فشلت محاولة استقلال إقليم كتالونيا، وخفتت أخبار الزعماء الانفصاليين في الإعلام، بعد أن فرَّ رئيس الإقليم وسجن نائبه، فهل تخلوا عن حلمهم بتأسيس جمهورية مستقلة، وهل فازت مدريد بالرهان؟
يعتقد الكثيرون أن الانتخابات الإقليمية المقبلة سوف تحدد مستقبل إسبانيا، سواء بتمهيد الطريق نحو الاستقلال الكتالوني أو تراجع هذا الحلم.
تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية لفت إلى سيطرة خطاب الاستقلال على الانتخابات، ولكن في الوقت ذاته تتعاظم الانقسامات بين الانفصاليين، فيما تتخبَّط مارتا روفيرا زعيمة التيار اليساري، التي تتصدَّر استطلاعات الرأي قبيل الاقتراع، بينما توضع تحت المجهر.
تقول الغارديان إنه بينما تبلغ الحملات الانتخابية ذروتها استعداداً للانتخابات، التي ستجري في 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري 2017، يتجاهل السياسيون تركيزهم التقليدي على مواضيع مثل الاقتصاد، ويُحوِّلون منافسة هذا الشهر إلى سباقٍ بين كتلتين: الانفصاليين والدستوريين.
وقد تعثَّرَت محاولات كزافييه دومينيك، زعيم "كتالونيا أون كومو"، الساعية للتركيز على قضايا مثل الصحة والتعليم، حيث لم تخرج المناظرة التلفزيونية الجماعية الأولى، التي جرت ليلة الخميس، 7 ديسمبر/كانون الأول، والتي شملت جميع الأحزاب الرئيسية عن موضوع الاستقلال إلا نادراً.
وغاب عن هذه المناظرة الجماعية مارتا روفيرا، الأمينة العامة لحزب "اسكويرا ريبابليكانا" اليسار القومي، التي تتصدَّر استطلاعات الرأي بفارقٍ ضئيلٍ. التي وكلها القيادي بنفس الحزب ونائب الرئيس الكتالوني السابق، أورويل جانكيرا، بخوض الانتخابات باسمه نظراً لأنه محتجزٌ في مدريد، لدوره في إعلان استقلال كتالونيا الذي جرى من طرفٍ واحدٍ، في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
نقطة ضعف روفيرا
ولا يؤيد أي سياسيٍ كتالوني الاستقلال أكثر من روفيرا، ومع ذلك فقد يندم أورويل على اختيارها. إذ لطالما وُصِفَت روفيرا بأنها قويةٌ لكن لها نقطة ضعفٍ، وهي تثبت ذلك كلما تركت وسائل الإعلام الداعمة للاستقلال، حيث تُطلِق العنان لخطابها بأريحية.
وتعد اللغة جزءاً من المشكلة. فرغم أن الإسبانية هي اللغة الأم لأكثر من نصف الكتالونيين، غير أن روفيرا لا تشعر بالراحة في كل ما هو ليس كتالونياً. كان ذلك عاملاً ملموساً في المناظرة التي جمعتها بزعيمة حزب "سيودادانوس" الوسطي، أنيس أرمادا، التي خرجت منتصرة بكل وضوح.
بعد ذلك بأيامٍ قليلة لقيت الهزيمة نفسها، هذه المرة على يد مرشح حزب اسكويرا راؤول روميفا، الذي يتحدَّث عدة لغات.
وفي مناظرة الخميس وقف نائبها مكانها، فيما كانت هي في مكانٍ آخر. وألغت في اليوم التالي مؤتمراً صحفياً، مدعيةً كونها مريضةً، رغم أنها تعافت تماماً لتلقي كلمةً في اجتماعٍ حزبيٍ في مساء اليوم نفسه.
رئيس الإقليم في المنفى
تشير الغارديان إلى أن معسكر الانفصاليين الكتالونيين لم يعد متحد الجبهة كما كان. فرئيسه المخلوع كارلس بوتشدمون يعيش حالياً في منفىً ذاتي في بروكسل، ولا يبدو عليه أي شعورٍ بالندم بسبب الحملة التي يتفق الجميع واقعياً على أنها قادت لانقسامٍ عميقٍ في المجتمع الكتالوني.
في هذه الأثناء استنكر غريمه الرئاسي جانكيرا أحاديته في اتخاذ القرارات، معتبراً إياها "خطأً"، ويسعى بدلاً من ذلك إلى خلق حوارٍ مع مدريد. مع ذلك تقول روفيرا: "لم نتخذ يوماً مساراً أحادياً، ذلك أمرٌ اختلقته الحكومة الإسبانية".
وقد أثارت روفيرا تعجب الجميع مرةً أخرى حين ادَّعت عشية الإعلان الأحادي للاستقلال أن مدريد قالت للحكومة الكتالونية: "سيكون هناك دمٌ في الشوارع، ورصاصاتٌ حيةٌ وليست مطاطيةً فقط"، إن لم يتراجعوا. ولقد أنكر المفاوضون ذلك في حينه، من بينهم كبير أساقفة برشلونة، ولم تتمكَّن روفيرا قط من إثبات تلك الادعاءات.
