في ساحة الثورة وسط مدينة عنابة (600 كم شرق العاصمة الجزائر)، وليس بعيداً عن الشواطئ التي ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيين نحو جزيرة سردينيا الإيطالية- يجلس الشباب يومياً بمقاعد تحاذي أكشاكاً تحمل لهم الأخبار يومياً عبر صفحات الجرائد.
في صباح 19 يناير/كانون الثاني 2018، عرضت الجرائد خبراً ليس كباقي الأخبار، طغى على حديث رواد ساحة الثورة، نشرته صحيفة "الخبر" الجزائرية، وتمحور حول فرص عمل بالآلاف فتحتها الحكومة الايطالية، لفائدة مواطني دول شمال إفريقيا، ومن ضمنها الجزائر.
30 ألف منصب عمل
مصدر الخبر تحدث -نقلاً عن وزارتي الخارجية والعمل الإيطاليتين- عن فتح أكثر من 30 ألف فرصة عمل، من بينها 18 ألف فرصة يمكن التماسها من مواطني شمال إفريقيا، وهو ما تم إقراره كمرسوم في الجريدة الرسمية الإيطالية.
المرسوم -وحسب "الخبر"- سيضبط تدفُّق اليد العاملة الأجنبية من خارج الاتحاد الأوروبي، وبإمكان الجزائريين التماس فرص عمل في إيطاليا كعمّال مساعدين وموسميين، من أصل 30 ألفاً و850 فرصة عمل مخصَّصة لليد العاملة الأجنبية من خارج الاتحاد الأوروبي.
الحكومة الإيطالية وفي المرسوم ذاته، خصصت 12 ألفاً و850 منصباً لمواطنين من 28 بلداً آخر، من بينها مالي والنيجر وصربيا وسيريلانكا وغانا وكوت ديفوار. وتمتد صلاحية هذا القرار على مدار عام 2018 فقط؛ إذ يتيح للعمال المستقدمين الدخول إلى إيطاليا كعمال ثانويين ومساعدين موسميين.
وبدأت الجهات المختصة في إيطاليا، استقبال ملفات الراغبين في العمل مع بداية السنة الجارية منذ يناير/كانون الثاني 2018.
قرار غريب
المحلل الاقتصادي الجزائري صالح سليماني، يعتبر القرار الصادر من الحكومة الايطالية "غريباً للغاية"، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد فيها إيطاليا أزمة، وتفشِّياً للبطالة، بعد اعتمادها بشكل واسع على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وقال سليماني لـ"عربي بوست"، إن الجنوب الإيطالي يشهد أزمة بطالة خانقة، مع انتشار أنواع كبيرة من الجرائم، و"قرارٌ مثل هذا جاء ليدهش الجميع".
وأضاف أن اعتماد الدولة على مؤسسات فردية صغيرة ومتوسطة "يجعلنا نشك في مصداقية القرار".
وأوضح أنه كان يكفي "فتح مناصب العمل المشار إليها، واستقطاب الأعداد الهائلة من العمالة القادمة من وراء البحر انطلاقا من شمال إأفريقيا، خاصة من ليبيا وتونس والجزائر".
والغريب -كما قال- هو أن "مناصب العمل المزمع فتحها، ستكون موسمية ومؤقتة، أي إنها ستكون حصرياً لعام 2018، وباعتبار إيطاليا هي بوابة الاتحاد الأوروبي، فالأكيد أن الوافدين للعمل سيبحثون عن وجهات أخرى بعد انتهاء تلك العقود".
وذكر أنه لا يخفى على أحد أن إيطاليا معروفة بظاهرة العنصرية، التي لا تترك أي وافد إليها يحس بالأمان والراحة، على حد وصفه.
الجزائريون والتونسيون الأكثر حظاً
ورغم أن المرسوم الإيطالي الجديد لم يحدد شروط التوظيف، ولا البلدان الأكثر استهدافاً لعمالتها، فإن متتبِّعين يرون أن الجزائريين والتونسيين سيكونون الأكثر حظاً في تلك الفرص.
ويعتبر سليماني أن المناخ المشترك والثقافات المتقاربة بين الإيطاليين وسكان شمال إفريقيا، وحتى قابلية حمل اللغة، خاصة من تونس والجزائر، كلها عوامل ستعطي نقاطاً إضافية للانضمام إلى سوق العمل الإيطالي.
ففي عنابة الجزائرية مثلاً، يقول سليماني، إن الشباب هناك يتقنون الإيطالية، وطريقهم نحو جزيرة سردينيا مفتوحة يومياً مع قوافل المهاجرين غير الشرعيين من الشباب، "لو قادتك زيارة إلى الجنوب الإيطالي لما فرَّقت بين أبناء البلد والوافدين من الجزائر وتونس".
