كانت الكثير من الآمال تملأ عقل عبد الرحمن عثمان، (32 عاماً)، كلما سافر من مدينته بشمال الصعيد إلى القاهرة لينضم إلى المعتصمين في ميدان التحرير، حيث كان رفاقه قد ثاروا ضد الرئيس الأسبق مبارك خلال نهاية يناير/كانون الثاني 2011.
3 ساعات، هي المدة التي كان يقضيها عبد الرحمن ليقطع 200 كيلومتر، هي المسافة بين المدينة التي يقطن بها بإحدى المحافظات في صعيد مصر وميدان التحرير. لكن هذه الساعات كانت تمر بطيئة، في ظل شوقه إلى الوصول والمشاركة، وحذراً من تعرضه لأذى البلطجية الذين انتشروا في الشوارع بعد حدوث انفلات أمني وإطلاق سراح المساجين في ذلك الوقت.
تحقق حلم الشاب، ورحل الرئيس، لكن ما حدث خلال السنوات الـ7 التالية لم يكن يخطر على باله. والآن وعلى بُعد شهرين من انتخابات رئاسية جديدة، لا تنتشر سوى صور الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، في الشوارع؛ استعداداً لخوضه الانتخابات. يتذكر عبد الرحمن ما حدث عام 2011، ويتساءل بنبرة متعجبة: "لقد كانت أياماً جميلة، كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟!".
لم يكن لدى الشاب رؤية واضحة لما سيحدث بعد خلع مبارك، يقول: "كلنا كان لدينا هدف واحد؛ هو رحيله فقط.. بعد ذلك، لم يكن لدينا أي تصوُّر عن شكل النظام، وإن كانت أمنيتي أن تكون هناك حياة سياسية وأحزاب قوية، وحرية تعبير".
لا عيش ولا حرية.. كيف حدث ذلك؟!
كان عبد الرحمن يؤمن بما قاله والد أحد أصدقائه "إذا كنا نبحث لكم قبل ذلك عن واسطة لتتمكنوا من العمل، فالمستقبل لكم الآن وللمجتهدين، ومن لم يجتهد فلن يكون له مستقبل، هذه علامة انتصار العدالة الاجتماعية والحرية وما كنا نحلم به"، لكن أياً من تلك الآمال لم يتحقق حتى الآن. في وجهة نظر عبد الرحمن، فالهتافات التي كانت ترتفع من حوله وتلخص أهداف المجتمعين "عيش حرية عدالة اجتماعية" لم يتحقق منها الآن أي شيء.
في الأعوام الخمسة التالية للثورة، بدأت الأحوال المادية لعبد الرحمن في التدهور؛ إذ توقف راتبه عن الزيادة، بعدما أقرت الحكومة قانون الخدمة المدنية، الذي ثبَّت المرتبات الحكومية عند معدلات عام 2015.
قبل ذلك العام، زاد راتبه من الجهة الحكومية التي يعمل بها محاسباً بنسبة 100% تقريباً، مقسمة على عدة سنوات. ووصل إلى 5 آلاف جنيه، بعد أن كان يتقاضي نصف هذا الرقم. رغم هذا، هو يشتكي: "البعض قد يرى الرقم كبيراً، لكن قيمته الشرائية لا تساوي شيئاً. وضعى الآن تغيَّر، تزوجت وصار لديَّ بيت مستقلٌّ وطفلة. بالإضافة إلى الضرائب التي تفرض من وقت لآخر جعلت الأسعار تزيد بمعدل الضعفين".
كثيراً ما يسمع عبد الرحمن مطالبات بالصبر على الأوضاع الاقتصادية، ويكون ردُّه دائماً: "لو كان الأمر كذلك، فيجب أن تكون على الكل"، هو يقصد على القضاة والعسكريين وأصحاب رؤوس الأموال. ويتساءل: "لماذا يزيد دخل العسكريين والقضاء كل عام، ولا تطبَّق الضرائب على المضاربين بالبورصة، وفي الوقت نفسه تطبق ضرائب متعددة على الفقراء وباقي الطبقات؟!". بهذه الطريقة، فالعدالة الاجتماعية مفقودة، والكل يجب أن يشارك في ذلك التحمل، حسب رأيه.
يُعرف عن عبد الرحمن تعبيره الدائم عن الاعتراض على الوضعَين السياسي والاقتصادي، وهو ما كاد يكلفه وظيفته. يقول: "التهديد المباشر حصل عندما قدم بعض المسؤولين كشوفاً بأسماء من قالوا إنهم من جماعة الإخوان المسلمين، وقدموها للوزارة التي يتبع لها عملي. كنت أنا واحداً من هذه الأسماء". عبد الرحمن يصف نفسه من المعارضين لأنظمة الحكم المتعاقبة ومن ضمنها حكم جماعة الإخوان، فكيف يُتهم بالانتماء إليهم؟!
ما زال عبد الرحمن يتردَّد بين مدينته والقاهرة، حيث مقر عمله الذي يذهب له بشكل أسبوعي. وعندما التقى أحد أصدقائه ذات يوم، راح يحذره من كثرة تعبيره عن ضجره من الوضع. في تلك المرة، كان صديق يلحُّ عليه؛ خوفاً من أن يتعرض للقبض عليه والاختفاء القسري. ويستمع عبد الرحمن لهذه الطلبات بحيرة، من ناحية لا يريد أن يعيش خائفاً من أن يعبر عن رأيه، ومن ناحية أخرى يحاول طمأنة مَن حوله على سلامته.
