إن ما آلت إليه الأمور على المستوى الإقليمي والدولي من مآلات، والتي كشفت بدورها بشكل لا يقبل الشك عن رغبة ونية الإدارة الأميركية وحلفائها تصفية القضية الفلسطينية، عبر تضييع الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وقتل حلمه بالحرية والاستقلال، وبالنتيجة إبقاؤه في حالة العبودية المستمرة لسنوات قادمة، أمر يفرض على الأحرار تبنّي مشروع وطني شامل لمواجهة هذا المشروع الاحتلالي الظالم.
توجب المسؤولية الأخلاقية والوطنية علينا الْيَوْمَ تسمية الأمور بمسمياتها، حتى لا نسمح باجترار حالة التيه والضياع التي وضعنا أنفسنا بها، بقبولنا بقيادة تائهة ليس لها القدرة على مواجهة الاحتلال وداعميه أولاً، ولا شرعية لها تضمن استنهاض الهمم لتثبيت الحق الفلسطيني، وتعزيز صمود الشعب في مواجهة الظلم والطغيان ثانياً.
في هذا المقام لا بد من التذكير بأن السلطة الوطنية الفلسطينية هي نتاج عملية السلام -أوسلو- التي وافقت عليها في حينها منظمة التحرير الفلسطينية، بالرغم من اعتراض جزء واسع من الشعب الفلسطيني عليها، حتى الانتخابات التي جاءت بموجب أوسلو لسلطة الحكم الذاتي -السلطة الوطنية- كانت بطلب إسرائيلي، فالمشروع الجديد كان بحاجة إلى أدوات فاعلة تضمن نقل علاقات القوة واحتكارها بيد أصحاب المشروع وحدهم؛ لتصبح السلطة مقابلاً للحق الفلسطيني.
إن ادعاء أصحاب أوسلو أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في محاولة منهم لاحتكار الشرعية، وادعائهم أن دخول المعارضين في الانتخابات التشريعية المنضوية تحت أوسلو أعطاهم شرعية الشعب لاحقاً مرة أخرى.
الآن بإمكاننا الرد بأنه لا يوجد أساس واحد شرعياً كان أم قانونياً لمن يمثل الشعب الفلسطيني، هم مفروضون على الشعب بمنطق القوة ليس أكثر، يتصرفون كأوصياء على الشعب بحكم السلطة ليس إلا.
إن البداية التي يجب أن يبدأ منها الشعب الآن تكمن في إزاحة من أوصله إلى هذه الحالة، بتعمده غياب المشروع الوطني الجامع للكل الفلسطيني، وتبنيه أدوات غير فاعلة في مواجهة الفعل العدائي المنظّم ضده، والذي يهدف إلى مسح الشعب الفلسطيني وقضيته من التاريخ.
يذكرنا التاريخ أن القوي يتصرف ضمن إمكانياته، بينما الضعيف يعاني مما يفرض عليه، أما فطرة الإنسان السليم فتدعوه لمقاومة الظلم الواقع عليه؛ لذلك لا مكان اليوم للمنبطحين والمنهزمين بين هذا الشعب، وبالضرورة لا مكان لهم في قيادة هذا الشعب المناضل لأجل حريته والمدافع عن أرضه ومقدساته.
لا خيار اليوم أمام هذا الشعب المناضل إلا أن يفتت شعاراته ويحولها إلى مشروع وطني واحد، أو أن يهرب من معركة فُرضت عليه تهدف إلى مسحه وسحقه وتمييع قضيته العادلة المحقة.
السؤال الآن: كيف للشعب أن يطرح بديلاً حراً ومخلصاً ليمثل قضيته العادلة ويدعمها كل أحرار العالم؟
إن الفرض الشرعي والواجب الوطني اليوم على كل مَن يجد بنفسه القدرة على رفض الواقع، ويجد نفسه مؤهلاً لجمع الشمل بطرح مشروع وطني للقضية أن يقدم نفسه بديلاً عن قيادة هرمة لم تعرف سوى الانبطاح والانهزام؛ ليسد الطريق أمامها؛ كي لا تقدم مشروعاً انهزامياً آخر بشكل مختلف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.