نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالاً عن امبراطورية الرئيس الأميركي العقارية في الولايات المتحدة ودول أخرى، تساءلت فيه هل بدأت فعلاً بالانهيار؟
وقالت الكاتبة الصحفية أروى مهداوي المقيمة في نيويورك، إن حدة التوترات في مجمع "ترامب بليس" المبنى رقم 200 في جادة ريفيرسايد بوليفارد، قد تصاعدت في الفترة الأخيرة. إذ دخل المجمع السكني الفاخر في الجانب الغربي الشمالي لنيويورك في صراعٍ قانوني متزايد ومثير للجدل مع عائلة ترامب.
وتضيف الكاتبة بأنه مثل العديد من الأبراج التي تحمل علامة ترامب التجارية، هذا العقار أيضاً ليس مملوكاً لعائلة ترامب؛ لكنَّه يحمل ترخيصاً لاستخدام الاسم المكتوب بأحرفٍ ضخمةٍ على واجهة المبنى. والآن لا يرغب العديد من السكان في الإبقاء على الاسم.
وتتابع: "بمجرد أن أخبرتُ فرد الأمن على بوابة مجمَّع "ترامب بليس" السكني أنَّني صحفية، لم يستغرقه الأمر أكثر من 30 ثانية لطردي من المبنى وهو يقول: "سيدتي، عليكِ أن تغادري الآن". ودفعني فعلياً خارج البهو الرخامي من خلال الأبواب الدوارة".
وتحدّثت الكاتبة مع أودري نيلسون وهي أحد سكان "ترامب بليس" وتعيش مع صديقها في الشقة. وتقول: "وأثناء حوارها معي في الشارع المقابل للمبنى، أوضحت لي أنَّ مجلس إدارة المجمع أجرى استفتاءً بين السكان بشأن آرائهم في استخدام العلامة التجارية لترامب بعد الانتخابات الرئاسية عام 2016. وتابعت: رغب معظم الناس في التخلص من هذه العلامة التجارية. لكنَّ شركة دي جي تي القابضة التي يمتلك فيها ترامب العديد من الأسهم وصلها أمر هذا الاستفتاء، وهددت المبنى باتخاذ إجراءاتٍ قانونية ضده. وقال ساكنٌ آخر بنظرة ارتياب: لا أعتقد أنَّه من المفترض بنا الحديث عن الأمر".
كيف كانت علامة ترامب التجارية وكيف أصبحت ؟
في وقتٍ من الأوقات، كانت إضافة علامة ترامب التجارية -التي يُكلف استئجارها عشرات الملايين من الدولارات- إلى واجهة فندقك الفاخر أو مجمعك السكني تُضفي رونقاً من الهيبة وتزيد أرباح المكان، واعتاد ترامب التباهي بأنَّها تزيد من قيمة العقارات بنسبة 25%. وساعد ترخيص ترامب للعقارات لاستخدام اسمه في زيادة ثروته الشخصية بشكلٍ كبير. وقدَّر بيان ثروة ترامب الذي أصدره مع انطلاق حملته الرئاسية عام 2015 قيمة "عقود التراخيص العقارية والعلامة التجارية والمباني التي تحمل اسمها" بحوالي 3.3 مليار دولار أميركي، وهو أكبر وأهم مصادر الدخل في ثروة ترامب التي أعلن وقتها أنَّها تساوي 8.7 مليار دولار أميركي.
وفي الوقت الذي يصعب التأكد فيه من هذه الأرقام كونها مصدر جدلٍ كبير، يبدو من الواضح أنَّ علامة ترامب التجارية كانت دائماً تحمل قيمةً كبيرة في الماضي. لكن الوضع لم يعد كذلك الآن.
انهيار قيمة العقارات المرتبطة باسم ترامب
منذ بدأ ترامب مسيرته السياسية، يبدو أنَّ اسم عائلته تحول إلى عبء. ففي محادثةٍ هاتفية، صرح بعض السكان السابقين في المجمع السكني أنَّ اقتحام ترامب لعالم السياسة كان كارثياً لأسعار العقارات. وهذا ما دفع هارفي وبيغي كويبل لعرض شقتهما للبيع قُبيل انتخابات عام 2016 مباشرةً. وتابع هارفي: "ظل العقار معروضاً لشهور، قبل أن نضطر لقبول سعرٍ أقل بنسبة 10% من السعر الذي حددناه".
