منذ أيام، هزت احتجاجات منطقة القبايل، ضد تراجع أحزاب الأغلبية الرئاسية عن تقديم مقترح قانون يمنح بعض الامتيازات للهوية الأمازيغية.
في الواقع، أسفر هذا التعديل عن ردود فعل عنيفة، حيث هزت الاحتجاجات عدة مدن وبلدات في منطقة "القبايل" بسبب تراجع المجلس الشعبي الوطني الجزائري عن الاعتراف بهذا التعديل الذي يخدم الثقافة واللغة الأمازيغية.
وقد جابت عدة مظاهرات الشوارع يوم 11 ديسمبر/كانون الأول، حيث شارك الآلاف من الأشخاص الذين قدموا من المدن الرئيسية الثلاث التي تشكل مع بعضها منطقة القبايل، والمتمثلة في كل من تيزي وزو، وبجاية، والبويرة.
ونشبت في مدينة البويرة، التي تبعد 120 كيلومتراً عن شرق العاصمة الجزائر، عدة اشتباكات منذ ثلاثة أيام بين متظاهرين وأجهزة مكافحة الشغب، قبل أن تمتد إلى عدة أحياء أخرى مع إغلاق جامعة المدينة.
ويوم الأربعاء 13 كانون الأول/ديسمبر، امتدت المواجهات إلى عدة أحياء من البويرة مما ساهم في زيادة التوتر في منطقة القبايل.
لكن ربما لا يشكل التراجع عن هذا التعديل سوى ذريعة، وفق ما ذكرت صحيفة جون أفريك الفرنسية. فالجيل الجديد من شباب القبايل، والذي تغذيه شبكات التواصل الاجتماعي، يتنامى لديه الشعور بالإحباط بشكل متزايد بسبب رفض الحكومة تقديم امتيازات تعزز من الهوية الأمازيغية، على الرغم من الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية منذ التعديل الدستوري الذي أنجز سنة 2016.
وفي محاولة لتقييد هذا الاحتجاج والحد من انتشاره، اعتبرت السلطات أنه تم التلاعب بهذه التظاهرات بهدف زعزعة استقرار المنطقة التي كانت سابقاً مسرحاً لأعمال شغب أودت بحياة أكثر من 126 شخصاً بين سنتيْ 2001 و2003. وللسائل أن يسأل، هل هناك فعلاً تلاعب؟ وما الذي طرأ داخل أروقة المجلس الشعبي الوطني لكي ينتشر الغضب في شوارع القبايل؟
في الأصل، تعد بادرة من حزب معارض
خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2017، ناقش أعضاء المجلس الشعبي الوطني قانون المالية لسنة 2018، حيث اقترحت النائب عن حزب العمال المعارض، نادية شويتم، تعديلاً قانونياً لتدريس اللغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية.
وفي هذا السياق، ذكرت شويتم أنه "خلال السنوات الأخيرة، اقترح حزبنا تعديلاً منهجياً يصب في سياق تعزيز الهوية الأمازيغية. وقد تزامن مطلبنا في التعديل مع احتجاجنا على الانخفاض بنسبة 0.2 بالمائة في الميزانية المخصصة لهيئة المحافظة السامية للأمازيغية، وهي الهيئة الرسمية المسؤولة عن تعزيز وإعادة تأهيل اللغة والثقافة الأمازيغية".
من جهته، أفاد العضو في حزب العمال الجزائري، رمضان تعزيبت، أن رئيس المجلس الأعلى لهيئة المحافظة السامية للأمازيغية قد اعترف بنفسه أن الوسائل ليست متاحة بقدر كاف، كما أن عدد الطلاب الذين يتلقون دروساً في اللغة الأمازيغية لا زال ضئيلاً.
ووفقاً للنظام الداخلي، تم قبول ملف التعديل الذي وُضع على مكتب أعضاء المجلس الشعبي الوطني، بعد ذلك تم عرضه أمام لجنة الميزانية والشؤون المالية لكي يتم فحص مشاريع القوانين قبل عرضها ضمن برامج الجلسة العامة.
لكن، عملت العضوة في حزب العمال على الترفيع في ميزانية مقترح التعديل. وفي نهاية المطاف، تم رفضه بحجة أن هذا التعديل ليس له مكان ضمن قائمة قانون المالية، كما أن الميزانية المخصصة لهيئة المحافظة السامية للأمازيغية تعد كافية.
يحتدم التوتر شيئاً فشيئاً
ولم تتراجع نائبة حزب العمال عن مقترحها على الرغم من أن اللوائح الداخلية المنظمة للمجلس تسمح بإعادة تعديل المقترح خلال الجلسة العامة، حتى وإن تم رفضه من قبل رئيس لجنة المالية والنائب في جبهة التحرير الوطني، توفيق طورش.
في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، تم عرض قانون المالية لسنة 2018 على النواب بغية التصويت عليه. وعلى العموم، يخضع التصويت لرئاسة المجلس الشعبي الوطني شأنه شأن بقية نصوص هذا القانون. والجدير بالذكر أنه تم رفض هذا التعديل من قبل الأغلبية الرئاسية من النواب. كما أسقط في الوقت ذاته جميع التعديلات الأخرى التي اقترحتها أحزاب المعارضة.
يكاد يكون اعتماد قانون المالية لسنة 2018 أمراً لا يحظى باهتمام كبير. وفي يوم الأربعاء 29 نوفمبر/تشرين الثاني، انطلقت أولى المظاهرات في مدينة بجاية، حيث خرج طلاب المدارس الثانوية وطلاب الجامعات احتجاجاً على رفض هذا التعديل. ومع مرور الوقت، سرعان ما ارتفعت وتيرة الاحتجاجات لتصل إلى مناطق أخرى من منطقة القبايل، علاوة على مدينة باتنة، الواقعة في جبال الأوراس.
من يتلاعب بمن؟
خرجت حركة الاحتجاج الأمازيغي منددة أيضاً بسياسة التقشف التي تم اعتمادها ضمن قانون المالية لسنة 2018. وتعود هذه السياسة التقشفية إلى الأزمة المالية التي تشهدها الجزائر منذ انخفاض أسعار النفط. ومع ارتفاع وتيرة المظاهرات، تعمل السلطات على اتخاذ تدابير عاجلة لإخماد نيران الاحتجاج.
من جهتهم، برر نواب الأغلبية الرئاسية رفضهم لهذا التعديل من خلال توجيه التهم لأصحاب الفكرة بمحاولة زعزعة استقرار البلاد. في المقابل، اعتبرت أحزاب المعارضة، على غرار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، هذا الرفض تلاعباً سياسياً.
وبغض النظر عما إذا كان اعتبار ذلك تلاعباً من عدمه، أشعل هذا التعديل فتيل الاحتجاجات الشعبية من جديد في منطقة القبايل.