ذهبت ثنائية “الانقلاب والشرعية” وجاء دور “الطرف الثالث”.. تفاصيل جديدة في اليمن تربك المشهد العسكري

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/17 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/17 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش

علاوة على أنها دولة تشهد اضطرابات وحرباً دامية منذ 3 أعوام، لا يزال اليمن يمثل بلد التناقضات الكبيرة، وحتى اللحظة لا يعرف اليمنيون ما الذي يدور حولهم بالضبط، فكل الأحداث مجهولة تفاصيلها.

يوم 6 يونيو/حزيران 2015، كان صلاح الشعبي واحداً من الذين التحقوا بالمقاومة الشعبية المحسوبة على "الحكومة الشرعية" في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوب اليمن)، وخاض قتالاً عنيفاً ضد مسلحي جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح.

انتهت تلك المعارك في الشهر ذاته بانسحاب الحوثيين وقوات صالح من عدن، كان صلاح واحداً ممن احتفلوا بتحرير المدينة، لكنه كان قد فقدَ ساقه اليمنى بانفجار لغم أرضي.

بعد عامين ونصف العام، تعود قوات صالح إلى المدينة، لكنها هذه المرة بقيادة نجل شقيق الرئيس السابق، وقائد القوات الخاصة العميد طارق محمد عبد الله صالح، الذي استقر في مقر قيادة القوات الإماراتية بحي البريقة، غرب المدينة.

طارق صالح، هو واحد من القادة العسكريين الذين قادوا قوات عسكرية قاتلت بضراوة القوات الحكومية والتحالف العربي الذي تقوده السعودية، حتى مطلع ديسمبر/كانون الأول 2017.

طرف ثالث


بدا الشعبي (30 عاماً)، واجماً من الأحداث الأخيرة، وقال في حديث لـ"عربي بوست"، إن الرجل الذي قتلت قواته العشرات من المدنيين ومن المقاومة الشعبية، وكانت سبباً في فقدان ساقه، يعود اليوم ويُستقبل استقبال الفاتحين!

وأضاف: "هناك أمر غير مفهوم حتى اللحظة، وكل ما نعيه الآن هو أن الإمارات تعبث في البلاد".

لم يكن الأمر ضبابياً ومفاجئاً للشعبي فقط؛ بل للمشهد السياسي والعسكري في البلاد، فالظهور المفاجئ للعميد طارق صالح، بحماية إماراتية، وإعلانه التمسّك بوصايا عمّه، ورفضه الاعتراف بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، أربك الوضع في اليمن.

وكان طارق قد ظهر يوم الخميس 11 يناير/كانون الثاني 2018، بمدينة عتق في محافظة شبوة (جنوب شرق)؛ ليؤدي واجب العزاء لأسرة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام، عارف الزوكا، الذي اغتيل في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2017، خلال انتفاضة صنعاء.

لكن المشهد الأبرز كان في قوات "النخبة الشبوانية"، المدعومة من الإمارات، والتي كانت في مهمة حماية طارق، حتى مغادرته المدينة. هناك قال كلمة مقتضبة، أكد فيها التزامه بـ"وصايا عمه"، في إشارة إلى الخطاب الأخير لصالح، والذي دعا فيه إلى الانتفاض ضد الحوثيين، و"فتح صفحة جديدة" مع دول الجوار والتحالف العربي.

لكن الرسالة كانت قد وصلت لليمنيين بأن الإمارات تتجه إلى صناعة طرف ثالث.

من هو الطرف الثالث؟


خلال الأعوام الثلاثة الماضية، انقسمت البلاد إلى طرفين؛ الطرف الأول هو جماعة الحوثيين وقوات صالح التي انقلبت على حكومة هادي، والطرف الثاني يتمثل في هادي والقوات الموالية له، وقوات التحالف العربي، وبتوصيف آخر، انقلاب وشرعية.

غير أنه في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2017، انفكت عرى التحالف في الطرف الأول، بعد دعوة الرئيس السابق اليمنيين للانتفاضة ضد الحوثيين، واندلعت معارك على أثرها استمرت 3 أيام، انتهت بمقتل صالح.

