عن تلميذ يضرب المعلِّم!

بالنسبة للتلميذ، فلنفكر في تكوينه منذ الابتدائي، مذ كان طفلاً، بحيث يكون بإمكاننا السيطرة عليه وتلقينه الأخلاق المناسبة، فنركز في فترة السنوات الأربع أو الست الأولى على تعليمه محاسن الأخلاق: الاحترام، التهذيب، عدم الغش، حب الوطن، الطموح؛ ومن ثم حتى وإن لم تقم الأسرة بدورها كما ينبغي فلتساعدها المدرسة على بناء رجل المستقبل.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/18 الساعة 01:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/18 الساعة 01:13 بتوقيت غرينتش

كتبت هذا المقال على دفعتين؛ المرة الأولى كان رد فعل على ما جاء في فيديو التلميذ الذي لَكَمَ المعلم فتميزتُ بغلبة العاطفة، وكنت اكتفيت بذلك القدر إلى أن ظهرت تعليقات ومقالات وربورتاجات أخرى تحمل وجهة نظر مختلفة من الحقائق إذا استطعنا القول دون الجزم، فرأينا أهمية كتابة الجزء الثاني.

بالفعل، رأينا منظراً صادماً، يدمي القلب؛ تلميذ يضرب أستاذه بكل وحشية! فقلتُ في نفسي: أهذا ما تعلمتَه طيلة إحدى عشرة سنة التي درستَ فيها لو افترضنا أنك ولجت المدرسة في السادسة؟! ألغة العنف هي كل ما تعلمتَ، لغة الضعفاء الذين لا يملكون الحجة ولا يستطيعون للحوار سبيلاً؟! أنحن في عالم الغاب، القوي يأكل الضعيف؟! أظنُّك تتعلم لتعي أن الكلمة أبلغ من اللكمة، وأن الاحترام والأخلاق رأس المال.

كيف تجرأت على أن تمد يدك لمعلِّمك، فلو علَّمك كلمة يجب أن تشكره، دون أن تنسى أنه -لا بد- يكبرك عمراً أو في مقام والدك؟! فكيف تمتد يدك لتضرب والدك؟! غضبتَ وفي لحظة غضب لم يستطع أحد إيقافك، صديقك الذي حاول وكنت تدفعه؟! أيضاً ذلك الآخر الذي فرّقكما، وأشكره لأنه أبان أن الكل لم يكن سلبياً ولم يكتفِ بالفرجة أو بالضحك أو ربما هي الصدمة مما يرى.

لا نعرف ما أدى بك إلى أن تكون بذلك الشكل وبذلك العنف! أهي التربية، البيئة، المراهقة، قلة التأطير، التعليم؟! لا نعلم، لكن مؤكد أننا لن نضع الذنب على الآخَر لتكون الضحية، فجزء كبير من الذنب هو ذنبك؛ لأنك أنت من مددت يدك، وأنت إنسان عاقل، وكل إنسان عاقل يفرق بين السلوك الخطأ والصواب، والضرب والتعدي لم يكونا يوماً صواباً.

عمرك سبع عشرة سنة، لستَ صغيراً، ولا أعرف لماذا يُعتبر من في عمرك قاصراً، فمثلك قاد جيوشاً في الماضي، ومثلك كان في الماضي قويَّ البنية طويل القامة، لكن يقف إجلالاً لمعلِّمه واستحياء منه.

أشكر من صوَّر الفيديو ولو الجزء الأخير منه؛ لأننا لا نعرف كيف وصل الأمر لما وصل إليه، مع أن لا شيء يبرر ذلك الفعل. على كل حال، الفيديو سمح للحادثة بأن تصل لآذاننا، مع أني ضد التشهير والفضيحة، لكن إذا كان الأمر يتجلى في فضح ظلم فله إيجابيات، أحبِّذ فكرة التغاضي عن ذكر اسمَي الضحية والجاني والاكتفاء بالمعلم وتلميذه.

