في غضون ساعاتٍ من ولادتها، جذبت الطفلة أسيل، المولودة بعد 47 دقيقة من بداية عام 2018، اهتمام مدينتها، فيينا، باعتبارها "طفل العام الجديد" في العاصمة النمساوية.
لكن بدلاً من أن تحصل على التمنّيات الطيبة من المواطنين الذين قرأوا إعلان ولادتها، الذي تصدَّر الصحف النمساوية يوم رأس السنة، اِستُقبِلت الطفلة الصغيرة وعائلتها بموجةٍ من العنصرية والاشمئزاز والكراهية؛ فقط لأن الأم كانت ترتدي الحجاب.
وتُعدّ الإعلانات العامة عن "أطفال رأس السنة"، إلى جانب صور الآباء المبتهجين الذين يحملون أبناءهم الذين وُلِدوا بعد وقتٍ قصيرٍ من ليلة رأس السنة- عادةً سنوية للصحف في الدول الناطقة باللغة الألمانية.
"وُلدت الإرهابية التالية"!
وانتشرت على نطاق واسع، منذ يوم 2 يناير/كانون الثاني 2018، صورة لبعض هذه التعليقات المسيئة إلى الطفلة "أزيل"، جمعتها إحدى حركات السلام على الإنترنت تدعى "نيت بيس"، تُظهر إلى أي حد بلغت الكراهية حيال هذه الطفلة التي أبصرت النور لتوها.
وكان من بين هذه التعليقات "وُلد الإرهابي التالي"، و"هل المرأة مصابة بالسرطان؟ لماذا ترتدي الحجاب؟ لا أظن أن المكان بارد"، و"أزيلي ممسحة التنظيف عن رأسك، ليس نظيفاً! يجب أن يتم منع ارتدائه في المشفى".
فيما قال آخرون: "الأمر سيان بالنسبة لي. بالتأكيد، لن يكون آخر عثماني يُولد في فيينا"، و"آمل حدوث وفاة مفاجئة مع الطفل"، "عندما تصبح في الـ18 ستصبح إرهابية".
الجماعات المُدافِعة عن حقوق اللاجئين ودعمهم على الإنترنت، تقول إنَّها لم ترَ قط موجة كراهية مُوجَّهة ضد مولودٍ مثل الموجة التي واجهتها أسيل ووالديها، اللذين ذكرت صحيفة "Heute" النمساوية أنَّهما نعيمة وألبير تامجا.
وقال أحد المعلقين على صفحة حركة "نيت بيس"، إنه "استنكر بشدةٍ، ما تراه عيناه، إنه بالنظر إلى هذه التعليقات الموجودة في الصورة، لم يعد يستغرب المرء كيف كان رب أسرة عادي، يعمل حارساً لمعسكرات الاعتقال النازية، قادراً على ارتكاب هذه الأعمال الفظيعة"، مؤكداً أن "مثل هذه التعليقات عارٌ على كل مجتمع متحضر"، وهو الرد الذي حاز 1400 إعجاب.
وقال آخر إن ما يكتبه بعض النمساويين هنا لا يصدَّق، متسائلاً عما إذا كانت النمسا قد تحولت إلى مكان يجد فيه العنصريون والفاشيون مأوى لهم، وكيف يمكن لأحدهم كتابة تعليق سيئ عن ولادة طفل، إن لم يكن وغْداً، مضيفاً أن الطفل هو مُواطن العالم، وأنه سيُعامل بسوءٍ كلَّ من يكتب تعليقات عنصرية، داعياً إلى اختفاء العنصريين من هذا الكوكب بسرعة.
ودعا البعض إلى عدم إخفاء هويات هؤلاء الأشخاص المعلِّقين كما هو واضح في الصورة، وإلى محاسبتهم.
وذكر موقع "دير شتاندارد" أن موقع "أونتزنسوريرت"، المقرب من حزب الحرية اليميني المتطرف الذي أصبح جزءاً من الحكومة الجديدة، ويشغل رئيسُ تحريره السابق مدير الاتصالات في وزارة الداخلية- واصل التحريض أيضاً، وقال إن أول طفلة وُلدت على نطاق النمسا، هي نمساوية اسمها يوليا، في إشارة إلى طفلة وُلدت في الدقيقة الأولى من العام الجديد بمدينة ليوبن (وسط البلاد)، زاعماً أن التغلل الإسلامي في أوروبا يظهر خلال دخول عام جديد؛ لأنه كثيراً ما يكون والدا أول طفل في العام مهاجرَين مسلمَين.
