تعتليها رغبة جامحة بأن تؤكد لهم أن قراراتها كانت صائبة: أنها تستطيع أن تصبح أُماً مثالية، أن تبرهن أنها استطاعت العيش بدونه بل التفوق عليه، أن عملها كان اختياراً موفقاً، أو أن نظام عيشها صحي.. تكثر الرغبات ويتوحد المقصد، تتعدد الأحلام، والرؤية ثابتة.
إن الذكاء العاطفي الملحوظ عند المرأة يمكنها في وقت وجيز، من تراكم خبرات اجتماعية واتخاذ قرارات تفاعلية قد يتردد الرجل بشأنها كثيرا.
علاقاتها الطويلة، المؤقتة أو المنقطعة تمنحها مع الوقت موضعاً مرناً، تستطيع من خلاله الانتقال سريعاً إلى مستوى أكثر جدلاً، إلا أن الأمر ليس بسهولة هذا الوصف، فالتفاعلات الاجتماعية كيفما كان مجالها، والعلاقات المجتمعية لا تمنح امتياز المرونة والتعلم بشكل مجاني، هناك دائماً تضحيات وتنازلات لتقديمها.
ستقدم لكم أي امرأة تاريخاً عنوانه الصبر دائماً، والقدرة على التحمل، وأنها عانت لتجاوز عدة صعوبات، حتى لو كانت في مقتبل العمر، وقد تستغرب -يا سيدي- غالباً من هذا متهماً إياها بالمبالغة، والتوهم، لكن الأمر لا يتعلق بواقعية ما تحكيه أو درجة صدقه كما وصفته، بل بملكة فطرية تصور لها أن أي حادث بسيط يدخل خانة تراكمات عاطفية ونفسية، وعندما يتعلق الأمر بالرجل فإننا نعشق تقوية هذه الملكة، وتضخيمها.
تختلف درجة استغلال المرأة لهذا الذكاء العاطفي، وحسن توظيفه، عندما تستطيع التحكم بهذه الملكة، وترشيدها لصالحها، تتحدد معالم مسيرتها عندما تضع تحت يدها كل ما يتسم بالعاطفة، وتوجيه فطرتها لمنفعة دائمة.
في الوقت نفسه الذي تمتاز بمرونتها، وقابلية التعلم، فهي تحتاج لتأطير وصقل قدراتها ومرجعياتها الفطرية منها والمكتسبة أكثر من الرجل، وذلك راجع لصعوبة تقبّلها للتغيير أو النقد.
قد تبحث عزيزي القارئ بين هذه السطور عن نصائح أو توجيهات؛ كي تتحرر كل امرأة من ثقل هذه الفطرة، سأجيبك بأن ما النصيحة إلا كلمتين: علم وتميز، علم يرفع من مؤهلاتك المعرفية ويغني دائرة معارفك، ويبعد التأويلات الخاضعة لمنطق العاطفة غير السليم، ويمنحك رؤية عقلانية وتميزاً يبرزه حضور قوي وذكاء عاطفي أكثر من مجرد حضور يجب احترامه لكونك امرأة.
هذا هو السبب الوحيد الذي أرفض من أجله دائماً أن يمنحني أحدهم امتيازاً أو يقدم لي مجاملة، أو يبدي احتراماً، فالاحترام يجب أن يستحق، والمجاملة ما هي إلا رسميات قد تزول فور غيابك.
الشهامة تعبّر عن المرتبة التي تأخذها التعاملات المجتمعية لدى الرجل لا غير: عندما يسمح لك أحدهم بالجلوس مكانه؛ لأن القطار مكتظ، أو يترك لك أحدهم دوره في صف الانتظار، فهذا يجب أن يكون دليلاً على مستواه المعاملاتي الخاص به، هو يفعل ذلك إرضاء لآدابه، وليس لأنك امرأة؛ لذلك أعتذر دائماً عندما يُبدي أحدهم شهامته، فأنا أستطيع كذاك تحمّل الوقوف لمدة طويلة أو الانتظار لساعات، والأهم أنني أفضّل ذلك، ولا أحب حصول العكس لمجرد كوني امرأة.
أن تستحقي ذلك هو العمل الأهم والأصعب، أن توظفي ذكاءك العاطفي جيداً يستغرق ذلك وقتاً، ويستهلك تجارب، لكن إن كنت تبحثين عن التميز، بعيداً عن الإيجابيات الطبيعية والمكتسبة فطرياً لكونك امرأة فذلك أرقى، بل يجب حسن استغلال هذه الإيجابيات في مهارات التعلم وإبراز الذات، وتحمّل مصاعب الوصول إلى المعرفة العلمية والإنسانية، إضافة إلى توظيفها في خلق علاقات اجتماعية مرنة وصلبة في آن واحد، مرنة لأنك المتحكم الأكبر بخيوطها، أسسها وتوجيهها نحو الأفضل، وتستطيعين بسهولة توقع تطوراتها ومآلها، وعلاقات صلبة؛ لأنك تعلمين جيداً كيفية الفصل بين أنواع الصلات المجتمعية والإنسانية، وتحددين بموضوعية أهداف كل واحدة، بدل انتظار عنصر المفاجأة والبحث عن مبررات، تفضلين من خلالها غالباً دور الخاسر الأكبر لمجرد أنك خُلقت امرأة!
لا شيء يهم أكثر من إنجازاتك، إنما الأعمال بخواتيمها، لا شيء أكثر يهم من تميزك ونجاحك، احصلي على نشوة انتصارك، حسي متعة الطريق، جماله، صعوباته، فرحه، وفي الأخير حققي أهدافك بتميز، ارضي ذاك الغرور الذي يريد الوصول، ولا يهمه شيء غير ذلك، فلا مجال للتراجع، نظرتك الثاقبة يجب أن تبتعد عن المكان والزمان وتنوع الشخوص، رحلة العلم هي أول الخلاص للتحرر، اتركيهم يرون في نظرتك رحلة الألف مشوار، رحلة الانفراد في بلوغ التميز، الصبر أجمل ما قد ترتدينه في هذه الرحلة، والعطاء أحلى ما قد تتزينين به، وجودك لن يثبت إلا بذلك، منهج الفرح والتفاؤل أروع ما يرافقك، والتواضع أحسن ما يأخذ بيدك، مكتسباتك، هي ما تخلق الفرق، وتولد وهج الإبداع، وتقوّي ملكة التعلم.
اعشقيه لما لا نهاية، سيهيم بك لما ليس في الحسبان، ابحثي عن التميز، افعلي ذاك ستجدينه، ستطفئين به غضباً، ستهزمين به ضعفاً، ستتميزين بتميزك، ابحثي عنه إنه بداخلك.. اعملي جاهدة، ثابري، وتميزي.. فما الرحلة إلا عمل وعلم، ما الرحلة إلا تميز.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.