ماذا تفعل قطر في غرب إفريقيا؟ الدوحة تتحدى محاولات دول الحصار لتقليص نفوذها في المجتمع الدولي

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/26 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/26 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش

لطالما كانت إفريقيا، جنوب الصحراء، مجالاً حصرياً للدبلوماسية الفرنسية. وقد صمدت العلاقات بين القوة الاستعمارية السابقة وبلدان المنطقة التي تُعَد جزءاً من مصطلح "فرنسا/إفريقيا" (Francafrique)، وحصلت باريس، مستفيدةً من الدعم القوي من القادة الأفارقة على نصيب الأسد، من الأسواق الجديدة التي افتُتِحَت حين بدأت بلدان فرنسا/إفريقيا عملية إعادة البناء.

قارة مرغوبة للغاية


مع ذلك، قُوِّضَت علاقة ما بعد الاستعمار هذه في السنوات الأخيرة من جانب قوى عالمية أخرى، اكتشفت إمكانات تغيير اللعبة في إفريقيا. فزادت كلٌّ من الولايات المتحدة والصين حضورهما بقوة في القارة منذ منتصف التسعينيات، بل وأزاحتا فرنسا من مكانها كأكبر شريكٍ تجاري وحليفٍ عسكري في مناطق معينة، وفق ما ذكر موقع ميدل إيست آي البريطاني.

لكن لطالما نظر العرب إلى إفريقيا باعتبارها قارة قليلة القيمة. فقط المغرب، والسعودية، وليبيا في عهد الراحل معمر القذافي، يمكن اعتبارها من بين الحكومات العربية القليلة التي طوَّرت شراكاتٍ قوية في إفريقيا، الأمر الذي منحهم الفرصة لتوسيع مجال نفوذهم، دبلوماسياً وأيديولوجياً.

وإلى حدٍّ ما، لا بد من النظر إلى جولة أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في مثل هذا السياق. فمنذ حكم الشيخ حمد، بذلت قطر جهوداً كبيرة لتطوير حضورها في إفريقيا. وأصبح انخراط الدوحة هناك ملحوظاً بشكلٍ خاص، عندما كانت القارة المُمزَّقة بفعل الأزمات بحاجةٍ إلى وسطاء سلام.

منذ العقد الأول من الألفية الجديدة، كانت قطر فاعلاً نشطاً في مختلف مفاوضات السلام، سواء كان ذلك في تسوية الخلافات بين إرتريا وجيبوتي، أو تلك التي تقع ضمن نطاق "اتفاق سلام دارفور"، الذي كان يهدف لوضع حدٍّ للحرب الأهلية المُروِّعة في السودان.

وإلى جانب تلك الجهود الدبلوماسية، كانت الدوحة تسعى للحصول على شركاء اقتصاديين في إفريقيا، لتوفير فرص التنمية والاستحواذات لصندوق ثروتها السيادية الطموح، جهاز قطر للاستثمار.

وباحتياطاتٍ تُقدَّر بـ300 مليار دولار تقريباً، استثمر الجهاز بكثافة في قطاع الزراعة، إذ ترى الدوحة أنَّ أراضي إفريقيا الغنية والصالحة للزراعة هي الحل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء.

وبالمثل، ركَّز جهاز قطر للاستثمار على الفرص الصناعية الممكنة في بعض المناطق. ووقَّع بالفعل عقوداً مع بلدان، من بينها كينيا وإثيوبيا، في ضوء تطوير المناطق ذات الإمكانات السوقية القوية مثل مواقع الاستجمام والترفيه الشاطئية والرياضية، كما يتَّضح من الإعلانات المنتظمة لشركة الخطوط الجوية القطرية عن رحلات ترانزيت إلى مدن في مختلف أنحاء القارة.

