يواجه المقاتلون الأكراد عملية عسكرية كبيرة يشنها الجيش التركي مع فصائل من المعارضة السورية في مدينة عفرين، الواقعة على الحدود مع تركيا شمال غرب سوريا.
وتعتزم أنقرة توسيع عملياتها العسكرية لتشمل مناطق أخرى يسيطر عليها المقاتلون الأكراد لا سيما في مدينة منبج شرق عفرين، حسبما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول.
وفيما يتلقى المقاتلون الأكراد دعماً أميركياً واسعاً منذ بدء اعتماد واشنطن عليهم في قتال "داعش"، إلا أن ذلك الدعم لم يحظى به الأكراد أمام العملية العسكرية التركية، فلم يكن بمقدور واشنطن إيقافها، لا سيما مع تصاعد مخاوف تركيا التي ترى في سيطرة الميليشيات الكردية على الشريط الحدودي تهديداً لأمنها القومي، إذ تصفهم بأنهم "إرهابيون"، وتقول إنهم يستهدفون أراضيها من داخل مناطقهم في سوريا.
ويحلم الأكراد في وصل مناطق التي يسيطرو عليها من شمال شرق سوريا حتى مدينة عفرين الواقعة في الشمال الغربي، لكن ذلك يواجه بصعوبات كبيرة أبرزها ليس رفض تركيا فقط لسيطرتهم على الحدود، بل رفض نظام الأسد لذلك، كما أن واشنطن لم تستطع فعل شيء حيال عملية "غصن الزيتون" التي بدأتها تركيا يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2018، والمستمرة حتى اليوم السبت.
تصاعد الضغب التركي
وتطرقت صحيفة "الإيكونوميست" في تقرير لها، نشرته الخميس 25 يناير/ كانون الثاني 2018، إلى مدى قدرة الأكراد في الاحتفاظ بمناطقهم داخل سوريا، مشيرةً أنه عندما توغَّلَت الدبابات التركية في منطقة عفرين، مع بدء العملية يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري (انظر هنا)، وَجَدَ الأكراد أنفسهم يقاتلون على جبهتين، الأولى مع القوات التركية وقوات المعارضة السورية، والثانية مع "داعش" الذي عاد مؤخراً وشن هجمات ضدها بعدما هزمته في مواطن كثيرة.
وتصاعدت حدة غضب أنقرة، مع إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في العام 2016 المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد والمتاخمة للحدود التركية، منطقةً فيدرالية تُدعى "روج آفا".
وقال الحزب إن "تلك لم تكن خطوةً باتجاه الانفصال، بل نموذجاً لبقية سوريا". وكان نظام الأسد قد أعلن هو أيضاً رفضه لإقامة تلك الفدرالية للأكراد الذين يشكلون حوالي 10% من سُكَّان سوريا، وقد وطَّدوا قبضتهم على الشمال السوري مع بدء الاحتجاجات ضد النظام في العام 2011.
ونقلت "الإيكونوميست" عن شاهوز حسن، الرئيس المشترك لحزب "الاتحاد الديمقراطي" وصفه لـ"روج آفا" باعتبارها "تجربةً ديمقراطية"، وقال إنه تم "تمكين المرأة، وأنشئت لجان في القرى، استناداً إلى تعاليم موراي بوكشين، وهو فيلسوف أميركي ألهَمَت كتاباته الحركات الكردية في كلٍّ من سوريا وتركيا بشكلٍ كبير".
لكن منطقة "روج آفا" لا تتسم بالتعدُّدية، إذ يقمع حزب "الاتحاد الديمقراطي" منتقديه وغيرهم من الأحزاب الكردية.
ويسود شعور بالقلق لدى الأكراد من التطورات الجارية في سوريا، ويقول قادة الحزب إنهم "لن يسمحوا مرةً أخرى بأن تُحكَم روج آفا مباشرةً من دمشق". بعدما عانوا على مدار عقودٍ من الزمن في ظلِّ قمع بشَّار الأسد، ومن قبله والده حافظ الأسد، كتجريدهم من جنسيتهم، وحرمانهم من التملك، وحظر تعلم لغتهم، والسيطرة على أراضٍ تابعة لهم.
