التقى قادة القوى المدنية ولم ينسق مع أجهزة سيادية.. تفاصيل جديدة في رحلة إبعاد عنان عن حلم الرئاسة

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/25 الساعة 06:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/25 الساعة 06:29 بتوقيت غرينتش

في الثانية صباحاً من فجر السبت، 20 يناير/كانون الثاني، كانت مباحثات الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية السابق، قد بلغت ذروتها، واضعاً كل الاحتمالات في حسبانه، متخذاً قراره النهائي باعتزام الترشح لانتخابات الرئاسة 2018، التي من المقرر عقدها في مارس/آذار.

خلع زيه العسكري، ومن مقر مكتبه جلس يلقي بياناً جريئاً، ينتقد فيه المؤسسة العسكرية، ويعلن نفسه منافساً في السباق الرئاسي، ويترفع عن ذكر اسم منافسه الأبرز وهو الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، معتبراً إياه مجرد "مرشح محتمل". وبدأت التساؤلات منذ اللحظة الأولى عما وراء البيان من تحالفات ورسائل صريحة وخفية.

وظهر الرجل منتشياً، تظهر عليه علامات الثقة والقوة، وظنَّ الجميع أننا أمام معركة انتخابية قوية، وإمكانية تغييرات في المشهد السياسي بمصر، إلا أنه لم تمر سوى 72 ساعة فقط، حتى كانت لحظة السقوط الكبير لعنان، من مرشح محتمل إلى متهم أمام النيابة العسكرية، ليتحول في نظر أسرته إلى "مختفٍ قسري".

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي أخطأ فيه الفريق سامي عنان؟ وما المحطات التي أدت لسقوطه؟

إقصاء الشخصيات العسكرية من حملته


قبل 24 ساعة من بيان القوات المسلحة، الصادر ظهر الثلاثاء 23 يناير/كانون الثاني، ومن داخل مكتب الفريق سامي عنان، كان هناك لقاء لمراسل "عربي بوست" مع الدكتور حازم حسني، المتحدث باسم الفريق سامي عنان، وأثناء الحديث عن تشكيل حملة الفريق كانت المفاجأة بقوله إن الفريق رفض بشدة وجود شخصيات عسكرية داخل حملته للانتخابات الرئاسية.

وقال حسني، إن الفريق بأكمله مدني، والفريق عنان فقط هو العسكري الوحيد "رفض كافة مطالبنا بأن تكون هناك شخصيات ذات خلفية عسكرية، وكنت أنا من اقترح هذا الأمر، ولكنه قال إن مثل هذا التصرف قد يعطي انطباعاً أننا نسير في نفس الطريق القديم، وأنا في غنى عن ذلك".

الترشح دون التشاور مع الأجهزة السيادية


وقالت إحدى قيادات الحملة في تصريح خاص بـ"عربي بوست"، إن اللافت للنظر أنه رغم علم عنان بقوة سيطرة الجيش المصري على مقاليد الحكم بمصر، إلا أنه رفض التواصل مع قيادات الجيش بتشكيلها الحالي "واتخذ قرار الترشح دون الحصول على طمأنة الجيش".

القيادي الذي رفض التصريح باسمه، قال إن عنان اتخذ قرار الترشح بنفسه، ورفض الحصول على وعد من المؤسسة العسكرية للوقوف على الحياد بالعملية الانتخابية، وهو الأمر الذي كان واضحاً ببيان إعلان نيته الترشح ومطالبته بوقوف مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش المصري على الحياد من العملية الانتخابية.

واللافت للنظر أن المتحدث باسم الحملة قد عبّر عن مخاوفه من تعرض عنان لمحاكمة عسكرية قبل 24 ساعة فقط من صدور بيان الجيش، وعند حديثه من داخل مكتب عنان عن فرضية عدم موافقة الجيش على إعطاء عنان الإذن بالترشح، قال "وارد بشدة أن يحدث ذلك، وحينها سيكون قد انحاز الجيش لمرشح بعينه، وهذا ليس علامة خير، وربما يتسبب في حدوث انقسامات داخلية، وأنه في حالة سخط الجيش قد يخضع عنان للمحاكمة العسكرية".

