في ديسمبر/كانون الأول الجاري، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جولةً على حلفائه الجدد في الشرق الأوسط، في وقت كشفت فيه خطط السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة فشلاً صبّ على ما يبدو في مصلحة موسكو في نهاية الأمر.
ويقول إيان ماكريدي وهو مسؤول رفيع سابق في وزارة الخارجية البريطانية، في مقال له بصحيفة Fair Observer الأميركية، إن الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط تتسم لأبعد حدٍ بأنَّها أكثر إدراكاً ونجاحاً مقارنةً بالجهود الأميركية غير المترابطة. وتُعَد زيارة بوتين الأخيرة مثالاً جيداً على النفوذ الروسي الآخذ بالاتساع في المنطقة.
ففي مصر وقَّع وزيران مصري وروسي اتفاقاً تبلغ قيمته 21 مليار دولار لتمويل وبناء محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر. واتفق بوتين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيضاً على العمل من أجل إعادة بناء العلاقات الاقتصادية والعسكرية على النحو الذي كانت عليه في الحقبة السوفييتية. ويرى السيسي أنَّ قوة التحالف مع الولايات المتحدة لا يمكن التعويل عليها، حسب قوله.
وفي سوريا، كان الدعم الروسي حاسماً لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والمعارضة الجهادية الأخرى، وعزَّز نفوذها هناك لمدة جيلٍ قادم.
وتزدهر العلاقات الروسية – الإيرانية من جديد في التجارة، والطاقة، والتعاون العسكري. وحتى في البلدان العربية السُنّيّة المُنتِجة للنفط كالسعودية والإمارات وقطر، ساعد النفوذ الروسي الآخذ بالاتساع، ومن خلال توافق المصالح، في الحد من إمدادات النفط والحفاظ على أسعار الطاقة مرتفعةً.
ويقول المسؤول بوزارة الخارجية البريطانية، إن كل هذا يحصل على النقيض من السياسة الأميركية، التي كانت تنافس في أسواق الطاقة من أجل تخفيض الأسعار وإنهاء وضعية الولايات المتحدة كسوقٍ لنفط الشرق الأوسط.
وعلاوة على ذلك، بذل الرئيس دونالد ترامب جهداً كبيراً للإساءة إلى مشاعر المسلمين في مختلف أنحاء المنطقة عن طريق حظر السفر الطائش الذي فرضه، والخطاب المشحون طائفياً والاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل.
أمَّا المبادرات الأخرى الوحيدة التي جاء بها ترامب فهي تشجيع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على إدخال بلاده في تحالفٍ مع إسرائيل ضد إيران، وخوض حربٍ بالوكالة في اليمن، والتخلِّي عن كل الدعم الاقتصادي والسياسي للفلسطينيين، وفق قوله.
ويتابع: "كان الإنجاز الإيجابي الوحيد لأولى زيارات ترامب الخارجية هي صفقات الأسلحة التي جرى الترويج لها كثيراً إلى السعودية بقيمة 100 مليار دولار. وكما هو الأمر مع معظم ما يقوله ترامب، فإنَّ الأمر في الحقيقة أقل بكثير من هذا الادعاء. فهناك خطابات اهتمام أو نوايا، لكن لا تُوجَد عقود".
وفي الواقع، لم يُوقَّع ولو عقد تسليحٍ جديد واحد حتى. ولم يراجع مجلس الشيوخ الأميركي أو يوافق على أي عقود تسليحٍ استراتيجية مع السعودية، وبطبيعة الحال، توجد شكوك كبيرة حول ما إن كان بمقدور السعودية حتى تحمُّل إنفاق هذا القدر من المال.
وقد تجنَّب الرئيس بوتين برويةٍ رعونة هذا النوع من التفكير، فركَّز على تكوين صداقاتٍ والتأثير على الأشخاص، وتوقيع صفقاتٍ حقيقية، وجعل روسيا شريكاً يمكن التعويل عليه دون أي تحيُّزٍ أيديولوجي، حسب ما ذكر المسؤول البريطاني.
وترجع كل تلك السياسة الأميركية المُشوَّشة إلى شعار ترامب الساذج "أميركا أولاً". في الواقع، لا يعدو ذلك كونه كلماتٍ لممالأة قاعدته –الطبقة البيضاء العاملة- لكنَّه يدفع في الوقت عينه باتجاه سياساتٍ تُرضي متبرِّعيه الأثرياء.
وربما لا يدرك ترامب ذلك، لكنَّ سياسة الولايات المتحدة الخارجية كانت دوماً هي أميركا أولاً. إذ كان الغرض الكلي لنشر القوة الأميركية –عسكرياً، واقتصادياً، وثقافياً، ودبلوماسياً- هو تهيئة البيئة الدولية للمصالح الأميركية. ولم يكن هناك حاجة لذكر ذلك قط، فالنجاح الأميركي في ذلك واضحٌ للجميع.
ويرى الكاتب أن نسخة ترامب من "أميركا أولاً" والطريقة التي ترجم بها هذا إلى سياسةٍ في الشرق الأوسط قد عكست مسار العملية. "إذ صفَّ ترامب نفسه إلى جانب حكوماتٍ غير ديمقراطية تعاني بدرجةٍ كبيرة من الافتقار إلى الشعبية في صفوف شعوبها، وأهان العرب والمسلمين بلا اكتراثٍ، وأثار مواجهةٍ جديدة مع إيران. وألقى بثقله كذلك خلف حكومةٍ إسرائيلية يمينية مستعدة لضم معظم الضفة الغربية وإجبار الفلسلطينيين على العيش في مجموعة "محمياتٍ" غير مُتَّصِلة تتمتَّع بالحكم الذاتي".
ولا شيء من ذلك يصب في مصلحة الولايات المتحدة. بل في الواقع ما يحدث هو عكس ذلك، والذي ستكون له تداعياتٌ سلبية طويلة. إذ كانت مساهمة وزارة الخارجية ووزيرها ريكس تيلرسون في استراتيجية الشرق الأوسط غائبة، أو جرى تجاهلها، تماماً تقريباً. وعيَّن الرئيس ترامب سفيراً واحداً فقط في المنطقة بأكملها –لدى إسرائيل- وهو ما يُسلِّط الضوء على أولوياته.
وبحسب الكاتب، يخلو هذا الأمر من الاحترام، على الأقل للأنظمة التي يحاول أن يكون صداقاتٍ معها. باختصار، كانت كل الجهود لتخطيط المصالح الأميركية في الشرق الأوسط كارثة، واستفادت منها روسيا، وستواصل تلك الأخيرة استغلال ذلك لما تبقى من رئاسة ترامب. وبوتين مسرورٌ بهذا، إذ ستستمر علاقات روسيا طويلاً بعد اختفاء الأنظمة التي يحبها ترامب كثيراً.