لماذا يأبَون الاختلاف؟

سؤال "لماذا أنا تحديداً؟" كان يؤرقني ويخنقني.. كبرت.. وكبر رفض المجتمع لي.. ليس فقط مجتمع المدرسة الابتدائية فقط، بل تعداها إلى الإعدادية والثانوية وبالصورة ذاتها.. رغم محاولاتي المستمرة والبائسة لأكسب ودهم وأدمج نفسي معهم.. والسؤال نفسه، يضج في رأسي بإصرار: "أين تكمن المشكلة؟" كانت كرامتي تأبى عليَّ أن أسألهم بشكل مباشر عن السبب.. وحملت رفض المجتمع لي عندما انتقلت إلى الجامعة، التي دخلتها لأدرس الفنون الجميلة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/14 الساعة 03:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/14 الساعة 03:46 بتوقيت غرينتش

أوجّه لحضراتكم السؤال بعد أن أعيتني الإجابة عليه، وسأحكي لكم الحكاية من بدايتها علّني أجد لديكم ما يفيد حالتي.

لم أعلم في أي يوم مضى لمَ كنتُ مرفوضاً من المجتمع من حولي، أنا لا أقول هذا الكلام عبثاً، أبداً.. فجميع الأحداث حولي تؤكد لي ما أقول.

وُلدت في أسرة غنية، يغلب عليها الالتزام الديني، لوالدَين متعلمَين وعاملَين، ربياني وإخوتي على سمو الأخلاق، والرقي، والبعد عن كل ما يغضب الله.. فلم أحتكّ بالمجتمع الخارجي بشكل حقيقي إلا عندما غادرت البيت وخرجت إلى المدرسة.. في البيت كان الحب والدفء والمحافظة على كرامة أفراد الأسرة ومشاعرهم.. وهو ما وجدت نقيضه في المجتمع.

في المدرسة وجدت نفسي غريباً وحيداً مختلفاً في كل شيء عن المجموع.. لم يكن مُرحَباً بي.. كل شيء أفعله يقابل بالسخرية والاستهزاء، لم أفهم لماذا؟ كنت أحاول كسب ودّ زملائي.. ولكن كانت محاولاتي تذهب أدراج الرياح، كنت أرى رفضهم لي يتجلى في عيونهم، ونبرات أصواتهم، وتعابير وجوههم، فأسأل نفسي دائماً: ما المشكلة؟ التي لم أستطع تشخيصها وتحديد أسبابها، فبدأت أختلق المبررات؛ ربما لأنني سمين بعض الشيء، وربما لأنني أصغرهم سناً، وقد تكون ثقافتي وطريقة كلامي المختلفة عنهم هي السبب… إلخ، وبقيت أصارع حيرتي وحيداً.

في المدرسة، خلال الحصص، وفي الفسحة، ينتظم جميع الزملاء ويلعبون في مجموعات، يتعاونون، يرسمون، يلونون.. وإذا طلبت الانضمام لهم.. رفضوا بشكل قاطع.. حتى عندما تفرض المعلمة على إحدى المجموعات أن تضمنّي إليها، كانوا يرفضون إشراكي في أي نشاط.

في أحد الأيام، طلبت منا المعلمة إحضار بالونات لنشاط تريد تطبيقه، نسيت، ونسي كثير من طلاب الصف مثلي، وكان أحد الطلاب قد أحضر كيساً مليئاً بالبالونات، وأخذ يوزعها على الطلاب بالمجان، وعندما وصل عندي، تجاوز طاولتي وكأنني غير موجود، طلبتها منه، تظاهر بأنه لم يسمع، عرضت عليه أن أشتريها منه، ولكنه رفض بشدة، بل وشدد على جميع الطلبة عدم إعطائي أي بالون.. تكررت الكثير من المواقف المشابهة، والتي كانت تؤلم قلبي، وتتركني فريسة للحزن واليأس..

سؤال "لماذا أنا تحديداً؟" كان يؤرقني ويخنقني.. كبرت.. وكبر رفض المجتمع لي.. ليس فقط مجتمع المدرسة الابتدائية فقط، بل تعداها إلى الإعدادية والثانوية وبالصورة ذاتها.. رغم محاولاتي المستمرة والبائسة لأكسب ودهم وأدمج نفسي معهم.. والسؤال نفسه، يضج في رأسي بإصرار: "أين تكمن المشكلة؟" كانت كرامتي تأبى عليَّ أن أسألهم بشكل مباشر عن السبب.. وحملت رفض المجتمع لي عندما انتقلت إلى الجامعة، التي دخلتها لأدرس الفنون الجميلة.

في كل مجتمع وُجدت فيه، كنت مختلفاً، ولكني شديد التواضع، لم أكن أسمح لنفسي أن أتكبر على أحد، أو أسبب الألم لأي شخص، حتى إن هناك مَن كان يكذب عليَّ، فأتظاهر بأنني مصدق تماماً ما يقول، لم تكن أخلاقي تسمح لي بأن أقول للشخص بطريقة وقحة بأنك كاذب، وأنني قد كشفت كذبك.
لهذا كانوا يعتقدون بأنني أبله، كم أتمنى لو يفهم الناس أنك حين تكون مختلفاً عنهم فهذا لا يعني أنك عدو لهم، وكم أتمنى لو أنهم يتنازلون عن طلبهم في جعلي صورة طِبق الأصل عنهم ليتقبلوني.. لا أدري متى سيدركون أنني أبداً لا يمكن أن أصبح كذلك.. فإذا كان الله قد خلقنا مختلفين ليكمل بعضنا البعض، فلماذا يطلبون هم أن نكون متشابهين؟

خلق الله الليل والنهار، وهما ضدان؛ لتسير الحياة على أكمل وجه، وخلق الأرض من ماء ويابسة وهواء، وهكذا.. فاختلافنا يكملنا كمجموع وليس كأفراد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد