كانت المظاهرات لا تزال في يومها الأول بمدينة مشهد في إيران ولم تصل بعدُ إلى العاصمة طهران. لكن رغم هذا، فوجئ المارة في شارع "انقلاب" (الثورة)، أكبر وأشهر الشوارع في العاصمة، بفتاة تقف على أحد صناديق توليد الكهرباء، مرتديةً بنطالاً وسترة قصيرة وتحمل عصا خشبية في آخرها حجابها الأبيض، تاركةً شعرها منسدلاً.
ظلت الفتاة واقفةً تلوِّح بالحجاب قرابة نصف الساعة دون أن تنطق بأي كلمة. احتشد الناس حولها، وبمجرد نزولها من على ذلك الصندوق، ظهرت قوات الأمن لاعتقالها، ولم يعرف أحدٌ عنها شيئاً منذ ذلك الحين.
انشغل الإيرانيون بالمظاهرات التي اجتاحت البلاد ولم يلتفت أحد إلى أمر تلك الفتاة المجهولة. انتشرت لاحقاً أخبار تفيد بأن الشرطة أطلقت سراحها بعد إيقافها بفترة قصيرة. لكن الأمر لم يمر بسلام، فعادت الشرطة لاعتقالها مرة أخرى منذ عدة أيام؛ وهو ما أدى إلى انطلاق حملات على الشبكات الاجتماعية تطالب بمعرفة من هي تلك الفتاة؟ وما هو مصيرها الآن؟
People in #Iran are asking for the whereabouts of the woman who took off her #hijab to protest the mandatory Islamic dress code using the hashtags #دختر_خیابان_انقلاب_کجاست and #Where_Is_She
She was reportedly arrested shortly after. #IranProtestspic.twitter.com/G6oKHIPA68— Armin Navabi (@ArminNavabi) January 18, 2018
انتشر على تويتر هاشتاغ بالفارسية "دختر_خيابان_انقلاب_كجاست؟"، بمعنى "أين فتاة شارع الثورة؟"، وشهد تجاوباً كبيراً بين الإيرانيين الراغبين في معرفة مصير تلك الفتاة.
وعندما يئس المشاركون في الهاشتاغ ولم يجدِ نفعاً، بدأوا في التدوين بهاشتاغ باللغة الإنكليزية؛ كي يلفتوا أنظار الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية الدولية إلى تلك الواقعة، تحت عنوان "where_is_she". ويبدو أن الأمر أجدى نفعاً، فأصدرت منظمة العفو الدولية بياناً تدين فيه السلطات الإيرانية لاعتقال الفتاة، وتطالب بالإفراج عنها.
No one knows , what happened to the girl , who made a flag from her-own scarf, in Enghelab Street in Tehran! Her action was a peaceful "No" to mandatory Hijab!
She is symbol of courage to us ! #where_is_she #WhereIsShe #WhiteWednesdays #دختر_خیابان_انقلاب_کجاست pic.twitter.com/ZMQxRUaCZb— Nahid Seif (@NahidSeif) January 17, 2018
يقول محامٍ حقوقي إيراني، رفض الكشف عن هويته، لـ"عربي بوست"، إنه ذهب إلى قسم الشرطة التابع للمنطقة التي اعتُقلت منها الفتاة، لكن قوات الأمن رفضت إعطاءه أي معلومات عنها أو عن مكان احتجازها.
واكتفت الشرطة بقولها إن الفتاة حُولت إلى مركز احتجاز قريب من المنطقة.
"استطعت بطريقة ما، الوصول إلى أسرة الفتاة، لكنهم رفضوا التحدث عن أي شيء؛ خشية الملاحقة الأمنية، واكتفوا بالقول إنهم كَلفوا محامياً للفتاة وأنهم عرفوا مكان احتجازها، لكنهم رفضوا الإفصاح عنه"، هذا ما رواه المحامي الحقوقي.
وأكد أن الفتاة معرَّضة لعقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامة مالية كبيرة، وفقاً لقانون العقوبات الإيراني.
انتشرت بعد ذلك معلومات قليلة عن تلك الفتاة على لسان المحامية الحقوقية الإيرانية "نسرين ستوده"، منها أنها تبلغ من العمر 31 عاماً، وهي متزوجة ولديها طفل أكمل عامه الأول، وأن اسمها "فيدا موفاهيد".
كل تلك الضجة حول "فيدا موفاهيد"، لم تحرك المسؤولين الإيرانيين، ولم يخرج أي بيان رسمي عن تلك الفتاة ولا ظروف اعتقالها، مما جعل الإيرانيين على الشبكات الاجتماعية يسخرون من السلطات، وخاصةً وزير الخارجية، جواد ظريف، الذي كان قد كتب تغريدة في أثناء اندلاع المظاهرات، يقول فيها: "إن من حق الشعب الإيراني الاحتجاج والتظاهر من أجل المطالبة بحقوقه".
يُذكر أن الحجاب فُرض بشكل إجباري على النساء في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، عكس أيام الشاه، الذي كان قد منع الحجاب في الوظائف الحكومية والمدارس. وما بين الشاه والمرشد، تعاني النساء الإيرانيات من أجل التمتع بحريتهن، سواء بارتداء الحجاب أو عدمه.
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت عدة حركات نسائية بإيران تتمرد على الحجاب الإجباري، كان أشهرها صفحة "حريتي المسروقة" على فيسبوك والتي تقودها صحفية إيرانية تسمى "مسيح ألينجاد" تعيش في الخارج، وتقوم بنشر صور ومقاطع مصورة لنساء من دون حجاب في شوارع وأماكن عامة بضع دقائق، في تحدٍّ صريح لفرض الحجاب عليهن، تلك الحركة لقيت رواجاً كبيراً بين النساء في إيران.
والسلطات بإيران دائماً ما تعيش في صراع مع النساء حول الحجاب؛ إذ تجوب سيارات شرطة الأخلاق الشوارع ليلاً ونهاراً؛ لمراقبة حجاب وملابس النساء. ومن تُعتقل بتهمة "سوء الحجاب"، يتم احتجازها في مركز الشرطة، والاتصال بولي أمرها، ودفعها غرامة مالية تتراوح ما بين 100 و150 دولاراً.
وإذا تم اعتقالها أكثر من 3 مرات، تعاقَب بالسجن 6 أشهر.
ولا يزال الإيرانيون في انتظار مصير "فتاة الحجاب"، خصوصاً أنه لا أحد يعلم لماذا جرى الإفراج عنها في المرة الأولى، وسبب إعادة اعتقالها من جديد الآن!