ويضيف: "حتى وإن فُتحت المناصب للجنسيات الأخرى، فالظاهر أن توزيعها سيكون حسب الجنسيات، ما بين التجارة والصناعة والفلاحة، وقِطاع الإدارة، خاصة إن علِمنا أن إيطاليا هي سيدة العنصرية في أوروبا".
استقطاب العقول
الإعلامي الجزائري المتخصص بالشأن الاقتصادي عبد النور جحنين، يرى أن خطوة إيطاليا لفتح فرص عمالة جديدة برسم عام 2018، ما هي إلا خطة لاستقطاب العقول المهمة في بلدانها، لا سيما من شمال إفريقيا.
وقال جحنين لـ"عربي بوست"، إن السياسات الأوروبية لن تتغير ولو فتحت كل دول الاتحاد الأوروبي أبوابها لتشغيل كل الشباب الإفريقي، "هي تترصد الكفاءات المهمَّشة في بلدانها كعادتها؛ لاستغلالها جاهزةً بعد أن فشلت بلدانهم الأصلية في الاستثمار بالموارد البشرية".
وأضاف أن الدول الأوروبية، ومن ضمنها إيطاليا، ولاعتبارات تاريخية وماضٍ استعماري، تعلم ما يعانيه الشباب الإفريقي؛ لذلك تتحين الفرص لتشجيعه على الهجرة إلى الضفة الأخرى، بإعلان جملة من التسهيلات في كل مرة.
والخطة في نظره، لا تهدف إلى استقطاب العقول فحسب، فهي "تستقطب حتى رؤوس الأموال ورجال المال والأعمال"، مثلما حدث في إسبانيا بتخفيض أسعار العقار خلال الأزمة التي مرت ولا تزال تمر بها، وكذا الحال مع بعض الدول الأخرى؛ فإما تبحث عن يد عاملة رخيصة وإما تسعى إلى استغلال الطاقات القادمة من وراء البحر.
تقنين المهاجرين
الحكومة الإيطالية بقرارها الأخير، في نظر المحلل الاقتصادي صالح سليماني، "تهدف إلى توفير الجو القانوني للآلاف من المهاجرين الذين دخلوا البلد في السنوات الأخيرة، واحتوائهم بطريقة شرعية".
واستبعد المتحدث أن تلجأ إيطاليا إلى جلب العمالة من بلدان شمال إفريقيا، وهي تدري أن الولايات الجنوبية لها مكتظة بالمهاجرين ومن مختلف الكفاءات، التخصصات والمستويات العلمية.
والخطوة المقبلة -كما يتوقعها سليماني- "ستكون بتسوية وثائق عدد كبير من المهاجرين، من خلال ضمهم إلى سوق العمل؛ ومن ثم تجنيب الدولة فوضى المهاجرين بالجنوب، وإيجاد صيغة قانونية لاحتوائهم والاستفادة من خبراتهم".
كما ربط ما قامت به الحكومة الإيطالية بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وما يحتاجه ذلك من تبييض لصورة إيطاليا، أوروبياً وعالمياً.
القرار سيُغرِق أوروبا
القرار الإيطالي الأخير، يعتبره المحلل الاقتصادي الجزائري صالح سليماني ضوءاً أخضر لانطلاق قوافل بالآلاف نحو هذا البلد؛ ومن ثم إلى البلدان الأوروبية المجاورة.
السبب الأول لهجرة الشباب من شمال ووسط إفريقيا باتجاه الدول الأوروبية، متحدِّين أهوال البحر -في نظر سليماني- "كان للبحث عن فرص عمل وتحسين مستوى معيشة عائلاتهم الفقيرة؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في بلدانهم".
وأوروبا التي عانت في السنوات الأخيرة، هاجس الهجرة غير الشرعية للأفارقة انطلاقاً من سواحل ليبيا، وتونس والجزائر وحتى المغرب -يضيف المتحدث- "ستستقبل أعداداً إضافية مع هذا القرار الإيطالي بفتح مناصب عمل جديدة".
وهو ما ذهب إليه الإعلامي عبد النور جحنين، الذي تنبَّأ "بموجة هجرة غير شرعية رهيبة انطلاقاً من سواحل ليبيا وتونس والجزائر نحو إيطاليا بحثاً عن حلم التوظيف الموعود".
والحكومات في هذه البلدان -يضيف جحنين- "ستبقى تؤدي دور المتفرج فيما يحدث بالمتوسط، كما كان المشهد في السنوات الأخيرة، لمَّا عجزت عن صدِّ التدفق الكبير للمهاجرين نحو أوروبا".