وليست عائلة كويبل الوحيدة التي شهدت انهيار قيمة عقارها المرتبط باسم ترامب. فبحسب تقريرٍ أصدرته مؤخراً خدمة إدراج العقارات سيتي ريالتي، انهارت أسعار المباني السكنية الـ11 التي تحمل اسم ترامب في مانهاتن لأقل من المتوسط في هذه المنطقة لأول مرة أواخر عام 2017. وبينما انخفض سعر القدم المربع في عقارات مانهاتن عموماً بنسبة 1%، انهار سعر القدم المربع في عقارات ترامب تحديداً بنسبة 7% في الـ12 شهراً التي سبقت نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
وقالت غابي وارشور مديرة الأبحاث في شركة سيتي ريالتي: "يرجع اختيار أي مبنى لإنهاء شراكته مع علامة ترامب التجارية لأسبابٍ مالية في أغلب الأحيان. وهذا ما يطرح العديد من التساؤلات حول الجدوى الحقيقية لعلامة ترامب التجارية".
من الامتياز إلى التعصب
وتتابع الكاتبة: "وبالطبع، في نفس الشارع الذي أقف فيه توجد ثلاثة مبانٍ سكنية أخرى كانت تُعرف باسم ترامب بليس. وبعد 8 أيام فقط من انتخابات 2016، غيَّرت المباني أسمائها لتُعرف بـ140 و160 و180 ريفيرسايد بوليفارد، بعد أن طالب مئات السكان شركة إكويتي ريزيدينشال المالكة بـ"التخلي عن اسم ترامب". وأوضح أحد السكان أنَّ الاسم لم يُعد مُعبِّراً عن الامتياز، بل التعصب، وأنَّه أصبح مصدراً للخجل". (رفضت منظمة ترامب المشاركة بتعليقٍ على هذا التقرير عدة مرات).
ومؤخراً أيضاً، ألغى أحد المباني الفندقية السكنية في وسط مدينة مانهاتن شراكته مع علامة ترامب التجارية، ليتحول اسم المبنى من "ترامب سوهو" إلى "دومينيك" في ديسمبر/كانون الأول المنقضي. واشترى مُلاك المبنى عقد الإدارة من منظمة ترامب بعد انتشار الأخبار السيئة والتقارير عن انخفاض نسبة الإشغال، وهي الأخبار التي سبق بعضها -للأمانة- دخول ترامب للبيت الأبيض.
توقفت أعمال الإنشاءات في المبنى عام 2006 بعد اكتشاف بقايا جثةٍ بشرية من مقابر قديمة في الموقع، ولقي أحد عمال البناء مصرعه إثر سقوطه من الطابق الـ42 عام 2008. وفتح مكتب المدعي العام في مانهاتن تحقيقاً جنائياً (أغلقه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي) بحق دونالد الابن وإيفانكا ترامب، للتحقيق معهما في تضليلهما للمستثمرين بشأن قيمة فندق سوهو.
ومع هذا التاريخ المتقلب، استمرت الأمور من سيئٍ إلى أسوأ بعد دخول ترامب للبيت الأبيض: إذ قاطع 11 من أصل 12 فريق في الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين فندق ترامب سوهو بعد أن اعتادوا الإقامة بين جنباته، وأغلق مطعم السوشي الفاخر "كوي" -الذي كان وجهةً للمشاهير في السابق- أبوابه في أبريل/نيسان 2017 بعد تراجع أرباحه بشكلٍ كبير، وهو الأمر الذي تسبب فيه الرئيس الجديد على الأغلب.
ويبدو أنَّ منظمة ترامب نفسها تُدرك الآن انخفاض القيمة السوقية لاسم العائلة. إذ أعلنت فنادق ترامب في أواخر 2016 عن علامةٍ تجارية فندقية جديدة تستهدف جيل الألفية تُدعى "سايون".
