أسفر هجومٌ انتحاري نفَّذه شخصان عن مقتل أكثر من 20 شخصاً في العاصمة العراقية بغداد، الإثنين 15 يناير/كانون الثاني 2018، معظمهم من الباعة الجائلين وعُمال المياومة الذين كانوا متجمعين في الشارع عند الفجر على أمل الحصول على عملٍ بإحدى الأسواق العامة، وهذا هو أول هجومٍ كبير في العاصمة العراقية منذ أن أعلنت الحكومة انتصارها على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وأحبطت هذه المذبحة، التي وقعت في ساحة الطيران، الإحساس المتزايد بالأمل والفخر الذي ساد بغداد بعد نجاح قوات الأمن العراقية -بدعمٍ من أعدادٍ كبيرة من المُتطوِّعين والمُجنَّدين الجدد- في الانتصار بمعارك مُنهِكة خاضتها ضد تنظيم داعش، الذي كان يسيطر على ثلث الأراضي العراقية، وروَّع ملايين المواطنين وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وكان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قد أعلن في 9 ديسمبر/كانون الأول 2017، سيطرة القوات العراقية "بشكل كامل" على الحدود السورية-العراقية، مؤكداً "انتهاء الحرب" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في البلاد.
الخلايا النائمة
وصحيحٌ أنَّه لم يصدر إعلان فوري بالمسؤولية عن التفجيرين، لكنَّ بعض مسؤولي الأمن في العاصمة العراقية سرعان ما راودهم شكٌ في أنَّ الفاعل هو خلايا تنظيم داعش النائمة التي تستهدفها الاستخبارات وقوات مكافحة الإرهاب العراقية منذ انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في الخريف.
وحتى مع اندلاع معارك ضد مقاتلي تنظيم داعش في الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية وتقع في شمال العراق، كانت بغداد خاليةً من العنف إلى حدٍ كبير. جديرٌ بالذكر أنَّ التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع صباح الإثنين، باغَتَ سُكَّان العاصمة العراقية؛ لأنهم كانوا معتادين عيش حياةٍ خالية نسبياً من الخوف، وكانوا يصحطبون أُسرهم إلى المتنزهات ومراكز التسوُّق.
جاء الهجوم بعد يومٍ واحد من إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وساسة آخرين تحالفات انتخابية متنافسة قبل الانتخابات المُقرَّر إجراؤها في شهر مايو/أيار المقبل. يُذكر أنَّ مواسم الحملات الانتخابية في العراق تشهد ترويعاً؛ بسبب الهجمات الإرهابية وغيرها من أعمال العنف منذ إطاحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في عام 2003.
ولم تتضح بعدُ كيفية تمكُّن مُنفذَي الهجوم اللذين كانا يرتديان ستراتٍ انتحارية، من دخول بغداد، أو سبب اختيارهما تنفيذ الهجوم في سوقٍ شعبية للإلكترونيات الرخيصة والملابس المُستَعمَلة.
مناطق غير آمنة
وقال الرائد محمد مُدير، وهو ضابطٌ في شرطة المرور وشاهدُ عيان على الهجوم، إنَّ الشخص الأول فجَّر عبواته الناسفة نحو الساعة السادسة صباحاً في أثناء شروق الشمس، وبينما كان عمال المياومة وأصحاب المحلات والباعة الجائلون يبدأون التجمُّع للعمل. وبعد دقائق حين هرع الناس لمساعدة الجرحى، فجَّر الشخص التاني عبواته الناسفة، وفقاً لما ذكره كاظم علي، أحد عُمَّال البناء الذين كانوا موجودين في الساحة.
وقال الطبيب عبد الغني مدير مستشفى الرصافة في بغداد، إنَّ الهجوم أسفر عن مقتل 27 شخصاً على الأقل وإصابة 60 آخرين، معظمهم في حالةٍ خطرة.
ومنذ زيادة عمليات مكافحة الإرهاب في عام 2015، أقامت قوات الأمن العراقية طوقاً أمنياً مشدداً حول بغداد؛ سعياً لمنع المتمردين ومنفذي أعمال العنف من التسلل إلى المدينة.
ولطالما كان حزام الضواحي والمزارع الواقعة غرب العاصمة موطناً لمصانع المتفجرات الخاصة بالجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، والتي ابتُليت بها العراق منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي.
وقال محمد الجويبراوي، رئيس اللجنة الأمنية في محافظة بغداد، إنَّ تلك المناطق المحيطة بالعاصمة ظلت غير آمنة، وحثَّ الحكومة على زيادة عمليات الاستخبارات حول المدينة.
وقال الجويبراوي: "لا يزال إرهابيو تنظيم داعش موجودين. وهناك أسبابٌ لما يفعلونه".
ومع أنَّ المناطق المحيطة بالعاصمة كانت آمنة نسبياً مقارنةً بالسنوات السابقة، فإن العنف لم يختفِ.
وكان أحد المتمردين قد فجَّر عبوةً ناسفة يوم السبت 13 يناير/كانون الثاني، بالقرب من موكبٍ كان يُقِلّ رئيس مجلس محافظة بغداد، مما أسفر عن إصابة 4 أفراد من قوات الأمن العراقية.
وأعلنت الشرطة العراقية وقوع عملية انتحارية في إحدى نقاط التفتيش شمال المدينة يوم السبت، أسفرت عن مصرع 5 أشخاص على الأقل.