يبدو أن عملة البتكوين، التي لا تزال ممنوعة في كل من فنزويلا وروسيا، ستصبح هي الحل أمامهما للإفلات من العقوبات الاقتصادية التي تُفرض على البلدين، من الولايات المتحدة الأميركية. لكن هناك أمر واحد قد يفشل هذه الخطة؛ وهو رغبة كل من الدولتين في التحكم بهذه العملية التي تقوم بالأساس على عدم قدرة أي طرف على التحكم فيها.
فبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الأربعاء 3 يناير/كانون الثاني 2017، يأمل المسؤولون الروس والفنزويليون أن تساعد العملات الافتراضية بلادهما على تجنب العقوبات الأميركية.
وتتطلع الحكومتان، اللتان تطمحان إلى إصدار عملات رقمية ترعاها الدولة، إلى الاستفادة من الوعد الذي قدمته عملة البيتكوين للنظام المالي العالمي: نوع جديد من المال والبنية التحتية المالية خارج حدود سيطرة أي سلطة مركزية، ولا سيما الولايات المتحدة.
خطط غريبة
قد تبدو الخطط الروسية والفنزويلية غريبة، حتى بالنسبة إلى عالم البيتكوين المالي الجامح والمتنافسين عليه عبر الإنترنت. لكنَها في الوقت ذاته تؤكد تأثر الحكومات بجميع أنحاء العالم وإعادتها النظر في أهم العناصر الأساسية لعملاتها وبنيتها التحتية المالية بفعل ارتفاع قيمة العملات الافتراضية.
ما بدا كمفهومٍ هامشي، بدأ يحصل على مستوى معين من القبول في التمويل العالمي؛ إذ قالت العديد من أكبر البنوك المركزية بالعالم، بما في ذلك بنك إنكلترا وبنك الصين الشعبي، إنَها تبحث مسألة استخدام التكنولوجيا التي أدخلتها البيتكوين سعياً لإصدار العملات الرقمية الخاصة بها، بحسب الصحيفة الأميركية.
وفي فنزويلا، أتت الفكرة من قمة النظام السياسي؛ إذ وضع الرئيس نيكولاس مادورو خطةً الشهر الماضي لإنشاء عملة رقمية محلية باسم بترو، ستكون مشابهة للبيتكوين، ولكن يدعمها النفط والموارد الطبيعية للحكومة.
وفي روسيا، طرح المسؤولون في إدارة الرئيس فلاديمير بوتين فكرة إنشاء روبل مُشفر مثل البيتكوين.
ونقلت عدة وسائل إعلام روسية عن سيرغي غلازييف، أحد مستشاري الرئيس، الشهر الماضي، في حديثٍ عن الروبل المُشفر، قوله: "عندما يتعلق الأمر بأنواع بالغة الحساسية من أنشطة الدولة، فإنَ هذه الأداة تناسبنا للغاية. يُمكننا تسوية المدفوعات مع شركائنا التجاريين في جميع أنحاء العالم دون الاكتراث للعقوبات".
وتوقع خبراء في الاقتصاد والعملات الافتراضية أن بترو فنزويلا والروبل المُشفر الروسي لن يكون لديهما سوى احتمالاتٍ ضعيفة للعمل بالطريقة التي تنتظرها الحكومتان؛ وذلك لأنَ البيتكوين والعملات الافتراضية الأخرى هي أنظمة لا مركزية تغيب فيها القيادة، في حين أنَ الخطط الروسية والفنزويلية من شأنها إعطاء قادة البلدين قدراً من السيطرة على العملات الجديدة، بحسب الصحيفة الأميركية.
وهذا ما يتعارض مع بعض المفاهيم الأساسية للعملة الافتراضية.