في حملته الانتخابية عام 2014، وعد السيسي بجلب الاستقرار والازدهار الاقتصادي للمصريين. في حين شهدت السنوات التي تلت ذلك قمعاً مطرداً، وأحياناً دموياً، لأي نوع من المعارضة. تقلص نشاط المجتمع المدني بشكل خطير، بينما وُصفت مصر بأنها "واحدة من أكبر سجون العالم بالنسبة للصحفيين"، من قِبل المجموعة المدافعة عن حرية الصحافة، التي تُدعى "مراسلون بلا حدود".
ولكن الآن، بعد 4 أعوام من الحكم، بعد 4 أعوام من عدم الاستقرار الاقتصادي المتفاقم وزيادة العنف الجهادي- نادراً ما تُسمع تلك الأغاني التي أُلِّفت وعُزفت لحشد التأييد له، وفقاً لما ذكره تقرير لصحيفة الغارديان.
على صعيدٍ آخر، قبلت الحكومة المصرية قرضاً طارئاً من صندوق النقد الدولي أواخر عام 2016؛ للخروج من الأزمة الاقتصادية العميقة، وهو القرض الذي جلب مهلة إضافية للاقتصاد، لكنه ساهم أيضاً في ارتفاع تكلفة المعيشة بشكلٍ صاروخي على المواطنين المصريين العاديين، كما تشير الصحيفة نفسها.
السيسي يترشح وحيداً
وقبل بضعة أيام من الذكرى السابعة للثورة، أعلن السيسي أنه سيترشح لولاية ثانية، بعد مؤتمر استمر 3 أيام تحت عنوان "حكاية وطن" للترويج لإنجازاته. استحوذ السيسي على السلطة بعد انقلاب عسكري في عام 2013 و"حملة تأليه شخصية عنيفة"، حسب وصف "الغارديان"، وصلت إلى حد تزيين علب الشوكولاتة وحتى ملابس النساء الداخلية بصورته، قبل أن يفوز في انتخابات عام 2014 بنسبة بلغت 97%.
تتدلى الملصقات الضخمة للرئيس عبد الفتاح السيسي على إحدى الغرف الفارغة داخل مقر حملة الرئيس المصري لولاية ثانية. ورغم أن الانتخابات الرئاسية المصرية على بُعد شهرين، فإن الشقة المكونة من 5 غرف والتي هي بمثابة المحور المحرِّك للحملة تقف صامتةً، باستثناء ضجيج حركة المرور في الشارع الخارجي، الذي يمثل شرياناً رئيسياً من اتجاهين، يقود مباشرة إلى ميدان التحرير في القاهرة.
خلال زيارة لمقر الحملة الأسبوع الماضى، عثرت صحيفة الغارديان على موظف واحد يجلس بجانب مجموعة كبيرة من الالتماسات غير الموقَّعة. تتدلى الملصقات الضخمة للرئيس عبد الفتاح السيسي على إحدى الغرف الفارغة داخل مقر حملة الرئيس المصري لولاية ثانية.
بعض الشباب الثوري تغيرت أفكاره بعض الشيء، وبعد أن كان يعتقد أنه لن يشارك في انتخابات أو عملية سياسية من جديد، بدأ إيمانه بضرورة المصالحة، وأي عملية يمكن أن تعيد فتح مساحة للعمل السياسي.
تطورت هذه الأفكار حتى اقتنع هؤلاء في الأسابيع الأخيرة بضرورة تأييد ترشُّح المحامي خالد علي لانتخابات الرئاسة ومنافسة السيسي. يقول: "الانفراجة السياسية والافراج عن أصحابي وإعادة الحياة السياسية، هي التىي ستمكِّننا من استعادة مسار الحرية، لكن التحجر في المواقف أو عدم وجود خطة للتخلص من الوضع القائم هو ما يضايقني الآن أكثر من عدم التصالح مع النظام".
لكن هذه الأحلام سرعان ما تداعت سريعاً عندما أعلن خالد علي تراجعه عن الترشح للانتخابات.
وفي يوم الثلاثاء 23 يناير/كانون الثاني، اعتُقل رئيس أركان الجيش المصري السابق، الفريق سامي عنان، الذي يعتبر واحداً من المنافسين الخطيرين القلائل على كرسي الرئاسة، بعد إعلانه عزمه على الترشح.
فيما أعلن أنور السادات، ابن شقيق الرئيس المصري السابق، أنه لن يترشح للرئاسة، الأسبوع الماضي، قائلاً إن المناخ القائم "يلغي إمكانية التنافس الشريف". وانتقد حملة "عشان نبنيها"؛ لجمعها التوقيعات من الموظفين الحكوميين قبل بداية عملية الترشح، وهو الأمر الذي ينتهك قواعد العملية الانتخابية، على حد قوله.
وأشار كل من السادات والمحامي اليساري خالد، كلاهما، إلى حملة تحرش ممنهجة تسهتدف أنصارهما، وهو ما يُعد خرقاً لقواعد الانتخابات. ومن غير المرجح أن يتمكن خالد علي من الترشح؛ بسبب قضية مثارة ضده في المحكمة. وقد تلقى السيسي مؤخراً تأييداً من أكثر من 500 عضو من أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 569، حتى قبل أن يعلن رسمياً نيته الترشح لفترة رئاسية ثانية.
لكن على الجانب الآخر، لا يهتم عبد الرحمن، الذي شارك بقوة في انتخابات الرئاسية عام 2012، وانتخابات البرلمان عام 2011، بالانتخابات هذه المرة، "نحن نعرف النتيجة مسبقاً، وأن مصر قد أٌغلقت كل مسالك التغيير فيها".