مبادرة تدعو لإثبات تفوُّق الحب على الكراهية في النمسا
ودفعت هذه التعليقات الصادمة كلاوس شفرتنر، السكرتير العام لمؤسسة كاريتاس الخيرية الكاثوليكية الرومانية في فيينا، للقيام بمبادرة تضامنية مع العائلة المسلمة، إزاء الكراهية التي قُوبلت بها صورتها، فنشر يوم الخميس 4 يناير/كانون الثاني 2018، على صفحته في فيسبوك، صورة للعائلة، وتحدث عن بُعد جديد للغاية من الكراهية في الإنترنت حيال هذه المولودة البريئة التي واجهت موجة لا تصدَّق من تعليقات العنف والكراهية بعد ساعات من ولادتها.
وأكد أنه لا يريد تقبُّل الأمر على ما هو عليه، وسيجمع المباركات والكلمات الجميلة ورسائل الترحيب بالطفلة اللطيفة وعائلتها، والتي سيضعونها على منشوره، وسيطبعها ويوصلها لها، متمنياً "مطراً من الورود" للمولودة الجديدة، داعياً إلى إظهار أن الحب يتفوق على الكراهية. وحدث ما تمناه بالفعل؛ إذ تمت مشاركة المنشور قرابة 13 ألف مرة، وكُتب 24 ألف مباركة وتهنئة، وحصد 27 ألف إعجاب وتفاعل، بعد مرور يوم واحد من النشر.
وفُوجئ شفرتنر برد فعل إيجابي جداً على مبادرته، واصفاً المشاركين معه بالـ"مذهلين"، وكتب في منشور ظُهر الخميس 4 يناير/كانون الثاني 2018، إن مبادرته العفوية جاءت ليبعث برسالة مشتركة توضح أن خطاً أحمر تم تجاوزه، وأنه كان يهدف إلى إثبات تفوُّق الحب على الكراهية، وأنه كان صباح اليوم سعيداً جداً عندما وجد التفاعل الكبير معه، شاكراً المتابعين على إظهارهم أن لا محل للكراهية والعنف في بلادهم.
ونقل موقع oe24، الذي أشار إلى مشاركة السياسيين من مختلف الأحزاب والشخصيات العامة في المبادرة، عن شفرتنر توضيحه أن الكثير من الناس تواصلوا معه لمعرفة إمكانية تقديم مساعدة ملموسة.
والدة الطفلة: كلماتي لن تغير شيئاً في كاتبي منشورات الكراهية
وقالت نعيمة والدة الطفلة التي وُلدت الساعة 00.47 من اليوم الأول من العام، للموقع المذكور، عندما سئلت عن رد فعلها على منشورات الكراهية التي شاهدتها إلى جانب المباركات، قالت إن الأمر سيان بالنسبة لها؛ لأن مثل هؤلاء موجودون في كل مكان، وأنهما يضعان طفلتهما فقط في صلب اهتماماتهما.
وعما إذا كانت تريد أن توجه كلاماً لهؤلاء الناس، رفضت مبيِّنةً أنها لن تستطيع بكلماتها تغيير شيء فيهم، لافتةً إلى أنهم ليسوا حزينين بشأن ما كتبوا؛ بل يودُّون عوض ذلك توجيه الشكر للناس الذين هنَّأوهم وكتبوا تعليقات جميلة، ويبلغونهم سعادتهم بها.
وظهر والد الفتاة وهو يتحدث في فيديو على موقع فيسبوك باللغة التركية، فيما لم تُذكر جنسيته وما إذا كان يحمل الجنسية التركية فقط أم أنه نمساوي من أصول تركية.
محاولةُ ملاحقة أصحاب التعليقات قانونياً
وذكر موقع "هويته" أنه علم بورود الكثير من البلاغات الجنائية ضد أصحاب التعليقات المذكورة، وأن مركز "ضد الكراهية على الإنترنت-#GegenHassimNetz" أكد أنه يتحقق من انتهاك العديد من المنشورات فقرة التحريض في القانون.
ولفت الموقع إلى أن القانون يعاقِب بالسجن حتى سنتين المحرضين، وأن العديد من المنظمات تجمع مثل هذه التعليقات حالياً.