مرّت سنة على عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي.
ثُبتت صورة للملك المغربي مرصّعة باللون الذهبي على يسار مدخل مركز المؤتمرات الذي تدور فيه بين يومي الأحد 28 والإثنين 29 يناير/كانون الثاني 2018 القمة 30 للاتحاد الإفريقي.
تراقب نظرات العاهل محمد السادس في الصورة الدبلوماسيين ورؤساء الدول الذين يغدون ويروحون في بهو مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، ولم يسجل حضور العاهل المغربي في إثيوبيا.
عمد مجموعة من الضباط بالقوات الملكية في زيهم الرسمي إلى استقبال أصحاب القرار في القارة داخل هذا الفضاء الذي شهد 50 سنة من التعاون مع إفريقيا. وبالنسبة لوزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة فقد "أنجزت المهمة"، وفق تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية.
في الواقع، يشير بوريطة من خلال تصريحه إلى حصول المغرب، يوم الجمعة، على مقعد تمتد عضويته لسنتين في مجلس السلم والأمن الإفريقي، الذي يُعد بمثابة هيئة تنظر في النزاعات داخل القارة وتديره الجزائر، التي سحبت ترشحها في اللحظات الأخيرة، منذ تأسيسه.
وقد أضحى سفير الجزائر سابقاً في موسكو، إسماعيل شرقي، منذ 5 سنوات مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي.
من جهته، أفاد وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل، صاحب الـ68 سنة، قائلاً: "لقد فضلنا التراجع على أن نقدم ملف ترشحنا في 2019، وذلك لمنصب عضوية يمتد 3 سنوات".
وقد أثار هذا الأمر سخرية نظيره المغربي، الذي يصغره بعشرين سنة، والطامح إلى التغلغل أكثر في إفريقيا.
بعد ظفره بنحو 39 صوتاً لصالحه فيما امتنع 16 عضواً عن التصويت، سجّل المغرب أولى انتصاراته منذ عودته للاتحاد الإفريقي خلال يناير/كانون الثاني سنة 2017.
في هذا الإطار، أكد بوريطة أن "الانضمام إلى مجلس السلم والأمن الإفريقي كان هدفنا الأساسي منذ سنة. يعد الانضمام إلى هذا المجلس أمراً ضرورياً؛ نظراً لأننا من خلاله يمكننا معالجة القضايا الهامة التي تشغل المغرب، خصوصاً ملف الصحراء".
الحق في تقرير المصير
يعد الاتحاد الإفريقي آخر مسرح فعلي تحتدم فيه المواجهة الدبلوماسية بشكل مباشر بين المغرب والجزائر. وتتمثل نقطة خلاف الإخوة الأعداء في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، التي تعد "غير مألوفة" بالنسبة للمغاربة الذين يفضلون عدم ذكر اسمها.
وغالباً، لا يعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ضمن الاتحاد الإفريقي، إلا انطلاقاً من مبدأ احترام حقها في تقرير مصيرها، الأمر الذي تدعمه الجزائر وتسانده بشدة.
من المرجح أن هذه التوترات مثيرة للدهشة خاصة بالعودة إلى تاريخ حركات التحرير الإفريقية التي لطالما انعقدت جلساتها بين جدران المنظمة في أديس أبابا.
لم يعبر كل من بوريطة ومساهل عن الدعم غير المشروط للعاهل محمد الخامس، أحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية (1963-2002)، التي تزامن إنشاؤها مع صراع الجزائر لنيل استقلالها.
أبى كل من محمد السادس وعبدالعزيز بوتفليقة أن يحيدا عن مواقفهما. وجدير بالذكر أن الاتحاد الإفريقي، منذ عودة المغرب إليه بعد أن غادره سنة 1984، بات يضم 55 عضواً.
قال وزير شؤون خارجية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، محمد سالم ولد السالك، إن "شروط عودة المغرب للاتحاد الإفريقي غير مقبولة، فعلى المغرب احترام ميثاق الاتحاد".
