ترامب والشعارات الزائفة ‎

بهذا الإعلان والتوقيع قد سقط البُعد الأخلاقي الذي تدعيه الإدارة الأميركية تجاه الشرق الأوسط عامة والقضية الفلسطينية بشكل خاص، وبذلك تنكشف الشعارات الزائفة التي تتحدث عن شرق أوسط جديد ينعم بالأمن والاستقرار والسلام والتنمية والحرية والديمقراطية التي تسعى إليه السياسة الخارجية الأميركية لإرضاء حبيبتها (إسرائيل).

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/16 الساعة 02:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/16 الساعة 02:54 بتوقيت غرينتش

صرّح ترامب وأعلنها جهاراً أن القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، ووقّع على قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقال: إننا تأخرنا كثيراً!

بهذا اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط تفتقد لأي بُعد أخلاقي يجعلها وسيطاً نزيهاً للسلام، واستغلال انشغال العرب والفلسطينيين بالصراعات الداخلية، ومزيد من التفكك، وغياب الشعور بالمسؤولية، وخطورة المرحلة.

وبالمقابل انتظرت (إسرائيل) هذا الاستحقاق الذي طال انتظاره -حسب وصفهم- وسط غرس أنيابها في القدس وفيما تبقى من أراضي الضفة.

فهل ستقدم الدول العربية والإسلامية على أية إجراءات عملية ضد إعلان ترامب أو ستكتفي بالمواقف المعهودة التي لن تتجاوز ردود الفعل الكلامية وتصريحات الندب والشجب والإدانة والاستنكار هذا في أحسن الأحوال؟! أو ستحتوي مفاعيل الغضب الشعبي في بلدانها وتمارس أشكال الضغط على الرئيس محمود عباس الذي ربما راهن على رد فعل عربي رسمي قوي على إعلان ترامب؛ ليتأكد أن بعض الدول في جبهة واحدة مع إدارة ترامب رغم وتيرة الخطابات الكلامية التي ستصدر عن ممثلي هذه الدول كردّ على الإعلان الأميركي ثم تخبو بعد وقت قصير!

وبذلك تتكشف مهمة بعض الدول المتمثلة في العمل على منع الفلسطينيين من الإقدام على خطوات استفزازية رداً على إعلان ترامب؛ لأنه من بين ضوابط سلوك تلك الدول هو أن مصالحهم تتقدم على القضية الفلسطينية، وهو ما يفسر حرصهم على عدم الذهاب بعيداً في إسناد ودعم الموقف الفلسطيني، لا سيما عندما يتعارض مع الموقف الأميركي، وكذلك للحفاظ على موقف إدارة ترامب إزاء الأحداث في المنطقة العربية.

وفي هذا السياق، فإن الرئيس محمود عباس سيجد صعوبة في تجنيد الزعماء العرب ضد الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة لدولة (إسرائيل)، وكذلك لعقد اجتماع عاجل لجامعة الدول العربية.

ودون شك فإن خطوة ترامب هذه خدمت استراتيجية رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، الذي يعمل جاهداً على إقصاء الشأن الفلسطيني، وإن الإدارة الأميركية تمارس ضغوطاً كبيرة على الدول العربية للتسليم بالمبادرة الأميركية العتيدة التي ستكون أقرب لموقف ومصالح (إسرائيل)، وبهذا تفتقد السياسة الخارجية الأميركية لأي بُعد أخلاقي، قادر على التغطية على أهدافها الحقيقية والمباشرة التي تقوم على أساس تأمين مصالح الولايات المتحدة التي ترسمها وتحددها، من خلال ابتلاعها للنفط، وقوتها العسكرية التي تمثل عصب الاقتصاد الأميركي.

بهذا الإعلان والتوقيع قد سقط البُعد الأخلاقي الذي تدعيه الإدارة الأميركية تجاه الشرق الأوسط عامة والقضية الفلسطينية بشكل خاص، وبذلك تنكشف الشعارات الزائفة التي تتحدث عن شرق أوسط جديد ينعم بالأمن والاستقرار والسلام والتنمية والحرية والديمقراطية التي تسعى إليه السياسة الخارجية الأميركية لإرضاء حبيبتها (إسرائيل).

إن الولايات المتحدة لا تؤمن بالصداقات، ولا تحترم القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، إنما تؤمن بالمصالح وتقدسها.

وإن السياسة الخارجية الأميركية تهدف إلى تأمين سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط لذاتها، ولما تمثله تجاه العالم أجمع لذاتها، وإبقاء غيرها في مستوى متدنّ عن تهديد سيطرتها وتسلُّطها.

وبالتالي فإن إعلان ترامب أن القدس عاصمة لـ(إسرائيل) هو إعلان سياسة استعمارية تمارسها الولايات المتحدة مع حليفتها إسرائيل للعدوان والتسلّط وإهدار الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية.

لذلك فإن إعلان ترامب المشؤوم هو بمثابة دعوة لإدامة الصراع الفلسطيني – (الإسرائيلي)، وتهميش دور الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وفرض سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط برمّتها، وإبقاء حليفتها (إسرائيل) قوية ومطلقة اليد في ممارسة عدوانها على الشعب الفلسطيني وعلى مقدساته، وإلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد