بدأت القيادة الفلسطينية بإجراءات عملية للرد على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مستفيدة من حالة العزلة الدولية التي واجهت القرار الأميركي.
فبالتزامن مع الحراك العربي والإسلامي في المحافل الدولية، يقوم المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس بجولة دولية مهمة، لكل من الصين وروسيا، تبدو أنها محاولة من رام الله لسحب البساط من تحت واشنطن، وتجريدها من الانفراد الذي تتمتع به في إدارة عملية السلام.
خطوات واشنطن التصعيدية قد تزيد من إصرار القيادة الفلسطينية على مواقفها المعارضة للقرار الأميركي، بل قد تجعلها تذهب إلى أبعد من ذلك، فنبيل شعث المتواجد حالياً بموسكو شدد مرة أخرى خلال اجتماعه أمس الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، بوزير الخارجية الروسي أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تستمر في إدارة عملية السلام، بعد قرار الرئيس دونالد ترمب اعتبار القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، واستخدامها بعد ذلك الفيتو لإسقاط مشروع قرار عربي في مجلس الأمن الدولي يرفض المساس بوضع القدس.
شعث وأثناء اجتماعه الثلاثاء مع سيرغي لافروف، ترك الباب موارباً بعض الشيء، عندما أوضح أن هناك إمكانية لأن تكون واشنطن جزءاً من صيغة جديدة للتسوية في الشرق الأوسط، دون السماح لها بأن تكون المشارك الوحيد في هذه العملية.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان قد أكد عقب قرار ترمب في السادس من الشهر الجاري، وبعد الفيتو الأميركي أمس الأول الإثنين، أن الفلسطينيين لم يعودوا يقبلون بأن تكون الولايات المتحدة وسيطاً في عملية التسوية المتوقفة منذ ما يقرب من أربع سنوات. كما أن عباس رفض استقبال مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي الذي سيزور مصر وإسرائيل منتصف الشهر المقبل.
دعم روسي
الوزير الروسي أكد لشعث أن بلاده ستقوم بكل ما يلزم لإعادة الوضع بشأن القدس إلى "مجرى بناء"، مشدداً أن بلاده تؤيد بدء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس قرارات الأمم المتحدة، وهو ما تطالب به السلطة الفلسطينية.
هذا الموقف قد يحمل استجابة مبدئية من روسيا، للعب دور مهم في عملية السلام، وهو ما أكده مصدر دبلوماسي فلسطيني بأن موسكو أبدت "استجابة حقيقية" لهذا الأمر.
ويعطي توسع الدور الذي تلعبه روسيا في الشرق الأوسط، والتراجع الملحوظ للدور الأميركي في المنطقة، خاصة في سوريا، روسيا زخماً قوياً ودافعاً لتدخل ملفاً مركزياً مهماً من قضايا الشرق الأوسط الرئيسية، وهي القضية الفلسطينية.
وكانت روسيا انتقدت الفيتو الأميركي ضد مشروع القرار الذي يدعو لرفض قرار ترامب بشأن القدس، كما انتقدت قرار ترامب نفسه.
الموقف الصيني
أما الوجهة الثانية لشعث بعد موسكو فستكون إلى الصين، وتحمل نفس الهدف وتسعى لتغذية الفكرة بإدخال فاعلين دوليين آخرين لعملية السلام.
وأكد مستشار عباس أن الصين أعلنت استعدادها للمشاركة في عملية السلام، مشيراً إلى أنها تقف إلى جانب الحقوق الفلسطينية.
موقف بكين الذي أبدته حول قرار ترامب يصب في مصلحة المواقف الفلسطينية، فقد أكدت أن حسم قضية وضع مدينة القدس، يجب أن يتم عبر الحوار وفق ما أجمع عليه المجتمع الدولي، مجددة دعمها لاستئناف المفاوضات في أقرب وقت ممكن.
وعلى الرغم من غياب الصين عن الساحة في الشرق الأوسط، إلا أن لجوء السلطة الفلسطينية لها يُذكّر بمبادرتها التي قامت بها عام 2013، وقدمت رؤية من 4 نقاط لتسوية القضية الفلسطينية، تتركز حول قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والتمسك بخيار المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، باعتباره الطريق الوحيد الذي من شأنه أن يؤدي إلى السلام والاستقرار في المنطقة.
العلاقة مع إسرائيل
تبدو هذه المواقف الصادرة من روسيا والصين داعمة للموقف الفلسطيني، لكن هذا الأمر لا يخفي عمق العلاقة التي تربط إسرائيل بروسيا والصين على حد سواء.
فالتنسيق الأمني والعسكري بين تل أبيب وموسكو كان واضحاً في الأزمة السورية، كما أن العلاقة الحميمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كانت حاضرة أيضاً.
أما بالنسبة للصين، فالزيارة التي قام بها نتنياهو مطلع العام الجاري، تعكس عمق وتاريخ العلاقة بين البلدين، فقد وصفتها تل أبيب بالتاريخية، وقام نتنياهو خلالها بإحياء الذكرى الـ25 للعلاقات الدبلوماسية بين بكين وتل أبيب.
كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الصين هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا، وثالث أكبر شريك لها على مستوى العالم، بحجم تبادل تجاري يصل إلى 11 مليار دولار.
هذه التشابكات الاقتصادية والعسكرية ربما تضعف بعض الشيء من قدرة كل من الصين وروسيا، للعب دور فاعل كوسيط لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كما سيظل هناك تحد آخر يرتبط بمدى قبول تل أبيب بدخول وسطاء جدد للتعامل مع الملف الفلسطيني، ومدى استعدادها للتخلي عن أميركا حليفتها التاريخية.