بعد أطول ناطحة سحاب، وأضخم مركز تسوق، وأطول نظام قطارات بلا سائقين في العالم، أضافت دبي مَعلماً آخر مبالغ فيه إلى تلك القائمة في الأسبوع الجاري، وأصبح يُمكنها حالياً أن تتباهى بجميع الجوائز العالمية للأرقام القياسية التي حطمتها بإنشاء أكبر برواز في العالم. لكن الفرصة قد لا تدوم طويلاً، إذ أثار البرواز جدلاً كبيراً.
تم افتتاح برواز دبي البالغ ارتفاعه 150 متراً والمُرصَّع بزخارف ذهبية متلألئة تحت أشعة الشمس الصحراوية فوق حديقة زعبيل، بعد عشر سنواتٍ تقريباً من تصميمه، بحسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
أكبر مبنى مسروق
صار البرواز بالفعل خلفيةً شعبية لالتقاط صور السيلفي، وقدَّم مكاناً جذَّاباً لعددٍ لا يُحصى من الأزواج لالتقاط صور رومانسية في حديقة زعبيل دون الحاجة إلى إجراء تعديلاتٍ عليها، إلا أن الإطار المكوَّن من 50 طابقاً قد يكون أطول بروازٍ في العالم، ولكنَّ المهندس الذي صمَّمه يريد إضافة لقبٍ آخر له، فبالنسبة له: هذا أكبر مبنى مسروق على مرِّ التاريخ.
إذ قال فرناندو دونيس، المهندس المعماري المكسيكي: "أخذوا مشروعي، غيروا التصميم وأنشأوه من دوني". كان مقترح دونيس لإنشاء البرواز قد فاز في مسابقةٍ دولية في عام 2008 من أجل تصميم "شعار هيكلي شاهق للترويج لوجه دبي الجديد".
يُذكَر أنَّ هذه المسابقة -التي نظَّمتها شركة تيسين جروب الألمانية للمصاعد بالتعاون مع الاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين التابع لمنظمة اليونسكو الذي نظَّم مسابقاتٍ لتصميم دار أوبرا سيدني ومركز بومبيدو في العاصمة الفرنسية باريس- تلقَّت أكثر من 900 مشاركٍ من جميع أنحاء العالم.
وتساءل البعض عن مدى الحاجة إلى شعارٍ شاهق آخر في ظل اشتهار دبي باحتضان مجموعةٍ كبيرة من المباني الزجاجية العاكسة، بدءاً من برج خليفة الشاهق، ومروراً بنسخةٍ ذهبية من مبنى كرايسلر في مدينة نيويورك الأميركية، وحتى أبراجٍ متوَّجة بأهرامٍ وقمم حلزونية وكروية. وفي هذه العاصمة العالمية للمباني الشهيرة، تمثَّل التحدي في بناء نوعٍ جديد من المعالم يبرز وسط هذا الحشد من المعالم الأخرى.
وكان دونيس في وضعٍ جيد يمكنه من المنافسة على الفوز. فبينما كان يعمل لدى المهندس المعماري الهولندي ريم كولهاس في شركة OMA للإنشاءات المعمارية في مدينة روتردام الهولندية، صمَّم عدداً من المشروعات "غير النمطية" لدبي، من بينها مخططٌ لم يُنفَّذ لمبنى مستطيل أبيض شفاف مكوَّن من كتلة واحدة يحمل اسم "النهضة".
وارتقى دونيس بمستوى مسابقة عام 2008، إذ قال: "بدلاً من بناء مبنى ضخم آخر، اقترحتُ بناء هيكل مُفرَّغ، شيءٌ من شأنه أن يُحيط بجميع المعالم الأخرى".
ومثَّل تصميمه الفائز الذي صُمِّم في ذروة الجنون المعماري في دبي -ووصل إلى درجة بيع جزر العالم عشية الأزمة المالية العالمية- مزيجاً صاعقاً من البراعة والبساطة.
إذ كان عبارة عن إطارٍ أبيض رقيق بصورةٍ لا تُصدَّق، يقف وسط المباني الشاهقة الجديدة الأخرى المحيطة به المتنافرة في تصميماتها، ولكنَّه يحتويها كلها. لقد تميَّز بالوضوح الصارخ الذي اتسمت به إحدى منحوتات الفنان الأميركي سول لويت، التي كانت عبارة عن إطارٍ بلا طبقةٍ خارجية مُثبَّت في خرسانةٍ وصُلب يُمكن رؤيته بمناظر مختلفة من زوايا مختلفة للرؤية في جميع أنحاء المدينة.
وحصل المهندس المعماري على جائزته البالغة 100 ألف دولار، ونُقِل إلى دبي جواً لتكريمه في مأدبة عشاء مع ولي العهد، لكنَّه قال إنَّه تلقَّى بعد ذلك بوقتٍ قصير عقداً من بلدية دبي قلَّص مشاركته في المشروع إلى مجرد دورٍ استشاري.