وبحسب الكاتبة، فإنه من الواضح أنَّ اختيار هذا الاسم يعكس النغمة السائدة في الرأي العام بشأن مجموعة فنادق ترامب. إذ أشارت البيانات التي جمعتها شركة يوغوف إلى أنَّ الأميركيين الأعلى دخلاً يمتلكون انطباعاً سلبياً للغاية عن الفنادق التي تحمل علامة ترامب التجارية أكثر من أي سلسلة فنادق أخرى في نفس فئة الأسعار.
بينما يمتلك الأميركيون الذين يزيد دخل أسرهم عن 100 ألف دولار انطباعاً إيجابياً عن فنادق ريتز-كارلتون وجيه دبليو ماريوت وفور سيزونز وويستين وأومني، أما الآراء بخصوص فنادق ترامب فقط فكانت سلبيةً للغاية: إذ بلغت -5.4 في نوفمبر/تشرين الثاني، وانخفضت لتصل إلى -17.1. (بدأت يوغوف في جمع الآراء بشأن العلامات التجارية لترامب في يونيو/حزيران 2017). وبالمقارنة، وصلت الانطباعات عن فندق ريتز-كارلتون إلى 44.6 في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.
لكن ليس الجميع متشائمين في توقعاتهم لعلامة ترامب التجارية على المدى البعيد. إذ يقول جون أونيل الأستاذ في مركز إستراتيجية العقارات الفندقية بجامعة ولاية بنسلفانيا: "حقيقة أنَّ بعض الفنادق المرتبطة بترامب قررت تغيير العلامة التجارية لن تبدو مهمةً على الإطلاق إذا أخذتَ بعين الاعتبار حدوث ذلك مع 100 علامة تجارية فندقية أخرى. يُغيِّر ملاك الفنادق علاماتهم التجارية نتيجة العديد من الأسباب، والأمر ليس سلبياً بالضرورة". فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تكون مدة بعض العقود انتهت، وحان وقت التجديد.
ازدهار بعض فنادق ترامب بفضل رئاسته
علاوةً على ذلك، ازدهرت مؤخراً بعض عقارات ترامب بفضل رئاسته؛ إذ يحصد الآن فندق ترامب في العاصمة واشنطن أرباحاً غير مسبوقة. وبحسب التقرير المالي الأخير للرئيس عن أصوله التجارية في يونيو/حزيران الماضي، وصل دخل منتجع مار آلاغو في بالم بيتش لنحو 37 مليون دولار، بعد أن كان 30 مليون دولار فقط في تقريره المالي لشهر مايو/أيار 2016. ولكن يبدو أنَّ حال هذه العقارات هو الاستثناء وليس القاعدة، ويظهر ذلك جلياً عند النظر إلى وضع علامته التجارية خارج الولايات المتحدة؛ إذ تجري إزالة اسم ترامب من المدن في جميع أنحاء العالم.
فخلال عامين ونصف العام منذ إعلانه الترشح للرئاسة، أُزيل اسم ترامب من 7 مبانٍ على الأقل في 4 مدن: بنما ونيويورك وريو وتورونتو. وتُشير الشائعات أيضاً إلى محاولة الفنادق التي تحمل اسم ترامب في فانكوفر وشيكاغو قطع علاقتها مع العلامة التجارية.
كان الكنديون تحديداً أكثر الناس وضوحاً في عدم رغبتهم في ارتباط اسم ترامب بمدنهم. ففي ديسمبر/كانون الأول 2015، إثر وصفه للمكسيكيين بالمُغتصبين والمجرمين، أطلق جوش ماتلو عضو مجلس مدينة تورونتو حملةً تدعو ملاك ما كان يُسمَّى بـ"ترامب تاور" آنذاك لتغيير اسم المبنى.
وصرح ماتلو مؤخراً: "شعار مدينة تورونتو هو (قوَّتنا في تنوعنا). وكان رأيي، مع العديد من سكان تورونتو، أنَّه لا مكان لاسم ترامب وسط مباني المدينة الأكثر تنوعاً في العالم". وفي يونيو/حزيران 2016، أنفق ملاك المبنى ملايين الدولارات لإلغاء تعاقدهم مع منظمة ترامب، وأصبحت تورونتو الآن خاليةً من اسم علامته التجارية.