يُذكَر أن حزبها "اسكويرا ريبابليكانا" هو أحد أقدم الأحزاب في كتالونيا. وقد تأسَّس عام 1931، وفي السنة التالية قبلت الجمهورية الإسبانية قانون الحكم الذاتي لكتالونيا. وقد اعتبر الحزب غير قانونيٍ بعد الانتصار الفاشي عام 1939، وفي عام 1940 أُعدِمَ زعيمه لويس كومبانيس، رمياً بالرصاص على يدِ فرقة إعدام.
وفي السنوات الأخيرة، عانت المصداقية اليسارية للحزب بعد تشكيله تحالفات مع قوميي يمين الوسط، بقيادة أرتور ماس، وخليفته الحالي بوتشدمون، وخلال السنوات الخمس الماضية أخذت المسألة القومية تحتل مكاناً أبرز على حساب القضايا المجتمعية. ولقد كُرِّسَت الصفحات الاثنتي عشرة الأولى من بيانهم الرسمي لمسألة السيادة قبل المضي للحديث عن "زيادة الإنتاجية، والقدرة التنافسية للاقتصاد الكتالوني".
عقبة مدريد
تقول الغارديان إذا كانت القضايا المجتمعية تأتي متأخرةً في ترتيب الأولويات، فإن ذلك يرجع للانفصاليين، بمن فيهم عددٌ كبيرٌ من أعضاء حزب اسكويرا ريبابليكانا، الذين يدَّعون أنه لا معنى للمطالبة بتغييرٍ مجتمعيٍ قبل استقلال كتالونيا، لأن مدريد تلجأ ببساطةٍ للمحاكم للتحايل على ما يتخذه البرلمان الكتالوني من قراراتٍ لا تستهويها.
وتقول روزا ماركوس التي تعمل مدرِّسةً في بلدة سيتجيس: "صوَّت الكتالونيون لضمان أن يحظى الفقراء بكهرباء وتدفئةٍ، ثم تجاهلت المحكمة الدستورية الأمر. وصوَّتوا على إنفاق الضرائب على الملكيَّات المهجورة وتحويلها إلى مساكن عامةٍ، ثم تجاهلوا ذلك أيضاً. وصوَّتوا لحظر التكسير الهيدروليكي (عملية تُمثِّل مرحلةً في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي وتُلوِّث البيئة)، وتجاهلوه. وصوَّتوا لحظر مصارعة الثيران، وحدث نفس الشيء. والقائمةٌ طويلة".
وتتساءل الموظفة المدنية الكتالونية جيما باوني شوريغيرا: "هل يمكننا فعلاً تحليل السياسة بمنظور اليسار واليمين؟ أظن أن ذلك تقسيمٌ عفى عليه الزمن. فأين تُصنِّف حزب "سيودادانوس" (حزب كتالوني وسطي)؟ وأين تُصنِّف بوتين؟ الأمور أعقد من ذلك، وليس من الكافي الحديث الآن بمنظور اليمين واليسار". فإنه من المُتوقَّع أن تسفر الانتخابات عن تحالفٍ غريبٍ وغير مستقرٍ من الانفصاليين، أو ممن يسمَّون بالدستوريين – الذين هم البقية- سواء كان هذا التحالف يحمل اسم اليمين أو اليسار.
هل تتم استعادة الاستقرار؟
وحين فرض رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي الحكم المباشر، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2017، ودعا لانتخاباتٍ إقليميةٍ، قال إن هدفه هو استعادة الاستقرار في كتالونيا.
لكن هذه الانتخابات، التي يخوضها الرئيس السابق للإقليم من بروكسل، ويخوضها نائبه من السجن، ليست انتخاباتٍ عادية بأي حال.
وإحدى النتائج غير المقصودة هي أن كتالونيا قد تنتخب امرأةً لأولِ مرة. فبينما تخوض روفيرا الانتخابات باسم أورويل، فإن إلسا أرتادي تقود حملة الرئيس السابق للإقليم بوتشدمون في غيابه، أما أرمادا فهي مُرشَّحة حزب "سيودادانوس". والرجل الوحيد المُرجَّح أن يصبح رئيساً هو القيادي الاشتراكي ميكيل إيسيتا.
الأمر الوحيد الأكيد هو أن موضوع الاستقلال سيهيمن أياً كانت النتيجة، وعلى الحكومة الإسبانية أن تتوقَّف عن خداع نفسها باعتقاد أن الفكرة ستُنسى في خضم الاضطهاد والإنهاك، حسب الغارديان.
وقال أورويل من السجن: "علينا أن نثابر"، وهي كلماتٌ ردَّدَتها روفيرا، التي قالت لاجتماعٍ في تاريغا بوسط كتالونيا: "إننا نعيش أياماً عصيبةً. إن لم نفز في 21 ديسمبر/كانون الأول 2017، فسوف يكسحوننا. يجب أن نفوز لنستكمل بناء الجمهورية ولنصادق على تفويض استفتاء الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2017".