لأول مرة في تاريخ المغرب، تلج المرأة قريباً مهنة العدالة أو العدول، التي ظلت حكراً على الرجال زمناً طويلاً، بعد أن وافق العاهل المغربي، الملك محمد السادس، على فتح الباب أمام النساء للعمل كـ"عدل" (أي مأذونات شرعيات).
وجاءت موافقة العاهل المغربي، بعد أن اطلع على رأي المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة رسمية مكلفة الإفتاء)، الذي أبدى إجازته ممارسة المرأة مهنة "عدل"، بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي.
وفي انتظار أن تعلن وزارة العدل عن مسابقة لتوظيف عدد مهم من العدول، سيكون من بينهم نساء للمرة الأولى.
تعالت أصوات متباينة حول دخول المرأة لهذه المهنة الشرعية؛ بين جهة رافضة تماماً.
وفريق آخر رحب بالخطوة وأهميتها.
المرأة شقيقة الرجل
رئيس الهيئة الوطنية للعدول (غير حكومية)، مولاي بوشعيب الفضلاوي، ثمّن قرار العاهل المغربي، مؤكداً أن "وزارة العدل اتصلت بالهيئة الوطنية للعدول للاشتغال معاً حول تفاصيل دخول النساء لخطة العدالة".
وأضاف رئيس الهيئة الوطنية للعدول، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن الهيئة "تطالب فقط بالتدقيق في تفاصيل وكيفية اشتغال المرأة العدل على أرض الواقع، وهو ما تشتغل عليه وزارة العدل بمعيتنا الآن"، موضحاً أن "(العدل) في المغرب يتكون من عدلين؛ أي رجلين اثنين، والآن عندما تلج المرأة للمهنة، يجب أن نتفق على طريقة العمل كيف ستكون".
أما بخصوص الجانب الشرعي، "فقد طُرح علينا قبل أشهر، لكن قلنا إن العدول ليسوا أصحاب فتوى، وسنحتكم لفتوى المجلس العلمي الأعلى التي ندعمها كهيئة"، يقول رئيس الهيئة الوطنية للعدول.
كما أشار مولاي بوشعيب الفضلاوي إلى أنه من الناحية القانونية؛ في الدستور المغربي تحديداً، "المرأة كالرجل سواء"، ما يعني أنه بإمكان "المرأة العدل أن تشتغل كشقيقها الرجل العدل جنباً إلى جنب".
عقل فقهي ذكوري
إذا كانت الهيئة الوطنية للعدول لا تعارض ولوج المرأة للمهنة وتدعم فتوى المجلس العلمي الأعلى، فإن أصواتاً محافظة أخرى ترى أن الخطوة مخالِفة للشرع، كما هو الحال بالنسبة للشيخ السلفي الحسن الكتاني.
فقد كتب الشيخ السلفي، في تدوينة سابقة
أن "فتح مباراة العدول في وجه النساء مخالف لما عليه الأئمة المالكية وجماهير أئمة الإسلام، وفعْل باطل يجعل الزواج كله فاسداً".
وأضاف حسن الكتاني، في تدوينة أخرى
أنه "لا يجوز أن يقضي بين الناس إلا الرجال، وشهادة النساء على عقود الزواج غير معتبرة".
في المقابل، يرى محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، أن الذي يجعل مذاهب الفقهاء لا تجيز هذا الأمر وتمنعه، يرتبط "بغلبة المنطق الذكوري على الفقه، ولا يوجد نص يمنع المرأة من ذلك".
لذا، "كانت موافقة المجلس العلمي الأعلى جريئة، وعلينا فتح أبواب الاجتهاد والانفتاح على أقوال أخرى؛ لمسايرة تطورات المجتمع وتحديات الدولة"، يردف محمد عبد الوهاب رفيقي، في حديث لـ"عربي بوست".
واعتبر الباحث في العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية أن ردود الفعل المعارضة تأثرت بـ"الفقه وأقوال الفقهاء"، إضافة إلى أن "العقلية الذكورية ما زالت مسيطرة على ذهنيات الناس وأفكارهم".
فالعقل الفقهي التقليدي، "لا يجيز للمرأة أن تكون شاهدة على النكاح؛ لأنه يعتبرها فاقدة الكفاءة العقلية اللازمة لمواضيع كبيرة كالزواج والطلاق؛ ومن ثم كان هذا المنطق عائقاً أمام اقتحام هذا الموضوع، كما أن المزاج الاجتماعي كان يحتاج لوقت لتقبُّل مثل هذا التغيير"، يبرز محمد عبد الوهاب رفيقي.
اعتراف بمكانة المرأة
كما أكد محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في العلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، أن دخول المرأة لمهنة العدول "قرار جريء ومهم، وانتصار للمرأة المغربية في نضالها لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وإلغاء كل التمييز بينهما".
بدورها، اعتبرت لطيفة بوشوا، رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة (غير حكومية)، فتح باب العدول أمام النساء "خطوة إيجابية وجريئة"؛ لأن النساء "أبرزن كفاءتهن في ميادين ومهن متعددة، من بينها جانب الاجتهاد الفقهي والحقل الديني".
وقالت رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، في اتصال بـ"عربي بوست"، إنه "اعتراف بمكانة المرأة على عدة مستويات، ومنها العدول الذي ظل حكراً على الممارسة الرجالية".
لذلك، سيكون للخطوة وقعها "على تغيير العقليات والتقليص في مقاومة حقوق النساء بالخصوص"، تشير لطيفة بوشوا، مشددة على أنه "يجب أن تكون هناك شروط متساوية بين النساء والرجال في هذه المهنة".
كما أشارت المناضلة في مجال حقوق النساء إلى أن "مرجعية المغرب واضحة في الدستور ؛ تتمثل في الإسلام المعتدل والسمح والمنفتح، ونأمل أن يكون دخول النساء لمهنة العدول من أجل تكريس هذا التوجه المغربي المعتدل والمنفتح والمتسامح".