يستعد عبدالسلام مريوة إمام مسجد "ذو النورين" بولاية المسيلة، وسط الجزائر، لتجربة جريئة في حياته لم يتخيلها قبل، إذ شرع في تعلم اللغة الأمازيغية التي لم يكن يفقه فيها سوى كلمات بعدد الأصابع، لكنه الآن مستعد، بحماس الشباب، كما يصف لـ"عربي بوست" لحمل هذه اللغة وتعلمها بفخر كبير، لأننا على يقين بأن الإمامة لا تنحصر في مكان معين، وقد أكون يوماً في مسجد قرية أو بلدية سكانها لا يتكلمون سوى الأمازيغية، وهناك أكون مجبراً على التكلم معهم بلغتهم أو لهجتهم.
التجربة التي يعيشها الإمام مريوة جاءت بعد أن بدأت لجنة بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، في 17 يناير/كانون الثاني 2018 عملها، للتنسيق مع مختلف المعاهد، والزوايا، والمدارس القرآنية، قصد إدراج اللغة الأمازيغية في المقررات الدراسية.
وكان وزير القطاع محمد عيسى، قد صرَّح موازاة مع الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، في 12 يناير/كانون الثاني 2018، بأن وزارته ستعطي الرعاية الكاملة للغة الأمازيغية، وتعميم تعليمها.
الأمازيغية في كل المساجد
اهتمام وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بملف الأمازيغية في الجزائر، سيترجم بعد مدة من الآن إلى تعميم اللغة عبر كافة مساجد الجمهورية.
وأكد الوزير محمد عيسى أن جميع الأئمة ومدرسي التعاليم الدينية عبر مختلف المساجد، سيكونون مرغمين على تعلم اللغة الأمازيغية من خلال برامج تكوينية يشرف عليها أكاديميون ومختصون.
وقال عيسى: "الأئمة الممارسون سيكونون جميعاً مدعوين لتعلم الأمازيغية، في إطار دروس تحسين المستوى وتحيين المعارف، والوزارة ستنظم لقاءات ولائية وجهوية، وحتى محلية، لتحقيق اطلاع أوسع على هذه اللغة من قبل الأئمة".
أما الطلبة المسجلون في المعاهد، الزوايا والمدارس القرآنية بحسب الوزير "فسيتعلمون اللغة الأمازيغية لفهم أصولهم، والتحدث بفخر حول دينهم، من خلال مقررات دراسية ستدخل برامجهم السنوية بداية من العام الجاري 2018".
تفسير القرآن بالأمازيغية
تعزيزاً لخطة تعميم استعمال الأمازيغية في المؤسسات الدينية بما فيها المساجد، يرتقب أن يشهد الثلاثي الأول من السنة الجارية 2018، توزيع كتاب هو الأول من نوعه، يحمل تفسيراً للقرآن باللغة الأمازيغية.
وسيكون الكتاب بحسب وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، مرجعاً مهماً للأئمة والباحثين، ودعماً كما قال في تصريحات إعلامية "للغة والثقافة الأمازيغية في شقها الديني".
وكانت لجنة مشتركة بين وزارة الشؤون الدينية والأوقاف والمحافظة السامية للأمازيغية، قد أطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مشروعاً لإعداد كتاب تفسير معاني القرآن الكريم باللغة الأمازيغية.
الفريق الذي أشرف على إعداد المشروع ضم جامعيين ولغويين ومفسرين للقرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية، وتم وصف الخطوة بالحضارية والتاريخية، وتخدم على وجه الخصوص اللغة والثقافة الأمازيغية والهوية الوطنية الجزائرية.
ترحيب بالقرار
ولقي قرار فرض تعليم اللغة الأمازيغية على الأئمة وطلبة الزوايا والمدارس القرآنية، ترحيباً واسعاً في الجزائر، فنشرت النقابة الوطنية للزوايا الأشراف بالجزائر منشوراً فيسبوكيا يرحب بقرار تعليم اللغة، وترجمة القرآن إلى الأمازيغية.
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعلى لسان رئيسها عبدالرزاق قسوم، فيعتبر "قرار الوزير صائباً، ومن حق الجميع فهم الإسلام وقيمه من خلال لسان الأئمة والدعاة، فكم من فتوى لم يفهم فحواها بسبب اللغة أو اللهجة، وتعلم الأمازيغية سيزيل كل ذلك الغموض"، حسب تصريحه لـ"عربي بوست".