لكن القيادات العسكرية والسياسية الموالية له، غادرت العاصمة صنعاء من بطش الحوثيين، واستقرت في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة هادي، ومنها انتقلت القيادات السياسية إلى القاهرة وأبوظبي.

القيادات العسكرية ظلت في اليمن، ومن بينها طارق صالح الذي قاد المعارك ضد الحوثيين، واستقر بمعسكر التحالف في عدن، وبالتحديد في مقر القوات الإماراتية.

وقال مصدر عسكري حكومي، لـ"عربي بوست"، إن الإمارات تعمل على تهيئة معسكرات وقواعد عسكرية، لطارق صالح والقوات الموالية للرئيس السابق.

وأشار إلى أن تلك المعسكرات ستكون على الأرجح، بعيدة عن السيطرة العملياتية للقوات الحكومية الموالية للرئيس هادي، وستكون مرتبطة بقيادة التحالف بشكل مباشر؛ من أجل التنسيق في المعارك.

وأضاف أن طارق والقيادات العسكرية الموالية له، استدعت الضباط والجنود، من قوات الحرس الجمهوري التي كان يقودها نجل صالح، العميد أحمد علي، وهو الآخر يقيم بالإمارات، إلى مدينة المخا (غرب اليمن).

تكتيك جديد في الحرب أم توازن قوى؟


حتى اللحظة، يبدو أن التحالف بين القيادات الموالية للرئيس السابق والإمارات بدا وثيقاً، مما يدعم من مسألة أن التحالف العربي ربما قد وضع تكتيكاً مختلفاً للحرب ضد الحوثيين المدعومين من إيران، بعد أن فشلت خياراته الأولى في دعم قوات هادي.

ووفق المصدر العسكري، فإن التحالف "ربما يعوّل على القوات والقيادات العسكرية الموالية لصالح والتي كانت حتى قبل شهر تقاتل في صفوف الحوثيين، رغم كونها حتى اللحظة لا تعترف بشرعية هادي".

ومسألة عدم الاعتراف بهادي رئيساً هي الشق الذي يلتقون فيه مع جماعة الحوثيين.

وقال المصدر إن العملية تمثل تكتيكاً جديداً في الحرب ضد الحوثيين، حتى وإن كانت تلك القوات لا تعترف بشرعية هادي، فما يهم التحالف في الوقت الراهن هو القضاء على الحوثيين، بعيداً عن حسابات الحكومة.

لكن المحلل السياسي ياسين التميمي، يرى أن الإمارات تسعى لبناء طرف ثالث لأجل توازن القوى في البلد المثخن بالاضطرابات.

وقال لـ"عربي بوست"، إن "تحركات العميد طارق صالح تتم وفق أجندة إماراتية تعكس إصرار أبوظبي على الالتفاف على الإرادة اليمنية وعلى الثوابت الراسخة والمرتبطة بثورة فبراير/شباط (انتفاضة 2011) وبعملية الانتقال السياسي".

وأضاف أن "الأخطر من ذلك، أن التحالف يسعى إلى هدم الشرعية ويتجه نحو إحلال فلول صالح في إدارة المرحلة المقبلة، وهذا يتأكد من خلال تعمُّد التحالف إفشال الحكومة وإثارة غضب الناس عليها؛ تمهيداً للقيام بخطوته تلك".

وأشار إلى أن الإمارات تهيئ لمعركة تتوَّج فيها القيادات المرتبطة بصالح، كأبطال تحرير بعد أن جرى عمداً تجميد الجبهات الرئيسية للقوات الحكومية، في شرق صنعاء والجوف وصعدة وتعز وميدي والحديدة.

لا معلومات عن الدور الجديد للطرف الثالث


اتخذت الحكومة اليمنية موقفاً جاداً حول التطورات الأخيرة، وطالبت بأن تكون أي عملية عسكرية ضد الحوثيين "بالتنسيق الكامل مع الجيش اليمني وقيادة الشرعية"، حسبما يقول الصحفي في الرئاسة اليمنية مختار الرحبي.

