كان تقديس الشخصيات مرادفاً لنظام الحكم الشمولي في كوريا الشمالية منذ أربعينيات القرن الماضي، فعزَّز وضع أسرة كيم، وعاقب المعارضين لها.
وقد يبدو من المثير للفضول وفق تقرير صحيفة The Independent البريطانية أنَّ نظاماً يقدس قادته بمثل تلك الطريقة، يرفض الاعتراف علناً بتاريخ ميلاد كيم جونغ أون.
ويُعتَقَد بشكل واسع أنَّ يوم الإثنين، الـ8 من شهر يناير/كانون الثاني، هو عيد ميلاد القائد الأعلى للبلاد، ومع ذلك، فليس ثمة أي ذكر لهذا التاريخ في أجندة النظام.
ويحتفل بعيد ميلاد والد كيم، كيم جونغ إيل، في الـ16 من شهر فبراير/شباط من كل عام، مع إجازة قومية- يوم النجم الساطع. وبالمثل، فإنَّ عيد ميلاد جده، كيم إيل سونغ، في الـ15 من شهر أبريل/نيسان يُمثِّل يوم الشمس. لكن لا إجازة قومية قد خُصِّصَت لأصغر زعيم حاكم.
ولم يقتصر الأمر على عدم الاعتراف العلني قط بيوم ميلاده، بل إنَّ النظام قد بدا في الماضي أنه يبذل جهوداً ضخمة لإخفاء وجود هذا اليوم.
وفي 2014 وفق الصحيفة غنَّى دينيس رودمان، نجم كرة السلة الأميركي المتقاعد، أغنية "هابي بيرث داي تو يو" لكيم، الذي كان حينها على وشك إتمام عامه الـ34، بعد مباراة كرة سلة استعراضية في بيونغ يانغ. وكان بإمكان المشاهدين من خارج كوريا الشمالية، المعروفة باسم "مملكة الراهب"، نظراً لعزلتها، أن يشاهدوا الفيديو، لكنَّ المُتفرِّجين المحليين أُخبِروا ببساطة أنَّ لاعب دوري كرة السلة الأميركية الأسبق قد "غنى له أغنية خاصة".
لماذا كل هذه السرية؟
يعتقد البعض أنَّ الغموض والسرية ربما يكونان علامة على احترام الأعضاء الأكبر من أسرة كيم.
فجميع الكوريين الشماليين يرتدون دبوساً على يسار الصدر، يحمل وجه كيم إيل سونغ، أو كيم جونغ إيل أو كليهما، علامةً على الولاء.
ويقول آيدان فوستر كارتر، الزميل الباحث الشرفي الكبير في علم الاجتماع وكوريا الحديثة بجامعة ليدز البريطانية: "ليس ثمة شك في أنه الزعيم، لكنَّ الوقت مبكرٌ للغاية من وجهة نظري. لو عاش مثل جده فربما يظل قائماً لنصف قرن آخر، لذا فالأمر جزء من مسرحية التابع المخلص هذه. وبالمثل فإنَّ صورته ليست على أية شارة، وليس ثمة تماثيل له، لذا فأنا لا أجد هذا الأمر شاذاً".
وأضاف: "أعتقد أنَّ الأمر سوف يبدو متعجلاً على نحو غير ملائم لو جعلوه محور الاهتمام منذ الآن".
ويتفق في ذلك الدكتور أوين ميللر، المحاضر في الدراسات الكورية بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن، إذ يقول: "ربما يعتبرون من المبكر أخذ تقديس شخصية كيم إلى هذا المستوى الآن.
ينبغي أن نتذكَّر أنَّ كيم جونغ إيل قد عُيِّنَ خليفةً عام 1980، وكان تقديس شخصيته قد بني قبل وقت طويل من تحوله إلى زعيم. أما كيم جونغ أون، من ناحيةٍ أخرى، فقد قدم إلى الكوريين الشماليين قبل عامين أو اثنين من تقلده الزعامة عام 2011".
سرّية النظام الشيوعي
لكنَّ السرية الغريبة وفق The Independent البريطانية تعطينا فكرةً أيضاً عن الأعمال الداخلية للنظام الشيوعي، حيث "يكشف عن أي شيء فقط بقدر الحاجة للمعرفة فحسب. لو كنت في كوريا الشمالية، فأنت تؤدي عملك فحسب لا تنظر إلى اليسار ولا إلى اليمين"، وذلك بحسب فوستر كارتر، الذي أضاف: "لا أعتقد أننا نعرف أي شيء بصورةٍ مُؤكَّدَة حول شعبيته بطريقة أو بأخرى، بخلاف أنه من الخطير للغاية انتقاده".
وتشتمل احتفالات عيد الميلاد لوالده وجده حالياً على مشاهدةٍ إجبارية لبثٍّ من الدولة يشيد بالقادة. ويحتفل الناس كذلك بعيد ميلاد كيم جونغ سوك، الجدة المتوفية لكيم جونغ أون، الذي يتزامن مع ليلة رأس السنة، من خلال الحج إلى بلدةٍ في الشمال الشرقي تدعى هويريونغ، مكان ميلاد سوك.
ومن المُتوقَّع من الكوريين الشماليين إعداد عرضٍ لإظهار احترامهم لقادتهم في كل العطلات والمناسبات الكبرى، وتفرض السلطات هذه الاحتفالات التقليدية. وقيل إنَّ النظام قد عاقب أولئك الذين لم يبكوا عند وفاة الديكتاتور كيم جونغ إيل عام 2012، وقد صدرت عقوباتٌ لا تقل عن 6 أشهر من السجن في معسكرات العمل لمن لم يحضروا احتفاليات الحداد، وفق ادعاءاتٍ قيلت وقتذاك.