واعترف ماتلو بأن "عدداً من العوامل" ساهمت في الوصول إلى قرار إزالة اسم ترامب، من ضمنها الصراعات القانونية التي خاضها المستثمرون المستاؤون من الإدارة الضعيفة للفندق نفسه. وكان القرار النهائي "مزيجاً من العقبات المالية، وتدمير دونالد ترامب نفسِه لعلامته التجارية بخطابه الذي يحض على الكراهية والفرقة".
واليوم، يوجد الفندق الوحيد الذي يحمل اسم ترامب داخل كندا في فانكوفر، وتُشير الشائعات إلى اختفاء الاسم قريباً؛ إذ قال برينت توديريان الرئيس السابق لإدارة التخطيط بمدينة فانكوفر، إنَّه تحدث بمجرد وضع اسم ترامب على المبنى: "اسم ترامب وعلامته التجارية لا يتوافقان مع فانكوفر وعلامتها التجارية".
لا مكان لعلامة ترامب التجارية
ويُشارك الكثيرون توديريان الرأي نفسه؛ إذ رفض غريغور روبرتسون، عمدة فانكوفر، حضور حفل افتتاح الفندق العام الماضي، وصرح للمراسلين وقتَّها بأن علامة ترامب التجارية "لا مكان لها في سماء فانكوفر، مثلما لا مكان لأفكاره الجاهلة في العالم المعاصر".
وأُزيل اسم ترامب أيضاً من أميركا الوسطى. ففي 2015، تخلَّى ملّاك "ترامب أوشن كلاب"، المبنى السكني الفاخر في مدينة بنما، عن خدمات شركة ترامب الإدارية، وأزالوا اسمه من على المبنى. ولكنَّ اسم ترامب ظل مرفوعاً على الفندق المجاور، الذي وقَّعت معه منظمة ترامب عقداً منفصلاً، وتُشير التقارير إلى محاولة ملّاك الفندق اتباع خُطى المبنى المجاور؛ إذ يضر اسم ترامب بالأعمال الجارية.
وتُشير البيانات المذكورة في تقرير يوغوف، إلى أنَّ معدلات الإشغال بفندق ترامب بنما مطلع يناير/كانون الثاني، كانت نحو 25%، وهي أقل بكثير من المتوسط الذي يبلغ 43.7% بالفنادق الفاخرة في بنما من الشهر نفسه عام 2017، وفقاً للبيانات التي جمعتها شركة "إس تي آر" المتخصصة في جمع البيانات وتحليلها.
وصرح مصدرٌ مطلع على المسألة، رفض ذكر اسمه: "حتى إن العاملين بالسفارة الأميركية يرفضون الإقامة في الفندق. نحن نقع بقلب العالم اللاتيني، وتسببت تصرفات ترامب في تأليب معظم الناس بأميركا اللاتينية وبقية أنحاء العالم ضدنا. ومُلاك الفندق مُحبَطون"، مُشيراً إلى اتجاه منظمة ترامب لرفع دعوى. (وأعلن السفير الأميركي لدى بنما استقالته الجمعة الماضي، بعد أن صرح بأنَّه لا يستطيع الخدمة في ظل حكومة ترامب).
ومع قطع العديد من المباني صلاتها بعلامة الرئيس رسمياً، وسعي البعض الآخر لذلك، هل نشهد الآن بداية النهاية لإمبراطورية ترامب العقارية؟ أعرب أحد المختصين بالمجال -رفض ذكر اسمه- عن شكوكه في القيمة الحقيقية لاسم ترامب على المدى البعيد، سواء فيما يتعلق بالمباني السكنية أو الفنادق. وتابع المختص: "أشعر بأنَّ ترامب سينتهي به الحال في مأزق عويص، وسيرغب المُلاك والمطورون في الابتعاد عنه؛ إذ لحقت بالاسم أضرارٌ ضخمة بالفعل، وسيزداد الأمر سوءاً".
وتوجد دلائل قوية على أنَّ شعبية اسم ترامب ستستمر في الانخفاض حول مدن العالم، كلما زادت فترة بقائه في العاصمة واشنطن. وربما يكون الرئيس "عبقرياً متزناً" وفقاً لتصريحاته، لكنَّ إمبراطوريته العقارية بدأت في الاهتزاز قليلاً.