لقاءات القوى السياسية بمكتبه تثير المخاوف


ربما لم يكن استبعاد الشخصيات العسكرية من حملته، أو رفضه التواصل مع المؤسسة العسكرية هي فقط الأخطاء التي أسهمت بسقوط عنان سريعاً، لكن أيضاً كان هناك مشهد تواجد قيادات من القوى السياسية داخل مكتب عنان للالتقاء معها، التي كانت تحت منظار الأجهزة الأمنية التي تراقب المكان بشكل دائم، وفقاً لما ذكره المتحدث باسم الحملة في حديثه مع "عربي بوست".

فتحت أضواء ما تبقَّى من خيوط ضوء النهار، يوم 22 يناير/كانون الثاني، جلس أحد قيادات حزب الوفد وبجواره نائب سابق محسوب على قوى المعارضة منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وكان بجوارهم قيادات من جبهة الإنقاذ التي تشكلت للإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وعدد آخر من القيادات السياسية.

وحين سؤال الدكتور حازم حسني على المشهد، قال "الوفود لا تنقطع من كافة التيارات من القوى السياسية لزيارة عنان والتشاور معه".

رسائل الإخوان وتصريحات حازم حسني تثير المخاوف من قوة عنان


ووفقاً لتحليلات المراقبين، فإنه لا يمكن إغفال دور الإخوان المسلمين في التسريع بسقوط عنان، والمساهمة في اتخاذ السيسي قرار الإطاحة به سريعاً، وذلك حينما نشرت وسائل الإعلام عن يوسف ندا، أحد القيادات المحسوبين على جماعة الإخوان، رسالته التي تتضمن وعوداً من جماعة الإخوان المسلمين بدعم الفريق عنان في انتخابات الرئاسة، مقابل التزامه بـ"6 شروط على رأسها الإفراج عن المعتقلين السياسيين".

يذكر أنه بعد ساعات قليلة من تلك الرسائل، خرج حازم حسني المتحدث باسم الحملة في عدة وسائل إعلامية بتصريحات تتجاوب مع تلك الشروط بشكل غير مباشر، ورغم نفيه القاطع التعامل مع أي كيان غير شرعي، إلا أنه أكد أن الفريق عنان يسعى لتقبل التعددية والاختلاف في المجتمع، ولا خصومات سياسية مع أحد، وأن برنامج الفريق يتضمن مراجعة ملفات جميع المعتقلين، بما فيهم الرئيس المعزول محمد مرسي، قائلاً "مرسي إذا لم يثبت أنه ارتكب جرماً يتم الإفراج عنه".

تشكيك في نزاهة الانتخابات


ورأى المتابعون، أن التشكيك المبكر في العملية الانتخابية أسهم بقوة في اتخاذ قرار الإطاحة بعنان، وهي التصريحات التي جاءت على لسان المتحدث باسم حملة عنان قائلاً: "العملية الانتخابية لن تكون نزيهة، ونحن نعلم هذا تماماً، بل يمكن القول إنها بالفعل غير نزيهة من الآن، ومن قبل بداية السباق الانتخابي من الأساس".

وتساءل "أين أعلن السيسي ترشحه؟ في قاعة مؤتمرات حاشدة، من خلال مؤتمر استمر 3 أيام يتم نقله على كل وسائل الإعلام، وفي المقابل أعلن الفريق عنان ترشحه من غرفة مكتبه".

وعدَّد حسني دلائل عدم النزاهة، ومنها القبض على بعض الأفراد أثناء محاولتهم الحصول على التوكيلات، لكن لم تتخط فترة احتجازهم 24 ساعة لتعد بمثابة "قرصة ودن".

وذكر أن الحملة لم تتمكن من حجز قاعة في أحد الفنادق لعمل مؤتمر صحفي يعلن من خلاله عنان ترشحه للانتخابات، الأمر الذي اضطره إلى إعلان بيان ترشحه من مكتبه بالزمالك.

