وَجدَت الوزيرة المغربية بسيمة الحقاوي نفسها في مواجهة عاصفة من الانتقادات اللاذعة؛ بسبب تصريح قالت فيه إن "من يجني 20 درهماً (أقل من دولارين) في اليوم الواحد لا يعاني الفقر الحاد"، مستندةً في ذلك إلى تقارير للمندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة أبحاث حكومية بالمغرب.
وخَلّفت خرجة وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، موجة من الغضب من طرف نشطاء ومدوِّنين مغاربة، اعتبروا أن تصريح الوزيرة بحكومة سعد الدين العثماني وقبلها بحكومة عبد الإله بنكيران، "منفصلة عن الواقع الذي يعيشه عدد كبير من المغاربة".
إحصائيات مُضلِّلة
اعتمدت الحقاوي على إحصائيات تعود للمندوبية السامية للتخطيط، التي سجلت انخفاض عدد المغاربة ممن يقبعون تحت خط الفقر، من 7.5 مليون فرد سنة 2004 إلى 2.8 مليون سنة 2014 يعيشون بـ20 درهماً (دولارين)، في اليوم، وفق معايير البنك الدولي.
وبحسب مدوِّنين، فإن تقارير البنك الدولي تتحدث عن الدول التي تعتمد على الدخل الفردي، ما لا ينبغي معه تطبيق معاييره على المغرب، "الذي يعيش سكانه على الإعالة والتكافل الاجتماعي، بالإضافة إلى أن رب الأسرة يكون مسؤولاً عن زوجة وأبناء وربما أبوين".
وأوضح نشطاء مغاربة أن القيمة الاستهلاكية لدولارين اثنين تتفاوت من بلد إلى آخر؛ إذ إن المبلغ قد يضمن الحد الأدنى من العيش في بلدان العالم الثالث، لكنه ثمن سداد فنجان قهوة في ألمانيا أو الولايات المتحدة الأميركية.
موقف ليس بجديد
تصريحات الوزيرة، المنتمية إلى حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، عن الفقر وحدِّه الأدنى ليست بجديدة؛ بل تعود إلى أبريل/نيسان 2016، حين كانت تجيب عن سؤال مستشار معارض بإحدى جلسات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، موضحةً أن عتبة الفقر المطلق في المغرب انتقلت من 3.5% إلى 0.3%.
وقالت المتحدثة، وفق شريط فيديو يوثق كلمتها: "أتحدث بلغة الأرقام لا الانطباعات، والمندوبية السامية للتخطيط لم تعُد تعتمد على مدخول دولار واحد كمرجعية؛ بل تقدر الفقر المطلق بـ2.4 دولار"، مؤكدةً بالقول: "ما يعني أنه لم يبقَ هناك من مغربي يعاني الفقر في حدود عتبة دولار واحد ولا حتى دولارين، وهذا تقدُّم كبير يجب ألا نُنكِره"، وفق تعبيرها.
دفاع عن النفس
الحقاوي أجَّجت الانتقادات الموجهة لها من جديد، خلال ندوة فكرية شاركت فيها قبل أيام في مدينة سلا، بالقرب من العاصمة الرباط، منبهةً إلى أن "بعض الجهات تعمل على استهداف بعض المسؤولين"، في إشارة إلى أن وسائل إعلامية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي يستهدفونها ويسيئون إليها، بالترويج لمثل هذه التصريحات.
وتابعت وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية كلامها، قائلة: "هل أكذب؟ هل أقول إن نسبة الفقر لم تنخفض؟ لكن، من هو هذا العاقل الذي يمكنه القول إن الفقر لا يوجد بالمغرب؟!"، معززةً كلامها بتأكيد أن المبادرات التي يطلقها المغرب، كصندوق التماسك الاجتماعي وصندوق التكافل العائلي وغيرها، تدل على أن الفقر لا يزال بالبلاد؛ بل إن بعض المناطق تعاني الفقر المدقع.
وتساءلت الوزيرة: "لماذا تشتغل الحكومة على كل هذه البرامج إن لم يكن هنالك فقر بالبلاد؟".
ضحايا الفقر والتهميش
هذا الشأن الذي وقع بين الوزيرة وفيسبوكيين، حول الفقر بالمغرب، أعاد إلى الأذهان الفواجع الأخيرة التي ألمَّت بأُسر مغربية؛ إذ كان الفقر والهشاشة الاقتصادية أبرز أسبابها وعاملها المشترك.
ومنها "فاجعة مدينة الصويرة"، التي تسببت في وفاة 15 سيدة فقيرة كنَّ ضمن مئات من النساء والرجال، خلال عملية توزيع مساعدات غذائية نظمتها إحدى الجمعيات المحلية بالسوق الأسبوعية لقرية سيدي بولعلام، في حين كان آخرها غرق 7 من الشباب المغاربة ممن ركبوا زوارق الموت؛ أملاً في تحسين مستواهم المعيشي والاقتصادي.
الوزيرة الحقاوي، التي اعتبرت، ضمن تصريح آخر صادم، أن ما وقع لنساء الصويرة كان بسبب الجشع واللهفة بالأساس- لاقت انتقادات واسعة، فيما ردَّت عليها البرلمانية المُعارِضة حياة المشفوع بالقول: "إن الفقر الشديد هو من قاد هؤلاءالأمهات لانتظار حصة من الدقيق، لا تسمن ولا تغني من جوع"، مؤكدةً أن هؤلاء النسوة لو كان لديهن طعام وخبز يُقدمنه لأبنائهن لما تكبَّدن العناء وعُدن مقتولات لبيوتهن.