ولم يتسلَّل إلى المنطقة الغنية بالنفطِ والغاز إلا القليل من الاستثمار. وفي المقابل، كان النظام في دمشق يستنزف السهول الشمالية الخصبة لإطعام بقية البلد. ونتيجةً لذلك، صار الأكراد في فقرٍ مُدقِع، وفقاً لتقرير الصحيفة البريطانية.
مهمتهم صعبة
وبينما يُحاصَر حزب الاتحاد الديمقراطي بأعداءٍ مُحتَمَلين، ويظل في حاجةٍ إلى الدعم، فقد عَمَدَ تقريباً إلى مغازلة كل الأطراف المتقاتلة في سوريا، ويبقى داعمه الأقوى هو الولايات المتحدة، التي تنظر إلى جناحه المُسلَّح، وحدات "حماية الشعب" باعتبارها أكثر قوةً بريةً يمكن الاعتماد عليها ضد "داعش"، إلا أن أنقرة تنظر لتلك القوات على أنها إرهابية.
وقد منحت الولايات المتحدة أسلحةً وتدريباً لوحدات حماية الشعب، إضافةً إلى أنها نشرت 2000 جندي من قواتها في المنطقة. وبينما تخشى الولايات المتحدة عودة مقاتلي "داعش" وهيمنة إيران، فقد وَعَدَت بالبقاءِ في شمال شرقي سوريا حتى عقد اتفاقية سلام. ومن غير المُرجَّح أن يسمح حزب "الاتحاد الديمقراطي" للأتراك بأن يتوسَّعوا إلى ما هو أبعد من عفرين.
أما روسيا، التي تدعم الأسد، فربما بارَكَت العملية التركية، ولو فقط من أجل مكايدة الولايات المتحدة. في المقابل، قال حزب الاتحاد الديمقراطي إنه ربما لن يحضر مباحثات السلام التي ترعاها روسيا، نهاية يناير/كانون الثاني الجاري. ومع ذلك، قد ترى روسيا، والأسد، في الحزب حليفاً مُحتَمَلاً لهما، إذ كان الحزب قد وافَقَ على دعمٍ عسكريٍ روسي وحافظ على علاقته بالنظام.
ودعت السلطات الكردية في منطقة عفرين حكومة الأسد، الخميس 25 يناير/كانون الثاني 2018، إلى إرسال قوات لمساعدتها في صد الهجوم التركي، لتلجأ بذلك إلى الحكومة نفسها التي سعت من قبلُ لنيل الحكم الذاتي منها.
وقال البيان الذي نُشر بموقع إدارة عفرين على الإنترنت: "ندعو الدولة السورية للقيام بواجباتها السيادية تجاه عفرين وحماية حدودها مع تركيا من هجمات المحتل التركي، حيث لم تقم بواجبها حتى الآن على الرغم من الإعلان عنه بشكل رسمي، ونشر قواتها المسلحة السورية لتأمين حدود منطقة عفرين"، وفق تعبير البيان.
ويُنظَر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره أكثر براغماتية من غيره من جماعات المُتمرِّدين. وحين تراجَعَت قوات الأسد من بعض المناطق في الشمال، كانت حريصةً على تسليمها للحزب. وقالت "الإيكونوميست": يمكننا تصوُّر النظام والأكراد يؤيِّدون صفقةً تُبقِي على الأسد في السلطة وتمنح روج آفا حكماً ذاتياً".
وأضافت الصحيفة أن الأكراد ربما سيكون عليهم التنازل عن بعض مكاسبهم من أجل الإبقاء على معظم "روج آفا". وأشارت إلى أن أي صفقةٍ قد تستلزم أن تنضوي القوات الكردية في الجيش الوطني، وأن تعود حقول النفط التي سيطروا عليها إلى يد الحكومة المركزية، وأن يتخلُّوا كذلك عن الأراضي العربية الواقعة في قبضتهم.