ما هي الـ"بلوك تشين"؟
تُحفَظ جميع معاملات البيتكوين في سجلٍ يُعرف باسم تقنية "بلوك تشين"، التي تعمل من خلال العديد من أجهزة الكمبيوتر المستقلة. صُمِمَ هذا النظام بهذا الشكل؛ لتجنب المصارف المركزية والمؤسسات المالية الكبرى. وكما يسمح البريد الإلكتروني للرسائل بالانتقال بين الحسابات دون المرور عبر خدمة بريد مركزية، فإنَ شبكة الكمبيوتر التي تحافظ على معاملات البيتكوين تسمح للأموال بالتحرك دون المرور بأي سلطة مركزية.
ومن شأن ذلك توفير وسيلة جيدة للتغلب على العقوبات، التي عادة ما تُنفَذ من خلال قواعد تنظيمية ومصرفية تتطلب الإفصاح عن المعاملات.
لكنَ بعض المصرفيين يرون إنَ إصدار عملاتهم الخاصة من خلال تقنية "بلوك تشين"، يُمكن أن يُسهل على المواطنين استخدام الأموال دون المرور عبر وسطاء مثل البنوك وشركات بطاقات الائتمان. ويمكن أيضاً أن يجعل السجلات أكثر قدرة على مقاومة التلاعب والقرصنة، بحسب الصحيفة الأميركية.
وطرح مادورو هذه الفكرة، في 3 ديسمبر/كانون الأول، في الموعد المنتظم لبرنامجه التلفزيوني كل أحد. وقال إنَه كان يتابع ما يُطلَق عليه العملات الرقمية، ووضع خططاً لإنشاء عملة بترو التى سيدعمها احتياطى البلاد من الذهب والنفط والغاز والماس.
وأضاف: "من أجل التغلب على الحصار المالي، سيسمح لنا ذلك بالتحرك نحو أشكالٍ جديدة من التمويل الدولي".
ومنذ ذلك الحين، أنشأت الحكومة مكتباً للعملات الرقمية، وعينت مسؤولين لتولي العملية.
ومن المقرر أن تدخل عملة البترو إلى تقنية بلوك تشين كما هو حال البيتكوين، ولكن ستستمد قيمتها من الموارد الطبيعية للحكومة، بحسب الصحيفة الأميركية.
ويمكن أن تكون الصلة بين عملة البترو والموارد الطبيعية مشابهة للدعم الذي قدمه الذهب لمعظم العملات الدولية منذ قرنٍ مضى. وقد يؤدي الدعم إلى مواجهة التضخم الشديد الذي شهدته العملة الفنزويلية الحقيقية "البوليفار" في السنوات الأخيرة؛ بسبب توسع الحكومة الجامح في المعروض النقدي.
وتتناسب جرأة خطة البترو مع الوضع الاقتصادي البائس في فنزويلا، والذي جعل المسؤولين يبحثون عن أي شيءٍ قد يُعالجه.
وقال خوسيه أنخيل الفاريز رئيس الرابطة الوطنية للعملات الافتراضية "أسوناكريب" التي تعمل مع الحكومة على مشروع عملة البترو: "البلاد تمر بأزمة اجتماعية. فكيف يُمكننا بناء الثقة؟ أو تكنولوجيا مفتوحة وقواعد واضحة تلبي خصائص عملة مُشفرة مثل اللامركزية".
وقال ألفاريز إنَه يتوقع أن تجري أول عملية بيع للنفط باستخدام البترو في النصف الأول من عام 2018.
قد تكون فكرة غير جذابة
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن العلاقة بين العملة والاحتياطي النفطي للحكومة قد تجعلها غير جذابة للمستثمرين؛ نظراً إلى عدم الثقة التي أظهرها المستثمرون في حكومة مادورو.
ويُذكر أنَ هناك قدراً من السخرية من اهتمام الحكومة بالعملة الافتراضية. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أظهر الفنزويليون اهتماماً متزايداً بالعملات الافتراضية كوسيلة للهروب من حكومة مادورو.
إذ يستخدم الفنزويليون سوقاً إلكترونية تُعرَف باسم "لوكال بيتكوينز" كنافذة لشراء العملات الرقمية وعدم التعامل بـ"البوليفار"، الذي فقدْ قيمته باطراد بسبب التضخم الشديد. ووفقاً لشركة تشيناليسيس لتحليل البيانات، ارتفع هذا العام عدد المعاملات في فنزويلا بهذه السوق المحلية إلى 10 أضعاف.