وقال الرحبي: "حتى الآن، لا يوجد تحرُّك رسمي، لكن هناك تحركات لدعم طارق الذي يوجد في مدينة عدن، من خلال تجميع قوات موالية له وتدريبها".

وأضاف: "ليس لدينا معلومات عن مهمة طارق في المستقبل؛ هل سيكون ضمن إطار قوات تتبع الحكومة الشرعية، أم خارجها، لكنه يفتقد الشرعية إذا ما ذهب منفرداً، فالحكومة هي من أعطت أيضاً التحالف العربي الشرعية للتدخل في اليمن".

وحذر من أن العمل خارج الحكومة ستكون له آثار كبيرة في المستقبل.

لكن مصدراً في حزب المؤتمر الشعبي العام، جناح القاهرة وأبوظبي، فضّل عدم الكشف عن هويته؛ لكونه غير مخول له الحديث للإعلام، حاول أن يخفف من التصعيد الإعلامي ضد الخطوة الجديدة للقوات العسكرية التي يقودها طارق صالح.

وقال لـ"عربي بوست"، لا يوجد طرف ثالث حالياً، والذي يحدث هو أن القيادات العسكرية الجديدة التي تقاتل ضد الحوثيين (لم تقاتل حتى اللحظة)، هي يمنية، وتشعر بأن القيادة العسكرية السابقة (القوات الموالية لهادي) فشلت حتى اللحظة في تحقيق أي تقدُّم عسكري.

وأضاف: "منذ 3 أعوام، ما تسمى القوات الشرعية لم تحقق أي تقدُّم كبير رغم الإمكانات التي تحظى بها، والآن حان الدور على قيادة عسكرية جديدة محترفة"، في إشارة إلى العميد طارق.

وعزا عمل القيادة العسكرية الجديدة، بعيداً عن الحكومة اليمنية، إلى أن الرئيس هادي لا يملك شرعية، كما أن قوات الحرس الجمهوري لن تعود إلى الميدان إلا بأوامر من قيادات عسكرية موثوقة.

وقال: "حكاية فتح جبهات مستقلة، أو دعم قوة مستقلة، كلها غير دقيقة، وكلها بمثابة تكهنات فقط، والمسألة تتعلق باستقطاب عناصر الحرس الجمهوري في مناطق سيطرة الحكومة؛ لأنه من الصعوبة جداً إنشاء معسكرات في مناطق سيطرة الحوثيين".

احتقان شعبي


بقاء طارق صالح بمدينة عدن، التي وجَّه إليها في يوم ما، مدافعه ورشاشاته، صاعدَ من الاحتقان الشعبي لدى سكان المدينة والمقاومة الشعبية، وشهدت المدينة خلال اليومين الماضيين توتراً أمنياً كبيراً.

ونشرت المقاومة 8 نقاط أمنية، بدءاً من منطقة كالتكس بمدينة المنصورة، وصولاً إلى مقر التحالف العربي في مدينة البريقة، وكان من بينهم صلاح الشعبي، الذي عاود الانضمام إلى المقاومة بساق مبتورة.

واتهمت المقاومة في بيان لها، الإمارات باستفزاز سكان الجنوب، من خلال استقبالها طارق، وقالت إن "فتح الباب على مصراعيه أمام من وصفته العدو الرئيس لسكان الجنوب، يُعد استفزازاً خطيراً ينبغي عدم السكوت عنه".

وعلى غرار عدن، فإن كل البلاد نالت نصيباً من حرب الحوثيين وقوات صالح، ولن تقبل بوجود معسكرات موالية للرئيس السابق.

لكنَّ مدن الساحل الغربي، وخصوصاً مدينة المخا، القريبة من مضيق باب المندب الاستراتيجي، قد تكون قاعدة مثالية لإعادة قوات صالح، ولملمة قادتها العسكريين وأفرادها؛ لكونها تحت السيطرة الكاملة للإمارات.

تحميل المزيد