حقنة الكاش ستذهب هباءً.. الرياض ضخَّت أموالاً إلى اليمن لكن الاقتصاد لم يتعافَ بعد والمواطنون لم يروا أثراً

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/26 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/26 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش

الأسبوع الماضي ضخت المملكة العربية السعودية مبلغ ملياري دولار في بنك اليمن المركزي لإنقاذ الريال وتخفيف غلاء الأسعار، لكن المواطنين اليمنيين العاديين لم يروا أي تغيير

يقف عبد السلام فيصل خارج مدرسة في تعز يبيع الشطائر والمشروبات للطلبة كي يجني ألف ريال في اليوم يطعم بها عائلته. ما يجنيه من رزق يراوح مكانه دون تحسن منذ سنوات، لكن أسعار الغذاء في اليمن الذي مزقته الحرب قد تضاعفت، وما عاد بإمكانه تغطية تكاليف الحياة.

هو في الـ39 من العمر، غير متعلم ولا يفقه شيئاً في علم الاقتصاد؛ لكنه يعلم أن كل شيء بات أغلى ثمناً وأن ما يجنيه لا قيمة له تقريباً، وأنه حتى رغم وعود المملكة العربية السعودية بإنقاذ اقتصاد البلاد فإن نهاية هذا الوضع بالنسبة لعائلته لا تلوح قريبة في الأفق.

يقول فيصل لموقع ميدل إيست آي البريطاني: "عام 2015 كنت أشتري 25 كيلوغراماً من الطحين بمبلغ 2600 ريالاً، أما اليوم فيكلف أكثر من 5 آلاف".

ويتابع: "لا أستطيع الإنفاق على عائلتي. أعرف الكثير من الآخرين الذين لا يقدرون على شراء الطعام ولا مصدر دخل لهم بعدما خسر معيلوهم وظائفهم. هم فقط يدعون الله أن يساعدهم".

3 سنوات من الحرب دمََّرَت اقتصاد وعملة اليمن. ملايين الوظائف خسرها أصحابها أو لم يتلقوا أتعابها، وكل شيء بات أغلى سعراً، فضلاً عن الهبوط الشديد الذي شهده الريال اليمني أمام الدولار الأميركي، ما جعل أسعار الواردات في هذه الدولة المُهدَّدة بالمجاعة باهظة الغلاء.

لكن الأزمة بلغت الأربعاء، 24 يناير/كانون الثاني 2018 حداً لا بد له من حل، إذ هبط الريال اليمني إلى 520 أمام الدولار بعدما كانت أسعاره قبل الحرب حوالي 215.

الرياض وفت بوعدها وضخت ملياري دولار في مصرف عدن المركزي لدعم العملة وسط تحذيرات من كارثةٍ وشيكة.

لكن يبدو أن الخطوة فشلت، ففي حين أن الريال استعاد عافيته شيئاً ما وصعد إلى الـ400 أمام الدولار الواحد إلا أنه سرعان ما تهالك من جديد وثبت عند 450 الخميس هذا الأسبوع.

لا أثر تبع على أسعار المواد الغذائية


أسعار الغذاء ظلت على غلائها المعهود، فحقنة الكاش السعودي لم تصل الشارع اليمني، ولا يزال التجار غير قادرين على شراء الدولار من أجل الاستيراد، بل وينبغي عليهم الدفع بأسعار السوق السوداء المتضخمة بغية الحصول على القطع الأجنبي.

وقد تحدَّث تاجر الغذاء في تعز، يوسف الأغبري، إلى موقع ميدل إيست آي قائلاً إن سعر السوق السوداء للدولار الواحد لا يزال يحوم حول 500 ريال، وقال "ترفض البنوك بيعنا الدولار لأنهم لا يزالون لا يملكون ما يكفي؛ ولا تزال السوق السوداء هي المتحكمة بالوضع، وسعره 500 ريال، ما يعني أن أسعار الغذاء تظل على غلائها المعهود من قبل."

أما المسؤولون في حكومة اليمن المدعومة سعودياً فقد أعلنوا أن حقنة الكاش جاءت برداً وسلاماً على البلاد، فقال رئيس وزراء اليمن أحمد عبيد بن داغر "إن كان هناك من مصالح مشتركة بين التحالفات فإنقاذ الريال هو أولها، فإنقاذ الريال معناه إنقاذ اليمنيين من جوع محتم."

أما الرئيس عبد ربه هادي فأرسل رسالة شكر للملك السعودي سلمان رغم أن مناشداته له بتقديم الكاش تعود بداياتها إلى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

لكن سرعان ما اتضح أن هذا لا يكفي.

فقد قال لميدل إيست آي مصدرٌ بالحكومة اليمنية إن خطوة الأسبوع الماضي جاءت بعد مناشدات عاجلة "لكن هذا لا يكفي لحل الانهيار فنحن بحاجة لدول أخرى كي تساعدنا."

