في 25 من يناير/كانون الثاني سنة 2016، فقدت إيطاليا الباحث جوليو ريجيني. وكان ريجيني شاباً مفعماً بالحياة، ويتسم بالحيوية والنشاط. نشأ ريجيني في بلدة فيوميتشينو من مقاطعة أوديني شمال شرقي إيطاليا. وقد التقطت آخر صورة للباحث الإيطالي أثناء احتفاله بعيد ميلاد حسب صحيفة notizie geopoltiche الإيطالية.
بعد مرور 6 أيام من البحث المستمر، عُثر على جثة جوليو ريجيني على مشارف القاهرة، في مصرف مائي بجانب الطريق السريعة الرابطة بين القاهرة والإسكندرية (المعروف بالطريق الصحراوي).
كانت جثته مشوهة، في حين ظهرت على جسده آثار تعذيب شديد ومروع، فضلاً عن كدمات في جميع أنحاء جسمه، وذلك نتيجة تعرضه لضرب مبرح ووحشي. وخلال فترة غيابه، تحول والداه إلى العاصمة المصرية للبحث عن ابنهما المفقود.
مرت سنتان دون أن يطرأ أي جديد على القضية
بعد مرور عامين على مقتل الطالب الإيطالي في القاهرة، اجتمع العديد من الإيطاليين في ذكرى وفاته لإشعال الشموع وفق notizie geopoltiche في حين طغى اللون الأصفر على صُورِه، كما طالبوا بكشف الحقيقة. فقد مرت سنتان دون أن يطرأ أي جديد على القضية، في الوقت الذي لا يزال فيه قاتل ريجيني مجهولاً.
في الأثناء، واصلت الجهات الإيطالية المختصة بالتحقيق في القضية، البحث في ملابسات الجريمة، علما أنها ما فتئت تواجه العديد من محاولات التضليل ونشر الأخبار الكاذبة من قبل السلطات المصرية. في المقابل، لم تقم السلطات المصرية بأي مبادرة تذكر للتعاون مع السلطات الإيطالية لمعرفة قاتل ريجيني.
وثيقة التجسس
في الآونة الأخيرة، نشر موقع جهاز المخابرات العامة المصرية وثيقة، وقعت بين يدي المدعي العام في روما الموكل بقضية الضحية، تؤكد أن ريجيني متورط في قضية تجسس لفائدة جهاز المخابرات البريطانية، والتعامل مع أطراف خارجية لزعزعة استقرار البلاد خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة لثورة يناير.
تضمّنت هذه الوثيقة وصفاً عاماً لحالة الضحية، فضلاً عن أن الوثيقة أشارت إلى جملة أمتعة ريجيني التي تمت مصادرتها وتسليمها لسجين لآخر. علاوة على ذلك، احتوت هذه الوثيقة على شهادة طبية ذات أهمية قصوى في الأبحاث، حيث أحالت إلى أن ريجيني كان يتمتع بصحة نفسية وجسدية جيدة، ولم يكن لديه سوى جرح سطحي في جبينه عمقه سنتيمتر واحد، جراء اصطدام رأسه بالحنفية أثناء استحمامه في منتصف يوم الإثنين 29 يناير/كانون الثاني، سنة 2016، وذلك قبل أن يقع في قبضة الاستخبارات العسكرية للرئيس السيسي.
لا تعد حادثة اغتيال الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الواقعة الوحيدة في مصر السيسي. في الواقع، يسعى الرئيس المصري بكل ما أوتي من قوة لتأكيد سلطته والبقاء في سدة الحكم.
وتزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في مارس/آذار أو أبريل/نيسان القادمين، عزز السيسي من سياسته القمعية ضد النشطاء السياسيين. وفي هذا الصدد، أكدت سارة ليا ويتسون، رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، أن "الإنجاز الوحيد الذي حققه السيسي يتمثل في قمع كل أشكال المعارضة في البلاد، واعتماد العنف لتثبيت أركان حكمه، فضلاً عن التهرب من تطبيق القانون".
والجدير بالذكر أن قانون الطوارئ لسنة 1958 يمنح صلاحية واسعة لرجال الأمن، فبمقتضاه يتصرف الجهاز الأمني المصري بكل حرية، مع العلم أنه غير خاضع للرقابة. وفي الأثناء، يخول هذا القانون للحكومة المصرية فرض رقابة على وسائل الإعلام، كما يسمح لها بتنفيذ عمليات الإخلاء القسري.
من جهتها، اعتمدت الحكومة المصرية قانون مكافحة الإرهاب لإسكات أي خصم سياسي يمكن أن يشكل تهديداً على السيسي. وحيال هذا الشأن، قام السيسي بوضع العديد من الأبرياء في السجن، وتوجيه تهم بالإرهاب إليهم، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم.
وفي مايو/أيار، صادق السيسي على قانون ينص على تنظيم عمل المنظمات غير الحكومية.
ويحد هذا القانون من نشاط الجمعيات والمنظمات، بالإضافة إلى أنه يحول دون تلقيها تمويلات دون موافقة من قبل الحكومة. وعلى الأرجح، كان ريجيني ضالعاً في النشاط الاجتماعي في مصر.
قضايا سياسية غير عادلة وظالمة
وحسب التقرير الصادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان، في أكتوبر/تشرين الأول، تعد الأحكام الصادرة عن المحاكم المصرية والمتعلقة بقضايا سياسية غير عادلة وظالمة، في حين أنها غير قابلة للاستئناف. وغالباً ما تُخضع السلطات المصرية النشطاء السياسيين إلى مثل هذه المحاكمات غير العادلة. وفي السنوات الثلاث الماضية، بلغ عدد المدنيين الذين أحيلوا على المحاكم العسكرية في مصر أكثر من 15 ألف شخص.
وحسب الأرقام التي قدمتها المحكمة الدستورية العليا في القاهرة، فقد بلغ عدد أحكام الإعدام في مصر 22 حكماً على الأقل، بينما أيدت المحكمة العليا للطعون العسكرية 19 حكماً بالإعدام، ليتم تنفيذها في حق المتهمين في وقت لاحق.
الجدير بالذكر أن السلطات المصرية قامت باعتقال 17 صحفياً، وأوقفت بث العديد من المواقع الإخبارية. وفي السنة الفارطة، وقع احتجاز العديد من العمال، على خلفية قيامهم بجملة من الاضطرابات والاحتجاجات السلمية.
وفي حين تدين كل الأدلة والبراهين السيسي، إلا أن الأمر اللافت للانتباه يتمثل في الصمت الدولي إزاء سياسته القمعية. في الأثناء، تخشى إيطاليا من توتر العلاقات مع مصر، حيث قد يؤثر ذلك على التعاون المصري الإيطالي فيما يتعلق بالأزمة الليبية.