التجمع.. سؤال الهوية والعرض السياسي
إن مقاربة موضوع الهوية السياسية لحزب ما وعرضه السياسي هي عملية بالغة التعقيد تتمحور أساساً حول ربط التنظير بالتطبيق، وتتجاوز التباعد المعتاد بين ما يُعلن عنه من شعارات وأفكار، وما يُرى على أرض الواقع؛ لذا فيجب تناول كل منهما على حدة، الأولى للتأصيل النظري والثانية للتطبيق العملي:
الهوية السياسية للحزب
رغم مخاطر الإعلان عن عنوان كهذا في سيرورة أي حزب سياسي، والذي قد يتصوره البعض كتعبير علني عن "التيه"، أو كحزب بلا هوية يتلمس طريقه الأيديولوجي لأول مرة، فإن مضمون هذا التوجه هو أعمق، عندما يتعلق بمراجعات للأسس المرجعية للحزب، لمواكبة عالم متغيّر ومتسارع، وهنا وجب الانطلاق أولاً من الإرث التراكمي للحزب منذ نشأته، والمحافظة عليه كأساس لكل تطوير مستقبلي في البناء الأيديولوجي للحزب، فالحزب انطلق بشعار "المغرب الجديد" كحزب وطني ديمقراطي بعيد عن أية أيديولوجية بل اعتمد "الصفة المغربية" كهوية مميزة له، واتخذ الوسط كخيار استراتيجي بحمولاته الاعتدالية واللااصطفافية عن اليمين أو اليسار، فالصبغة الوطنية كعلامة وليست كانتماء فقط هي ما يميز هذا الحزب، فقوة هذا الأساس تتبدى في استقلاليتها عن أية تأثيرات خارجية فكرية، وتسمح بالتجديد الدائم لأسسها، عوض الجمود والإفلاس الذي عرفته بعض الأيديولوجيات منذ زمن، هذا التجديد الذي قد يكون كشعار تعريفي ملازم لاسم الحزب: مغربي، ديمقراطي، وسطي؛ حيث يلاحظ أن هذا الشعار يتماشى حتى مع التركيب اللغوي لاسم الحزب:
– التجمع: مصطلح يحيل على الفريق، التشارك، ونبذ القيادة الأحادية أي الديمقراطية.
– الوطني: أي وطني المنشأ والأيديولوجية، مغربي الهوى والهوية.
– الأحرار: فالحرية نقيض التبعية، وهو ما يتماشى مع فلسفة الوسطية التي اختارها الحزب.
أما فيما يتعلق بشعار الديمقراطية الاجتماعية، فيحتاج لمراجعة أعمق لانبثاقه أساساً من "موضة" ربط الديمقراطية بتوصيفات تخلط بين المنحيين النظري والعملي، فبمفهوم المخالفة هل هناك ديمقراطية غير اجتماعية؟ فإذا كانت الديمقراطية هي سلطة من لا سند فردي له لممارستها (جمعية)، فإنها تعنى أساساً بتحديد قواعد الاشتغال الإطارية للدولة لا التطبيقية، وتبقى السياسات العمومية هي المعنية بتحديد مخرجات هذه القواعد، واختيار شكلها المتناسب مع مجتمعها ليبرالية، اشتراكية، اجتماعية أو غيرها؛ لذا فالأولوية للبعد الاجتماعي للسياسات العمومية التي يقترحها الحزب، وبذا تكون الصيغة الأكثر توافقية دلالياً هي "ديمقراطية/ اجتماعية".
– العرض السياسي
يرتبط العرض السياسي بالنموذج التنموي المقدم الذي لا يمكن أن تنطلق صياغته من قاعدة فردية، فالإخراج المرتقب يجب أن يكون جماعياً جامعاً لمختلِفات بيئتنا المعقدة ببنياتها المعيشية واختياراتها الاقتصادية، ولا أفضل من المحددات التي تفضل بها الرئيس غداة انتخابه لتلمس ملامح العرض السياسي الذي نتمنى أن يكون "الطلب" عليه متزايداً في القادم من الأيام، حين حدد خصوم الحزب الحقيقيين في: الفقر، والأمية، البطالة والتهميش:
* الفقر: فحسب مندوبية التخطيط التي أفرجت عن خرائط الفقر بالمغرب، فمدخول الفقير المغربي شهرياً بالمدن هو 388 درهماً، وفي البادية 360 درهماً، وهو رقم صادم يتطلب التجند له وتحليل أسبابه للتوصل بشكل ناجع لمحاربته.
* الأمية: وتنقسم إلى أمية اللامتعلمين وأمية المتعلمين، وترتبط أساساً باختيارات السياسات العمومية التي اعتمدت مقاربة كمية لا اجتماعية، مما حوّل قطاع التعليم أساساً لحقل تجارب تدفع ثمن فشله الأجيال الصاعدة، مما يحتم فتح نقاش موسع حول هذا الموضوع والخروج بعقد جامع لإصلاح المنظومة التعليمية بعيداً عن المقاربات التقليدانية.
* البطالة: تتماشى البطالة طردياً مع اللااستقرار، فثلث المغاربة من الشباب الذين تنظر أسرهم بارتياب لمستقبلهم، وبالنظر لوجود قوة شبابية متمدرسة أو غير متمدرسة معطلة عن العمل ومفصولة عن دورة الإنتاج، إضافة إلى عوامل أخرى كعجز الاقتصاد غير المهيكل عن دفع فاتورة السلم الاجتماعي، أو قتل المنافسة بالاقتصاد المهيكل لوجود نسب فساد مرتفعة، تتحد هذه العوامل لتولد مزيداً من الاحتجاجات التي تتخذ من الشارع الفضاء الأنسب للتعبير عن سخطها؛ لذا فمواجهة هذه الآفة تمثل ضرورة استعجالية بإعادة النظر في السياسات الكبرى وامتلاك الجرأة لإجراء عملية فصل سيامي بين الريع والاقتصاد.
* التهميش: الذي قد يكون نوعياً تعانيه المرأة مثلاً، أو فئوياً مرتبطاً ببعض فئات المجتمع ذات الاهتمامات المشتركة، أو قطاعياً كالصحة أو الأسرة وغيرها، وتتبع تمظهرات التهميش أوسع من أن يتم الإلمام بها، لصبغتها المتخصصة، ولضرورة التوفر على معطيات كمية وكيفية لكل نوع من أنواع هذا التهميش لتسطير البرامج الملائمة له.
إن ما تم إيراده هو مجرد محاولة للمساهمة في رسم الخطوط العريضة سواء للهوية السياسية أو العرض المصاحب لها، أما تقديم مشروع أو عرض متكامل فهو عملية غير ميسّرة، ولا ترتبط برغبات لحظية في مدة زمنية معينة، بل هي سيرورة متطورة بتطور الحاجيات المجتمعية وضرورة مواكبتها؛ لذا وجب التفكير جدياً في إنشاء مركز للدراسات والتفكير الاستراتيجي تابع للحزب، يشتغل على استغلال الوفرة المعطياتية لمختلف الدراسات الصادرة عن المؤسسات المختلفة، سواء الوطنية كالمجلس الأعلى للحسابات مثلاً، أو الدولية كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكذا تشرف بالموازاة مع ذلك على تنظيم ملتقيات الـThink Tank (المُعلن عنها سابقاً) بمختلف جهات المملكة؛ لتقوية قدرات المناضلين المعرفية، كسلاح استراتيجي لكل تحدٍّ مستقبلي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.