ولم تكن الحكومة الفنزويلية مرحِبةً على الإطلاق بهذا النوع من النشاط في تداول العملة الافتراضية.
وقال راندي بريتو مؤسس مجموعة على الفيسبوك تُعرف باسم "بيتكوين فنزويلا"، إنَه في ديسمبر/كانون الأول، كانت هناك ما بين 10 و20 حالة اعتقال بسبب أنشطة متعلقة بالعملات الرقمية، أي أكثر من ضعف الحالات التي شهدها هذا العام حتى الآن.
وفي معظم الحالات، يُجرِم القانون شراء أي نوع من العملات الأجنبية في فنزويلا، ما يمنع السكان من إرسال جميع أموالهم إلى خارج البلاد.
روسيا والبيتكوين
لم تتساهل الحكومة الروسية كذلك مع استخدام مواطنيها البيتكوين والعملات الافتراضية الأخرى. ففي حين ظلت سياسات الحكومة غامضة، تحدث مسؤولون من البنك المركزي الروسي عن منع وصول المواطنين داخل البلاد إلى مواقع العملة الافتراضية، وأشار بوتين إلى العديد من الاستخدامات غير المشروعة المحتملة لهذه التكنولوجيا، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال بوتين فى أكتوبر/تشرين الأول: "أولاً وقبل كل شيء، هذه المسألة تُمثل فرصةً لغسل أموال المكاسب غير المشروعة والتهرب الضريبي وحتى تمويل الإرهاب، فضلاً عن انتشار عمليات النصب التى يمكن أن يقع الناس العاديون ضحيةً لها".
بيد أنَ بوتين أشار إلى أنَه منفتح للاستخدامات المحتملة للتكنولوجيا التي ستكون تحت سيطرته. وفي يونيو/حزيران، اجتمع بوتين في محادثةٍ علنية مع فيتاليك بوتيرين، الذي أنشأ واحدة من كُبريات شبكات العملات الافتراضية، وهي الإيثريوم. يحمل بوتيرين الجنسيتين الكندية والروسية، ونشأ في كندا.
ولمح عدد من المسؤولين في البنك المركزي ووزارة الاتصالات إلى إنشاء نوعٍ من الروبل المُشفر.
وتبدو الجهود المبذولة في روسيا أقل إلحاحاً بكثير من تلك الجهود المبذولة بفنزويلا؛ وذلك لأن الاقتصاد الروسي أفضل بكثير من نظيره الفنزويلي. بيد أن القادة هناك يبحثون على نطاقٍ واسع عن أى طريق لمواجهة العقوبات الأميركية.
وقال نيكولاي نيكيفوروف وزير الاتصالات الروسي، في أكتوبر/تشرين الأول، إنَ الروبل المُشفر سيُصمم بشكلٍ مختلف تماماً عن البيتكوين، دون الحاجة لعملية التعدين التي خرج من خلالها البيتكوين إلى العالم.
ومن شأن هذه العملة أن تجعل من السهل على الحكومة تتبُع المعاملات وفرض ضرائب عليها، وهي الميزة التي تتحدث عنها بلدانٌ أخرى أيضاً.
تُدرك السلطات في الولايات المتحدة منذ زمن طويل، أنَ العملات الافتراضية قد تُستخدم للتهرب من العقوبات. وفي عام 2014، قال ديفيد كوهين المسؤول في وزارة المالية المختص بقضايا الإرهاب والاستخبارات المالية، إن السلطات الأميركية لم ترَ أي جهودٍ واسعة النطاق للتغلب على العقوبات من خلال عملاتٍ افتراضية.
لكنه أضاف: "هم (من فُرِضَت عليهم العقوبات) يمكنهم التكيف وينجذبون إلى المساحات غير المحكومة؛ ولذلك ينظر الكثيرون بشكلٍ متزايد إلى هذه التكنولوجيا كوسيلة جذابة لنقل القيمة".