وطالبه العقد بتسليم حقوق الملكية الفكرية الخاصة به، وعدم زيارة موقع البناء أبداً، وعدم الترويج للمشروع على أنَّه عملٌ من تصميمه، بينما يحق للبلدية إنهاء الاتفاق في أي وقت.
غطرسة شديدة
وأضاف دونيس أنَّه رفض التوقيع على العقد، ولذلك، تعاقدوا مع شركة هايدر الاستشارية البريطانية التابعة لشركة أركاديس الهندسية العملاقة الهولندية، ومضوا قدماً في المشروع من دونه.
وقال إدوارد كلاريس المحامي المقيم في نيويورك الذي رفع دعوى قضائية موكَّلاً عن دونيس في المحكمة الفيدرالية الأميركية في العام الماضي 2017: "هذا نوعٌ من الغطرسة الشديدة، فدولة الإمارات تُصوِّر نفسها على أنَّها دولةٌ تحترم الملكية الفكرية، ولكنَّها تنتهك حقوق النشر والملكية انتهاكاً صارخاً. فالنظام القضائي في دبي يجعل مقاضاة البلدية أمراً مستحيلاً ما لم تمنحك البلدية حق مقاضاتها. إنَّهم يمنحون أنفسهم حصانةً سيادية ضد أي دعوى قضائية".
ويذكر أنَّ صحيفة الغارديان البريطانية اتصلت بالبلدية عدة مرات في العام الماضي، لكنَّها رفضت التعليق حتى الآن، ولم تسمح لأحد كذلك بدخول الموقع.
وقالت شركة تيسين جروب (التي نظمت المسابقة) في رسالةٍ إلى دونيس إنَّ هذا الوضع يُعتّبر "خلافاً تجارياً"، وأنَّ الشركة "لا يحق لها التدخُّل في الأمر".
بينما قال الاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين في تصريحٍ لصحيفة الغارديان: "جميع المسابقات التي يُقرُّها الاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين مُطالَبةٌ بالالتزام بالمبادئ المنصوص عليها في لوائح اليونسكو (التي تحمي حقوق الملكية الفكرية). ومع ذلك، لا يستطيع الاتحاد التدخُّل قانونياً في أي أحداث تلي المسابقة".
ولم يعُد دونيس إلى دبي، ويعمل الآن في إنشاء عددٍ من ناطحات السحاب في جميع أنحاء المكسيك، ولكنَّه يتابع التقدُّم في بناء البرواز عبر الشبكات الاجتماعية.
وقال دونيس: "من الرائع رؤية المشروع يتحقق. ويبدو أنَّه يستغل أفق المدينة كما اقترحنا تماماً. بالطبع كنا نودُّ أن يكون أكثر دقةً بكثير من ذلك، وبقدرٍ أقل من الزخارف، لكنَّ نتيجته جاءت كما أردت بالضبط. كنت أودُّ فقط أن أكون جزءاً منه".
رحلة الزوار داخل المعلم
ويجري استقبال زوار هذا المعلم في معرضٍ غامر للتاريخ الإماراتي، مقابل 50 درهماً إماراتياً (نحو 13 دولاراً أميركياً)، قبل أن يستقلوا مصعداً إلى صالة عرض طولها 93 متراً في الجزء العلوي من البرواز، حيث يمكنهم السير على ممر منحدر ذي أرضيةٍ زجاجية، والاستمتاع بمناظر مدينة ديرة القديمة في شمال دبي، والأبراج المتمايلة على جانبي طريق الشيخ زايد جهة الجنوب.
ثم ينتقل الزوار عبر نفقٍ شبيه بـ"بالدوامة" مضاء بأضواء النيون إلى معرضٍ تفاعلي عن مستقبل دبي، مزوِّد بشاشات تعمل بتقنية الواقع المعزز تعرض لمحاتٍ عن شكل مدينة دبي المتوقَّع بعد 50 عاماً من الآن. ويُبدو كل ذلك كأنَّه جناحٌ من معرض "إكسبو" الدولي، وهذا تشبيهٌ مناسب في ظل اكتساء المبنى بزخارف ذهبية تحمل شعار معرض "إكسبو 2020" الذي ستستضيفه دبي، مما يجعله أشبه بلوحةٍ مكوَّنة من 50 طابقاً للمعرض المذهل القادم.
ويُمثِّل البرواز أحد أكثر المعالم سرياليةً في سماء دبي المكتظة بالمعالم الأخرى في السنوات الأخيرة، إذ يظهر كمستطيلٍ أجوف رقيق قابل للرؤية من على بعد أميال، مثل إطارٍ في انتظار محتواه.
ويُصعِّب شكله المستطيلي الرقيق تمييز حجمه. فمن بعض الزوايا، يبدو كلوحة إعلانات على جانب الطريق مُفرَّغةٍ من إعلانها، بينما يبدو من زوايا أخرى كنسخةٍ ضخمة من قوس النصر مزخرفةٍ إلى أقصى درجة. هذا بينما بدا للبعض كهيكل سقَّالات لبعض الوقت، وتسائل بعض السكان المحليين عن موعد اكتمال بنائه وإنشاء الطوابق.