وأنا أقرأ النهاية التي وضعتها إليف شافاق لشخصية إيلا في رواية "قواعد العشق الأربعون"، إيلا نموذج المرأة النمطية الخنوعة، المتردّدة التي تفتقد جرأة تغيير واقعها الذي لم يَعُد فيه شيء يُغري بالحياة، قبل أن تنفتح روحها على النسائم الصوفية ويتَجدّد نَفَسُها بعد اطلاعها على رواية "الكفر الحلو"؛ حيث ستُفْتن بشخصية شمس التبريزي وتَتَشبّع بقواعده الأربعين، فتَحسم بعد تفكير لتضع حدّاً لخوفها وتردّدها وتتبع صوتها الداخلي الذي انتصر لها وقادها إلى خوض مغامرة قلبت حياتها رأساً على عقب، رَحَلت تاركة وراءها (أبناءها، وظيفتها، موطنها…) حياتها بسيرورتها المملة والتعيسة لِتلحَقَ بالسعادة وتقدير الذات.
وأنا أقرأ استوقفني هذا المقطع المُعبِّر:
"بَقيت فترة الظهر كلها لطهو هذه الأطباق، وعندما أنهت عملها، أخرجت أفضل الأواني الخزفية لديها، ورتّبت المائدة، وطوتِ المناديل، ورتّبت الزهور، وعيَّرت الفرن لمدّة أربعين دقيقة، لكي يكون الغراتان ساخناً في الساعة السابعة. وأعددت قطعاً من الخبز المحمّص، ووضعت الصلصلة في السلطة، دسمة كما يفضلها آفي، وخطر لها أن تُشعل الشموع، لكنها غَيّرت رأيها. رأت أن من الأفضل أن تترك المائدة هكذا، مثل صورة نقيّة، من دون تأثيرات إضافية.
ثم حملت الحقيبة التي كانت قد جهّزتها سابقاً وغادرت البيت، عندما خرجت دمدمت قاعدة من قواعد شمس: ليس من المتأخر مطلقاً أن تسأل نفسك: هل أنا مستعد لتغيير الحياة التي أحياها؟ هل أنا مستعد لتغيير نفسي من الداخل؟".
" وحتّى لو تبقى من حياتك يوم واحد يشبه اليوم الذي سبقه، فإن ذلك يدعو للرثاء. ففي كل لحظة، ومع كل نَفَس جديد، يجب على المرء أن يتجدّد ويتجدّد ثانية. ولا توجد إلا وسيلة واحدة حتّى يولد المرء في حياة جديدة وهي أن يموت قبل الموت".
تساءلت بعد نهاية هذا المقطع عن عدد الإيلات (نسبة إلى إيلا) في بلداننا اللواتي نَحَيْن نفس منحى إيلا ورحلن من أجل التغيير وتحقيق الذات دون النظر إلى الوراء، عن عدد من ينتفضن ضد حتمية المصير والمآل الذي تُوهم به مجتمعاتنا الخانعة، عن عدد اللواتي يضربن بعرض الحائط نظرات محيطهن البالية… ويَقدمن على تغيير وتجديد أنفسهن كلّما أحسسن بضرورة ذلك ورغم معارضة ظروفهن وبيئتهن.
إن أهم ما يمكن أن نستلهم من حالة إيلا بغض النظر عن خلفيّتها الاجتماعية والثقافية، وسياق النشأة ومقدار الحريّة المكتسبة.. هو فكرة فعل التغيير والجرأة على التجديد، وعدم الاستسلام للواقع والاكتفاء بالإمكانيات المتاحة والظروف المفروضة، بل الجري وراء الأمل، وتقدير الذات، ومكامن النجاح والسعادة التي لا تَتَأتَّى من الخارج.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.