نقابة الأئمة في الجزائر بدورها رحّبت بفكرة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وقال جلول حجيمي رئيس النقابة لعربي بوست "أئمة المساجد، سيتلقون دروساً تكوينية في الأمازيغية، وهذا سيعزز الدور المسجدي، خاصة في المناطق التي لا يتكلم فيها المواطنون العربية بشكل واسع".
"أمازيغية إسلامية"
رئيس "المحافظة السامية للأمازيغية" الهاشمي عصاد، أشاد بهذه الخطوة التي اعتبرها دعماً للهوية الوطنية، وفرصة لإعطاء قيمة أكثر للغة الأجداد والأصل.
وقال عصاد لعربي بوست "القرار الذي اتخذته وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، له أبعاد إيجابية، فهو يثبت جذر المنطقة الأمازيغي، والهوية الإسلامية لها، بعيداً عن كل التأويلات، ويأتي امتداداً لقرارات الرئيس بترسيم الأمازيغية، وعيد رأس السنة الأمازيغية".
محمد حدادو، الأمين الولائي للكشافة الإسلامية الجزائرية بتيزي وزو -معقل أمازيغ الجزائر- بدوره يصف قرار فرض اللغة الأمازيغية في المؤسسة الدينية بالقرار الجريء والشجاع.
ولمس المتحدث لعربي بوست "راحة كبيرة في أوساط المواطنين للقرار المتخذ، خاصة أن كبار السن والقرويين في المناطق الجبلية قل ما يفهمون العربية، ومخاطبتهم بالأمازيغية سيعزز الدين واللغة معاً".
وكان سكان ولاية تيزي وزو 150 كلم، شرقي العاصمة الجزائر سنة 2013، قد خرجوا بالمئات في مسيرات التأكيد بهويتهم الإسلامية، عكس ما روّج له البعض حينها بالأكل والشرب علناً نهار شهر رمضان.
لكبح المدّ التنصيري؟
محمود فوغالي إمام مسجد الغزالي ورئيس جمعية آسيرم "الأمل بالعربية"، بدائرة آميزور، بولاية بجاية 270 كلم شرقي العاصمة الجزائر، أشاد كثيراً بقرار تعليم الأمازيغية لأئمة المساجد، واعتبرها خطوة مهمة في المناطق الأمازيغية في الجزائر، خاصة بمنطقة القبائل، الشاوية، والطوارق، أي لا يستعمل السكان هناك العربية في حديثهم العام.
وذهب فوغالي إلى أبعد من ذلك في حديثه لعربي بوست، لما ربط قضية الأمازيغية بحركات التنصير في المنطقة، وقال في هذا الشأن "قضية الدين في منطقة أمازيغ الجزائر خاصة بمنطقة القبائل، كثيراً ما تثير الجدل، ونسمع بشكل يومي لأخبار عن حملات التنصير التي تقودها جماعات استغلت صراع اللغة وأرادت أن تستميل الشباب، ونجحت في أكثر من مرة".
ويضيف المتحدث "أسَّسنا جمعية آسيرم للاحتكاك بفئة الشباب أكثر، وتأكدنا بأن شبكات التنصير، وهي جماعات تغري الشباب لترك الدين الإسلامي، والانضمام إلى الديانة المسيحية، وكانت تعزف دائماً على وتر الأمازيغية".
ويردف "قرار استعمال الأمازيغية في الخطاب الديني لاحقاً، سيصد الباب أمام هؤلاء في بلوغ أهدافهم، وسيعزز مفهوم الإسلام في ظل الأمازيغية، وكلاهما يبني الآخر، لا يفرق بينهما".
وهو ما ذهب إليه المحافظ الولائي للكشافة الإسلامية الجزائرية بتيزي وزو محمد حدادو، الذي أكد لعربي بوست "بأن وزارة الشؤون الدينية، قد أغلقت بهذا القرار باباً كان يأتي منه شر كبير لأبناء المناطق الأمازيغية في الجزائر، من خلال بث التفرقة، باسم اللغة والدين".