مكالمات الجهات السيادية وكواليس الـ24 ساعة الأخيرة


ووفقاً لما كشفه أحد القياديين بحملة ترشح عنان، الذي فضل عدم ذكر اسمه نظراً للمخاطر الأمنية الحالية، من داخل مكتب عنان بعد ساعات قليلة من القبض عليه، فإن عنان على مدار الـ24 ساعة الماضية تلقّى عشرات المكالمات الهاتفية من جهات سيادية وشخصيات بارزة في الدولة، لإثنائه عن فكرة الترشح لانتخابات الرئاسة، مؤكداً أن الفريق عنان رفض التراجع بشكل قاطع.

وأضاف: "كان عنان يجلس بجواره فريق حملته الانتخابية، مع بعض أفراد أسرته، وكان الفريق ينفعل بشدة وسط المكالمة، مبرراً ذلك أن المكالمة تضمَّنت تهديدات لإثنائه عن قرار الترشح".

الثلاثاء الأسود بداية الهاوية.. "حميدة" أول الفارّين من سفينة عنان


في صباح الثلاثاء 23 يناير/كانون الثاني، كان رجب هلال حميدة، أمين عام حزب مصر العروبة أول الهاربين من سفينة شفيق، وذلك حينما أعلن عن استقالته من الحزب، وخرج مبرراً هذه الخطوه بفضح المستور.

قال إن مصطفى الشال مدير مكتب عنان، يتواصل بشكل مستمر مع أيمن نور في تركيا، المدرج على قوائم الإرهاب، مؤكداً أنه يتم التواصل من خلال جروب سري اعترف خلاله نور أنه يتمنى العودة إلى مصر.

ونفى ما جاء في بيان الحملة، أن الهيئة العليا لحزب مصر العروبة قد اجتمعت واختارت سامي عنان مرشحاً، وأنه وافق على ذلك، مؤكداً أن هذا لم يحدث، وأن الفريق عنان أراد معاقبة الكل.

بيان الإقصاء ورياح الجيش العاصفة


وربما بعد أن أصبحت الصورة واضحة عن تحركات عنان، وكيف تضخمت قوته على الأرض في أقل من 72 ساعة، كان مطلوباً تحرك سريع لوقف كرة الثلج، وهنا جاء بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة مدوياً، ضد عنان، ومحملاً بعدد من الاتهامات العنيفة، تضمنت ارتكاب المرشح المحتمل سامي عنان، قائد الأركان الأسبق، جريمة التزوير في محررات رسمية، ليتم إدراجه في قاعدة بيانات الناخبين دون وجه حق، والتطاول على القوات المسلحة، وتحريض المواطنين، بما يخل بالأمن القومي، وختاماً مخالفة قانون القوات المسلحة وإعلان ترشحه دون الحصول على موافقة مسبقة، كونه ضابطاً مستدعى في المؤسسة العسكرية، لا يحق له المشاركة في الحياة السياسية.

وختاماً، قال البيان "عنان يخضع للمساءلة العسكرية".

عنان أفقد النظام شرعيته وربما تكون بداية سقوطه بعد حين


"ربما يكون المشهد مقلقاً في صورته الحالية، إلا أنه قد يحمل بعضاً من التفسيرات المغايرة، بالنظر للتأثير الذي أحدثه عنان خلال تلك الساعات، فيكفي أنه الآن أسقط شرعية الرئيس السيسي، وأصبحت الانتخابات القادمة لا تعبر عن إرادة المواطنين".. هكذا يرى الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية، في تصريحاته لـ"عربي بوست".

ويقول نافعة، إن طريقة تعامل السيسي مع الفريق أحمد شفيق في البداية، ثم اللجوء لبيان عسكري لإقصاء عنان، ومع انسحاب خالد علي من المشهد، أظهر كيف أن النظام الحاكم بمصر ضعيف جداً، ويدرك أنه لا يمتلك أي أرضية بالشارع، ويتخوف من وجود منافس للسيسي، وهي علامات شيخوخة مبكرة للسيسي ونظامه.

تحميل المزيد