في مجلس النواب، وإنه يستوفي بذلك، الشرط الوارد في الدستور للترشح؛ وهو تأييد 20 نائباً على الأقل، أو دعم 25 ألف ناخب من 15 محافظة، على أن يكون هناك 1000 ناخب من كل محافظة من هذه المحافظات، على الأقل.
مرشح تبنَّى حملة "مؤيدون" للسيسي ينافس السيسي!
وأقرَّ موسى بأنه كان تبنَّى حملة أطلق عليها "مؤيدون" لدعم السيسي "عندما كان (أحمد) شفيق مرشحاً"، إلا أنه بعد انسحاب المرشحين المنافسين للرئيس قرر خوض الانتخابات.
وأعلن حزب الغد، في بيان تمت تلاوته خلال المؤتمر الصحفي، أنه قرر خوض انتخابات الرئاسة "دعماً للمصلحة العليا للوطن؛ لما يستحقه من انتخابات تعددية"، مضيفاً أنه عازم "على الفوز بإذن الله في هذه الانتخابات التنافسية".
وقبل أن يصبح رئيساً، أطاح السيسي -حينما كان قائداً للجيش- بالرئيس محمد مرسي في عام 2013، إثر تظاهرات جماهيرية كبيرة طالبت برحيله.
ومنذ توليه السلطة، أسكت السيسي كل المعارضة الإسلامية أو الليبرالية، واعتقل المئات من المعارضين.
خلال الأسبوعين الماضيَين، شهدت ساحة الانتخابات في مصر انسحابات وإقصاءات لمرشحين محتملين في مواجهة السيسي.
ويقول حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ"فرانس برس"، إن السيسي "يريد أن يكون المرشح الوحيد، من خلال استبعاد أي مرشح قوي ومنافس، ويريد نوعاً من الاستفتاء والمبايعة لشخصه".
وتنتشر صور ولافتات الرئيس الحالي فقط في مختلف المدن كنوع من الدعاية الانتخابية، كما أن السيسي حاضر بشكل شبه دائم في الصحافة وعلى محطات التلفزيون، التي عززت الحكومة سيطرتها عليها.
ونادراً ما كانت وسائل الإعلام تشير إلى المرشحين المنسحبين أو الذين تم إقصاؤهم أخيراً، أو يتم الإشارة إليهم بشكل سلبي.
حكايته مع عنان
وخرج من المنافسة، الأسبوع الماضي، رئيس أركان الجيش الأسبق، سامي عنان، الذي اتّهمته القيادة العامة للجيش بـ"مخالفة القانون"، وارتكاب "جرائم تستدعي مثوله أمام جهات التحقيق"، بينها "التزوير في المحررات الرسمية بما يفيد إنهاء خدمته في القوات المسلحة على غير الحقيقة، الأمر الذي أدى إلى إدراجه في قاعدة بيانات الناخبين من دون وجه حق"، بحسب بيان الجيش.
وشطبت الهيئة الوطنية للانتخابات اسم سامي عنان من سجلات الناخبين غداة بيان الجيش.
ضغوط بالسجن بحق شفيق وخالد علي والسادات
وكان الفريق أحمد شفيق، القائد السابق للقوات الجوية ورئيس الوزراء الأسبق، أعلن أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، من الإمارات، نيته الترشح للرئاسة.
لكنه عاد وتراجع مطلع الشهر الجاري (يناير/كانون الثاني)، إثر عودته من الإمارات حيث كان يقيم منذ أن خسر في عام 2012، الانتخابات الرئاسية بفارق ضئيل أمام الرئيس السابق محمد مرسي.
وكان من بين المنسحبين، المحامي الحقوقي خالد علي، ورئيس حزب الإصلاح والتنمية المصري محمد أنور السادات، عازيَين السبب إلى عدم توافر المناخ المناسب لإجراء الانتخابات.
كذلك، قرر القضاء العسكري في ديسمبر/كانون الأول 2017، حبس أحمد قنصوة، وهو ضابط في الجيش، أعلن عزمه خوض انتخابات الرئاسة، 6 سنوات بعد اتهامه بالإضرار بـ"مقتضيات النظام العسكري".
5 شخصيات تدعو للمقاطعة
ودعت 5 شخصيات مصرية، الأحد 28 يناير/كانون الثاني 2018، إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/آذار 2018، متهمين السيسي بـ"منع أي منافسة نزيهة".
واعتبر نافعة أن أسلوب النظام في إدارة الانتخابات يعكس "خوفاً وانعدام ثقة"، موضحاً أن الشعبية التي يمتلكها السيسي أقل مما تحاول دعاية الدولة تصويره.
ويقول صموئيل تاضروس، الباحث المتخصص بشؤون الشرق الأوسط والمقيم بالولايات المتحدة، إن السيسي "يكره الفكر السياسي، وإنه رجل جاء من الثكنات العسكرية مباشرة إلى الرئاسة دون خبرة سياسية".
وتابع تاضروس أن رؤساء مصر السابقين، عبد الناصر والسادات ومبارك، أيضاً، كانوا من رجال الجيش، ولكنهم استقوا الخبرات السياسية قبل وصولهم إلى الحكم.
على الصعيد الاقتصادي وما واجهته مصر من إحدى أسوأ الازمات، نال السيسي استحسان الشركاء الدوليين، الذين لم يتوقفوا كثيراً عند مسألة حقوق الإنسان.
وطبّق السيسي، خلال دورته الأولى، بعض الإصلاحات الاقتصادية القاسية؛ مثل: تعويم العملة، وفرض ضرائب جديدة، وإلغاء دعم الوقود والطاقة؛ ما أدى إلى موجات غير مسبوقة من التضخم، زادت من شكاوى المواطنين من غلاء الأسعار.
ويعيش نحو 28% من سكان مصر (93 مليون نسمة) تحت خط الفقر، وفقاً للإحصاءات الرسمية.
إلا أن هذه الإصلاحات أتاحت للحكومة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في نهاية 2016، تحصل بموجبه مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات، وأدت إلى تحسُّن في مؤشرات الاقتصاد، الذي يتوقع الصندوق أن يسجل معدلاً بنسبة 4.8% في نهاية العام الجاري.