زيارة رمزية


لكنَّ زيارة الأمير تميم تبحث عمَّا هو أكثر من تمديد أجل سياسات الشراكة المشتركة التي طبَّقها والده. إنَّه يتطلَّع إلى حلفاء سياسيين لمواجهة الخلاف الذي يضع قطر في مواجهة جيرانها من الدول الخليجية. وتُعَد جولة الأمير التي شملت ستة من بلدان غرب إفريقيا هي ثالث جولة دبلوماسية كبرى يقوم بها منذ الصيف الماضي.

فبعد زياراتٍ رسمية إلى تركيا، وألمانيا، وفرنسا، في سبتمبر/أيلول الماضي، وإلى عددٍ من الدول في آسيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تؤكد الجولة الحالية أنَّ قطر لم تتعرَّض لعجزٍ مالي جرَّاء المقاطعة المستمرة منذ ستة أشهر.

وتهدف الجولة لإظهار قدرة الدوحة على منع منافسيها من تقليص نفوذها في المجتمع الدولي. وتحمل الزيارة رمزية أكثر في أنَّ البلدان التي شملها مسار جولة الأمير هي في العموم متماشية مع مواقف السعودية.

وفي يونيو/حزيران الماضي، هدَّدت الرياض، التي كانت مُصمِّمة على حشد دعم أكبر عدد ممكن من الحكومات لفرض مقاطعةٍ اقتصادية على قطر، بتقليص المساعدات المُقدَّمة لبلدانٍ إفريقية معينة -بل وألمحت حتى إلى إمكانية استخدام تأشيرات الحج للابتزاز- من أجل إجبار تلك البلدان على قطع العلاقات مع الدوحة.

وقد اقتفت السنغال أثرها، في مطلع يونيو/حزيران، فاستدعت سفيرها لدى الدوحة في ضوء زيارة وشيكة للعاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، الأمر الذي يُظهِر انحيازاً واضحاً للسعوديين. لكنَّ قطر ضاعفت جهودها الدبلوماسية مؤخراً، واضعةً نصب عينيها تجديد العلاقات مع أحد اللاعبين الرئيسيين في إفريقيا جنوب الصحراء.

وأخيراً، تُعَد جولة الأمير التي تشمل ستة بلدان، والتي يُتوقَّع أن يزور خلالها مالي، وغانا، وغينيا، وبوركينافاسو، تعد جزءاً من توجُّهٍ للدوحة من أجل فتح أسواق في بلدانٍ تتمتَّع بإمكاناتٍ اقتصادية قوية.

فاعلٌ دولي


لم تعد إفريقيا أرضاً موصومة بالركود والتهميش بعد الآن. ومع أنَّه ما زال هناك الكثير لفعله فيما يتعلَّق بالتنمية، فإنَّ الكثير من المراقبين يقولون إنَّ القارة قد تصبح "أرض الذهب الجديدة". ولتنظروا، على سبيل المثال، إلى معدلات النمو الديموغرافي والاقتصادي التي ستجعل بعض الدول، مثل نيجيريا وإثيوبيا، عمالقة في المستقبل.

أخيراً وليس آخراً، تسعى قطر للحصول على دعمٍ استراتيجي في محاولتها لمنح صورتها كفاعلٍ دوليّ ملتزمٍ بقوة بمحاربة تمويل الإرهاب مصداقية.

وكانت المحطة الثانية من الجولة مهمة في هذا الإطار، إذ تقول قطر إنَّها مستعدة لتوقيع اتفاق تعاونٍ أمني مع مالي لتوفير الحاجة المُلِحة للمراقبة والدعم العسكري، والمساعدة المالية في معركة مالي ضد انتشار التنظيمات الإرهابية.

وبالنظر إلى بعض الادعاءات التي تناقلتها وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، حول ما يُسمَّى بموقف الدوحة المُلتبِس بشأن عددٍ من المجموعات المتطرفة، فإنَّ هذه النقطة الأخيرة ستُمثِّل نجاحاً.

تحميل المزيد