ورغم تكرار هذا الخطاب منذ عقود، إلا أن المغاربة لا يزالون يتجاهلونه؛ نظراً لأنه يثير غضبهم. من جهته، رد مسؤول حكومي مغربي، قائلاً: "لا يعني حضور الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ضمن اجتماع ما أنها موجودة".
دبلوماسيون "متهورون"
يطبق ناصر بوريطة بشكل واضح دبلوماسية "حديثة"، يعتبرها نقاده أنها تشبه نوعاً من "التسويق". أما على مستوى الاتصالات الخارجية فسجل الملك قرابة 46 زيارة لما يقارب 25 دولة إفريقية منذ اعتلائه العرش، مع انفاق 5 مليارات دولار، أي 4 مليار يورو، في الاستثمارات عام 2016، حسب تقرير للاستثمار الأجنبي المباشر.
وفي الاتحاد الإفريقي، تخلصت المملكة من كل ما تخلد في ذمتها فيما يتعلق باشتراك العضوية. وقد أضحت المملكة من بين الدول التي تسهم بالنسبة الأكبر فضلاً عن كل من الجزائر، ونيجيريا، ومصر، وجنوب إفريقيا، بمبلغ قدر بأكثر من 39 مليون دولار لكل واحدة منها.
ويُضاف إلى ذلك انتشار الشركات المغربية جنوب الصحراء، مقابل تراجع النفوذ الفرنسي والاستثمارات الجزائرية بشكل كبير.
في هذا الصدد، قال مسؤول جزائري بارز: "نحن نفعل ولا نتكلم، كما أن المال ليس هو ما يهم. في الواقع، نحن نمتلك أقل من غيرنا، لكننا معارضون لاستراتيجية الرباط. لقد عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي برؤية عملية تفيد بأن إفريقيا غير مُعقدة وغير مُنغلقة على الأفكار الأيديولوجية الضارة بالتنمية".
المغرب "نحو الغرب"
بعيداً عن "القوة الناعمة"، لم يتردد دبلوماسيو المغرب بالكواليس في ممارسة الضغوط من أجل تحقيق أهدافهم، قدّم المغرب مطلب ترشح لنيل مقعد في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، الذي ترغب تونس في الظفر به، وذلك من أجل ضمان مقعدها في مجلس السلم والأمن الإفريقي.
وقد تنافست تونس والجزائر على مقعد شمال إفريقيا، الذي أصبح شاغراً في يناير/كانون الثاني 2018.
من جانبه، يرغب المغرب في البقاء وجهاً لوجه مع الجزائر، خاصة أن تونس ألغت ترشحها لمجلس السلم والأمن الإفريقي من أجل الحصول على امتياز الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، قال دبلوماسي مغربي: "لقد حددنا الدول المرشحة لنيل مناصب في المؤسسات الدولية وتحديناها".
ويرى المغرب أن غرب إفريقيا يدعم قضيته، حيث دعا إلى أن يكون ضمن دوله من خلال إدماجه في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وهو ما يمثل أمراً آخر يثير الانزعاج.
وفي هذا الصدد، قال رئيس الدبلوماسية المغربية دون تردد: "عندما أنظر إلى الخريطة أرى أن المغرب أكثر انتماءً إلى الغرب مقارنة بأي دولة أخرى في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا".
وفي محاولة للتأثير على موقف نيجيريا، التي تعد القوة الحقيقية غرب إفريقيا والحليف التقليدي للجزائر، يسلط المغرب الضوء على مشروعه المتمثل في وضع خط أنابيب غاز عملاق، من المفترض أن يربط دلتا النيجر، الذي تسيطر عليه الجماعات المسلحة، بالرباط، مروراً بـ12 بلداً.