ويظل ملايين اليمنيين معتمدين على التبرعات والمساعدات الإنسانية الإغاثية، وتشير آخر تقديرات الأمم المتحدة أن 20.7 مليون نسمة هم في حالة عوز وأن نصف الحالات تصنف بأنها "حادة".

وفقاً للتقديرات فإن 17 مليون نسمة – أي 60% من الشعب اليمني – يعانون "نقص الأمن الغذائي" فيما لا يدري 7 ملايين نسمة كيف يحصلون على وجبة لقمة عيشهم التالية.

ما يزيد أزمة النقد اليمنية تعقيداً هو وجود بنكين مركزيين، أحدهما في عدن الخاضعة لسلطة الرئيس هادي، والآخر في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.

فقرار عدن بتعويم الريال شهر أغسطس/آب بغية مساواة الأسعار الرسمية بسعر السوق السوداء لم يُتبع بقرارٍ مُماثِلٍ من صنعاء.

ثم إنه لا كمية من أموال الرياض المجانية تحل قلب الأزمة؛ ألا وهي الحرب بين التحالف السعودي والحوثيين التي دمَّرَت الاقتصاد اليمني أنقاضاً، فالنفط والغاز كانا قبل الحرب يُشكِّلان 80% من صادرات اليمن، أما منذ اشتعلت الحرب فقد توقَّفَت الكثير من حقول النفط والغاز نظراً لوقوعها في مناطق حرب، ما يعني أن الانتاج شَحَّ وتضاءَلَ إلى درجةٍ باتت البلاد معها تستورد الوقود.

حساب التكلفة


إن استمرت الحرب فستستمر معها الأزمة، وكثيرٌ من اليمنيين يلقون باللائمة كلياً على المملكة العربية السعودية. منهم نايف الأسودي، سائق حافلة في تعز. يقول لموقع ميدل إيست آي: "لم تأت حرب التحالف السعودي على الحوثيين بأي خير. الحرب لطخت البلاد والأزمة الاقتصادية ما هي إلا أثر واحد من آثار الحرب. لقد كان التحالف السعودي جزءاً من الأزمة الاقتصادية في اليمن وعليهم أن يكونوا جزءاً من الحل. عليهم دعم الريال حتى نستطيع أن نعود إلى ما كنا عليه عام 2014".

ويرى الأسودي مثل الكثيرين غيره من اليمنيين أن الذنب ذنب السعودية في حرب اليمن وأنها مسؤولةٌ عن مقتل الآلاف، ولذا يرى أن عليها مساعدة اليمنيين.

ويتابع قائلاً: "إن خرج السعوديون من اليمن فسيتوقَّف القتل وستهبط الأسعار. لقد أخطأت السعودية بحق اليمن".

أما أنصار الحوثيين فيقولون إن أموال الكاش السعودية لم تأت لمساعدة اليمن، بل مُنِحَت لتشتيت الأنظار وامتصاص الغضب الموجه ضد السعودية.

ويتفق محمد الديلمي، وهو مُحلِّل سياسي، في آرائه مع الحركة الحوثية، إذ يقول: "لم يُؤثِّر الإيداع في أسعار الغذاء، فلا تزال السلع على غلائها لأن التجار لا يزالون يشترون الدولار من السوق السوداء. ببساطة الأموال المودعة صارت في يد هادي وحكومته الفاسدة ولم تصل قط إلى البنوك المحلية".

الصدمة الطويلة الحادة


يقول أحمد سعيد، وهو مُحلِّلٌ اقتصادي يعمل في البنك المركزي اليمني بصنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إن آمال اليمن الاقتصادية لن تتحسَّن إلى أن يتمكَّن اليمن من جديد من التصدير.

قد يساعد الإيداع النقدي السعودي في رفع قيمة الريال قليلاً، لكن "مشكلة عدم دفع رواتب المدرسين وخسارة الريال لقيمته مردها إلى قلة الصادرات".

بالعودة إلى تعز، لا يرى فيصل أي تغيير في الشارع، بل إنه يتوقع للأسعار أن ترتفع أكثر.

يقول: "سمعت أن الأسعار هبطت بعدما منح السعوديون أموالاً نقدية لليمن، لكنني لم أجد دليلاً على ذلك عندما ذهبت إلى السوق. لقد استمرت الأسعار خلال السنوات الثلاث الأخيرة بالارتفاع، وأخشى أنني في يوم ما لن أتمكن من شراء الطعام لعائلتي".

وختم قائلاً: "ما من شيءٍ رخيص في اليمن، وعلينا أن ندعو الله ليساعدنا لأن حكومتنا لا تكترث بنا".

تحميل المزيد