الكل يتحدث عن خطوة ترامب غير المفاجئة، المتمثّلة في اعتراف أميركا بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني، ونقل سفارتها من تل أبيب إليها بعد ستة أشهر من الآن.
كان الأمر منتظراً منذ سنوات بعد الاتفاق المشؤوم لمنظمة التحرير مع الاحتلال بأوسلو سنة 1993، وما تلاه من انبطاح وخضوع للسلطة الفلسطينية للقرارات الغربية، خاصة الأميركية منها، التي كانت دائماً الأب الذي يرعى بني صهيون، ويمنحهم الحصانة الكاملة من أجل فعل وصنع ما يشاؤون بالشعب الفلسطيني، مقِدمةً لهم دعماً سخياً على شتى المستويات، أبرزها المجالان العسكري الاستخباراتي والدبلوماسي الذي يظهر في إعلان أميركا لورقة الفيتو عند بروز أي قرار أممي يهدد المصالح الصهيونية.
تتراقص الأسئلة والإجابة تعزف لغة الصمت، وخير دليل ماذا يحدث كل مرة بعد جرائم الحرب التي ترتكب في حق هذه الأمة منذ إعلان الدولة المزعومة بأرض فلسطين عام 1948؟
لا أعلم لماذا الشعوب العربية تُصدم كل مرة من قرارات الغرب؟! وحكامهم العرب ما يرتكبونه في حقهم أكثر من ذلك، فاحتفال بريطانيا بمئوية وعد بلفور لا يستحق التعقيب، ووفاء ترامب بوعده الذي قطعه للوبي الصهيوني خلال الحملة الانتخابية أمر عادي، فهم أحباء وأقرباء من نفس الفصيلة ولهم تنشئة واحدة مبنية على أن كل ما هو عربي أو إسلامي عدو لهم، وما يحدث الآن بالمنطقة من دمار، فأيديهم الخفية لها الدور الكبير في ذلك، شعارهم: "تحرق المنطقة ويْؤمن بني صهيون".
وجب الآن التحدث على ما بعد هذه الخطوة، التي تعتبر تمهيداً لما هو أخطر، يتم التنظير له في العديد من البلدان العربية تحت مسمى "صفقة القرن"، التي أساسها إقامة "وطن بديل للفلسطينيين" وتخليهم عن حق العودة لأراضيهم حسب حدود 1967، واعترافهم بالدولة المحتلة، والأكثر سوءاً هو مساهمة دول عربية في هذا المخطط اللئيم، وأقصد هنا الإمارات، والسعودية "الراعي الرسمي له"، التي أطلقت حملة تطبيعية كبيرة مع الصهاينة معتبرة إياهم حلفاء في مواجهة التمدد الشيعي بقيادة إيران، ولا يمكن أن ننسى "مصر السيسي" التي فتحت أبوابها أرضاً وجواً لهم، وتعمل الآن على تنفيذ أوامرهم بإخلاء سيناء، المرتقب أن تكون الأرض البديلة للفلسطينيين بتمديدها على أراضي غزة، أما الضفة الغربية -حسب خطتهم- فسيتم منحها حكماً ذاتياً تابعاً للمركزية الصهيونية.
ليس دولتا مصر والسعودية الوحيدتين اللتين صارتا تدعمان الكيان الصهيوني سراً وعلناً في كل ما يقوم به ضد الشعب الفلسطيني، فجل الأنظمة بمنطقتنا تسبّح وتبارك لهم قراراتهم، وحتى شجبها وتنديدها مجرد مسرحية، التي قبل أن ينشدوا لغتها يحصلون على رخصة ذلك من عمّهم سام المحدد فيها الدور وحدود الفعل.
كشعوب عربية وجب علينا التكاتف وتوحيد الصفوف والخطوات، فأبسط الخطوات قد تكون أكثر فاعلية كمقاطعة المؤسسات والمنتجات الأميركية، والقيام بحملات على وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على القضية وتعريف الشعب الأميركي، الجاهل سياسياً، بحقيقة ما يقع خلف حدوده، مبرزين لهم ما يحدثه ممثلو سلطتهم من تدمير أقطارنا عبر قرارات جائرة وأعمال شيطانية، وكذلك نهج الأساليب التقليدية كالمظاهرات السلمية أمام القنصليات والسفارات الأميركية، وملء الاستمارات وإرسالها للهيئات الحقوقية الدولية وإلى كل عنصر قد يكون له تأثير في الحدث، بما في ذلك دواوين حكامنا، لعل ضمير أحدهم يستيقظ من سبات طال زمنه، أما الحل النهائي فهو بأيدينا كشعوب إسلامية وعربية دون انتظار عطاءات أو هدايا من أحد، والقدس في فلسطين، وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها ما دُمنا كأمة نؤمن بذلك ومستعدين من أجل ذلك للتضحية بالغالي والنفيس.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.