بينما تسلّط الجزائر الضوء على مشروع إنجاز طريق عابر للصحراء الكبرى يصل بين الجزائر العاصمة والعاصمة النيجيرية لاغوس. مع ذلك، لم يُحسم أمر المشروعين بعد، رغم تأكيدات دبلوماسيي البلدين.
التقارب مع جنوب إفريقيا
تواجه هذه التوترات بين الجزائر والمغرب، التي تعكر جو الاتحاد الإفريقي، تحديات أكبر بكثير، كما أنها تعمّق الفجوة بين محورين وفلسفتين.
فمن ناحية، نجد البلدان الملتزمة بشكل غير مشروط بدعم الوحدة الإفريقية في قارة تغذيها صراعات التحرر، حيث تقود الجزائر ومجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية هذا الشق الذي لا يحظى بدعم من الشباب الإفريقي، الذي يمثل 60% من سكان القارة.
ومن ناحية أخرى، يوجد "العمليّون" الذين يرون إفريقيا على أنها أرقام واستثمارات وموضع تنمية اقتصادية، وخلق وظائف وبنية تحتية، والذين يسجلون حضورهم في منتدى دافوس. ويتشكل هذا المحور في مكان ما بين الرباط وكيغالي، عاصمة رواندا، البلد الصغير ذي النفوذ الكبير.
في هذا الشأن، يتشارك الرئيس الرواندي، بول كاغامي، والملك محمد السادس وجهات نظر متشابهة. وقد فتح كاغامي، منذ أن أصبح رئيساً للاتحاد الإفريقي وأمل في تطبيق بعض الإصلاحات، أبواب بعض القصور الرئاسية شرقي إفريقيا أمام ملك المغرب.
وبعد زيارة قام بها إلى رواندا في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وهي الأولى من نوعها في المنطقة، واصل الملك رحلته نحو إثيوبيا وتنزانيا.
وقد أكد الوزير ناصر بوريطة ذلك قائلاً: "حتى لحظة وصولنا إلى كيغالي، لم يكن يؤيد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سوى 20 بلداً فقط. أما الآن، فيدعمنا 42 صوتاً، وبالتالي، تعتبر فترة رئاسة كاغامي مثمرة وستُحدث تغييرات هامة في الاتحاد الإفريقي".
وكما لو كان يحاول التغلب على التحالفات التاريخية بين دول الاتحاد الإفريقي المعتبرة، بدأ المغرب في خلق تقارب جديد مع جنوب إفريقيا. وفي نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2017.
وخلال القمة التي جمعت بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي في أبيدجان، التقى ملك المغرب وجهاً لوجه مع رئيس جنوب إفريقيا، جاكوب زوما، الذي يعتبر الحليف القوي للجزائر والذي كان في طليعة الكفاح ضد الفصل العنصري.
ويعمل الدبلوماسيون المغاربة منذ سنة تقريباً على هذا الجانب، حيث أرسلوا مبعوثين ووزراء إلى بريتوريا. وقد أكد أحد مستشاري رئيس جنوب إفريقيا أن "الرئيس زوما قد أدرك أن أيديولوجية الثمانينات لم تعد صالحة، وأصبح أكثر انفتاحاً على المغرب".
ويراهن المغاربة بشكل كبير على الخليفة المحتمل للرئيس زوما، وهو السيد سيريل رامافوزا، رجل الأعمال والرئيس الجديد للمؤتمر الوطني الإفريقي، باعتباره يمثل الجيل الجديد من رجال الدولة "الواقعيين".
في أديس أبابا، يعيش الإخوة الأعداء، في الوقت الراهن، في مُناخ متوتر تحت مظلة الوحدة الإفريقية. وقال مسؤول مغربي إن "الكراهية ستنتهي"، في حين أكد الجانب الجزائري أنه "ليست هناك أية مشاكل".
بين هذا وذاك، لا أحد يعرف السبب الحقيقي وراء إغلاق الحدود بين البلدين لمدة 24 سنة.