سوف أكون متفائلة، يجب أن تعاقَب؛ فما فعلته ليس بهيِّن، فقد أبكيتنا فعلاً بذلك المنظر القاسي، لكن وأنت تعاقَب أو بعد العقوبة فليُسمح لك بإكمال دراستك، فلتفكر وتعتبرها فرصتك، ولتعتذر لأستاذك ولكل معلم وربما كل شخص رأى ذلك المنظر واستفز مشاعره… وجِّه طاقتك للإيجابي، لنفسك، وأسرتك وأمتك… لا نريد أن نحاكمك لبقية حياتك، لكن يجب أن تتغير، أن تندم والأهم أن تعتذر.

ومهما قيل إن الصورة لم تُرِنا كل الحقيقة، فقد كانت ناقصة إلا من الجزء الأخير من القصة، فلم تصور البداية أو ما استفز التلميذ ليضرب معلمه… فقيل إن الأستاذ مستفِز أهانه وأهان والديه وعضَّ أصبعه، وأنه معروف في الثانوية ولدى الإدارة باستفزازه التلاميذ، مشاكله معهم والعنف المتكرر بينهم، وأن شكايات رُفعت في هذا النطاق للإدارة دون جواب.

إذن، فعلاً لم نر إلا جزءاً مما حدث، فكان أن قُبض على التلميذ، على أساس الفيديو دون شكاية من الأستاذ، الذي قيل -حسب والدة التلميذ- إن الأمر بالنسبة له عادي واعتيادي، بينما قال هو إنه خاف من عنف التلميذ خارجاً.

تُهنا بين القيل والقال، وبين من يحتقر التلميذ ووالديه، ومن يتهم الأستاذ ويلقي اللوم على تصرفات الأساتذة المستفزة أحياناً، والصدمةُ من قال إنهم يستحقون الضرب! مع الأخذ بعين الاعتبار أن استفزاز أو ظلم الأساتذة للتلاميذ يتمثل -حسب جزء من هؤلاء التلاميذ، ودون الإعلان عن ذلك- في عدم التساهل في تأخرهم أو غشهم أو النقاط.

على كل حال، لا شيء يبرر الضرب من طرف التلميذ؛ لأنه ليس أسلوباً أو سلوكاً مناسباً لمتعلم كيفما كانت الظروف.. ويجب أن نحفظ لكل طرف مكانته. لكن، إن ثبت فعلاً أن الأستاذ على خلاف مستمر مع التلاميذ والإدارة على علم بذلك، فالكل متورط، خاصة هذه الأخيرة؛ لأنه كان عليها أن تقوم بالإجراءات المناسبة فتنقل الأستاذ لمهمة أخرى غير التدريس ليس فيها تواصل مع التلاميذ.

وعلى هذا، يجب النظر في النظام التعليمي ككل، بما في ذلك كيفية اختيار الأستاذ، فلا يكفي توفره على الدبلوم المطلوب، وإنما يجب أن يتوفر على الشخصية، والنفسية والكاريزما المناسبة، فيفرض احترامه على التلاميذ بطريقة التدريس والتعامل.

بالنسبة للتلميذ، فلنفكر في تكوينه منذ الابتدائي، مذ كان طفلاً، بحيث يكون بإمكاننا السيطرة عليه وتلقينه الأخلاق المناسبة، فنركز في فترة السنوات الأربع أو الست الأولى على تعليمه محاسن الأخلاق: الاحترام، التهذيب، عدم الغش، حب الوطن، الطموح؛ ومن ثم حتى وإن لم تقم الأسرة بدورها كما ينبغي فلتساعدها المدرسة على بناء رجل المستقبل.

الفكرة ليست سهلة، لكن إصلاح منظومة التعليم واجب وممكن؛ لتفادي ضياع جزء كبير من جيل المستقبل تحت وطأة الجهل والعنف، فيكون مغيَّب العقل، هادماً للوطن والمبادئ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد